الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فالاستسلام والتسليم ليسا مترادفين، بل هما متقاربان، ويتبيَّن ذلك ببيان معنى كلٍّ منهما؛ فالاستسلام كمال الانقياد وترك المنازعة، والتسليم كمال تصديق الخبر، وكمال قبول الحكم والحجة، وفي ضوء ذلك نقول: كلُ استسلامٍ فهو تسليم، وليس كلُّ تسليمٍ استسلامًا، ولهذا يفسَّر الإسلام بالاستسلام[1]، ولا يفسَّر بالتسليم، وبهذه المناسبة نقول: الإسلام المتضمِّن للاستسلام ورد في القرآن كثيرًا، وورد ذكر مشتقاته أسماء وأفعالًا، وأما التسليم فلم يرد إلا في موضعين من القرآن: وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]، وقوله تعالى: وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب: 22]، وأما قوله سبحانه: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] فهو معنى آخر، وهو التحيَّة[2].
والمتدبر لكلام العلماء يظهر له أنهم يريدون بالاستسلام الانقيادَ لما جاء به النبي ﷺ، وأصلُ ذلك الدخول في دين الإسلام، ويريدون بالتسليم كمالَ قبول حكم الله ورسوله، وقبول حججه وآياته، وكمالَ تصديق خبر الله ورسوله، والله أعلم[3].
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 25 ربيع الأول 1446هـ
[1] ينظر على سبيل المثال: النبوات (1/346) وما بعدها، والإيمان لابن تيمية (ص207)، والتدمرية بشرح شيخنا (ص577).
[2] وهو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه، وفيه: “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته”؛ ففي البخاري (4797) -واللفظ له- ومسلم (406) عن كعب بن عجرة – رضي الله عنه: «قيل: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد. وينظر: تفسير ابن كثير (6/459).
[3] ينظر: شرح العقيدة الطحاوية لشيخنا (ص128).