الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فأقول: نعم، هذا ما أختارُه وأفعلُه، وهو ما ظهر لي؛ فإنَّ مَنْ منَع جمع العصر مع الجمعة[1] لم يذكر على المنع دليلًا إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل العصر مع الجمعة[2]، وأقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصلِّ الجمعة في السفر قطُّ، فكيف يُدَّعى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجمع الجمعة مع العصر، ويُجعل ذلك أصلًا لمنع الجمع؟! ونحن -في السفر- كثيرًا ما نوافق صلاة الجمعة في المسجد الحرام وغيره ونحن عازمون على الارتحال، وهذا هو المقتضي لجمع التقديم، وفي تركه مشقَّة. هذا ومحلُّ ما ذكرتُه هو جمع العصر مع الجمعة في السفر، أمَّا في الحضر فمنعُه متوجِّه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلَّى الجمعة في المدينة، وقد نزل المطر عليهم في أثناء الصلاة[3]، فلم يجمع العصر مع الجمعة.
وبعدُ فأنبه على أنه بعد كتابة هذه الفتوى وقفتُ على كلام النووي وغيره من الشافعية وفيه جوازُ جمع العصر مع الجمعة تقديمًا حتى في الحضر في المطر، فينظر في ذلك “المجموع”[4] و”روضة الطالبين”[5] كلاههما لأبي زكريا النووي، وقال زكريا الأنصاري في “أسنى المطالب”[6]: ” ويجوز جمع الجمعة والعصر تقديمًا، كما نقله الزركشي، واعتمده، كجمعهما بالمطر بل أولى” اهـ يشير إلى قول الزركشي في “البحر المحيط”[7]: “والمشهور الجواز”. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 5 ربيع الآخر 1446هـ
[1] وهو المذهب. ينظر: كشاف القناع (3/320).
[2] ينظر: الشرح الممتع (4/402-403).
[3] ولعل شيخنا- حفظه الله- يشير لحديث استسقاء واستصحاء الأعرابي، وهو في البخاري (1013)، ومسلم (897) عن أنس رضي الله عنه، وفيه- كما في لفظ مسلم-: “ثم أمطرت. قال: فلا والله! ما رأينا الشمس سبتًا. قال: ثم دخل رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة”. ووجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجمع العصر إلى الجمعة مع وجود المبيح للجمع، وهو المطر في الجمعة الأولى، والوحل في الجمعة الثانية. ينظر: الشرح الممتع (5/109).
[4] (4/383).
[5] (1/400).
[6] (1/242).
[7] (7/78).