الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، أما بعد:
فللإمام أن يقرأ القرآن كيفما شاء، مرتِّبًا لقراءاته في صلواته بمعنى أنه يبدأ به من الفاتحة حتى يختمه، فهذا جائز، ولكننا لا نقول: إنه مشروعٌ أو مستحبٌّ يرغَّب فيه[1]؛ لأن المعروف من هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه يقرأ في صلواته من المفصَّل من طواله وأوساطه وقصاره[2]، وربما قرأ من غيره، كما حُزر مقدار قراءته في الأُولَيَيْن من الظهر بـ: “ألم السجدة”[3]، فربما قرأ -صلى الله عليه وسلم- ذلك من المفصل بهذا المقدار، وقرأ في المغرب بـ”الأعراف”، لكن ذلك لم يقع إلا مرة[4]، وعلى هذا فنقول: إنَّ الإمام إذا قصد ختم القرآن فعليه أن يراعي حقَّ المأمومين، فيمكنه أن يقرأ آيات، ويختم في زمن أطول؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المشقَّة على المأمومين، وأنكر على معاذ -رضي الله عنه- لما أطال بأصحابه، وقال له: “أفتَّانٌ أنت يا معاذ؟!” [5]، وأرشده إلى سور يقرأ بها في صلاة العشاء من أوساط المفصَّل: “سبِّح”، “والشمس وضحاها”، “والليل إذا يغشى”[6]، وعلى هذا فإذا كان القصد إلى ختم القرآن يؤدي إلى المشقَّة على المأمومين المخالفة لإرشاد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يجوز ذلك، ومن الأحاديث الواردة في ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح: “إذا صلى أحدكم للناس فَلْيُخَفِّفْ؛ فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطوِّل ما شاء”[7] وفي لفظ: “وذا الحاجة”[8]. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 1 رجب 1445هـ
[1] ينظر: مسائل عبد الله للإمام أحمد (296)، وبدائع الفوائد (3/989-990).
[2] أخرج أحمد (7991)، والنسائي (982) -واللفظ له- عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة قال: “ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان. قال سليمان: كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصَّل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطول المفصَّل”. وصححه ابن خزيمة (520)، وابن حبان (1837).
[3] أخرجه مسلم (452) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[4] أخرجه البخاري (764) من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وفيه: “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بطول الطوليين”، وعند أحمد (21641): “قال ابن أبي مليكة: وما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف”. وينظر: فتح الباري (2/247)، وأصل صفة صلاة النبي للألباني (2/483).
[5] أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465) من حديث جابر رضي الله عنه، وهذا لفظ أحمد (14190).
[6] كما في البخاري (705)، وفي مسلم (465) زاد: “والضحى”.
[7] أخرجه البخاري (703) -واللفظ له- ومسلم (467) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] أخرجه البخاري (90)، (702)، (6110)، ومسلم (466) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، وفيه: “المريض” و”الضعيف” و”الكبير”، و”ذا الحاجة”. وأخرجه مسلم (467-185) من حديث أبي هريرة السابق وفيه: ” الكبير والضعيف وذا الحاجة “.