الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا الحديث في فضل الستر على المسلم عامٌّ في كل ما يطلب ستره، ويحب المسلم ستره عليه من العيوب والذنوب الواقعة في الحاضر أو الماضي، ولو كان من كبائر الذنوب، سواء كان فيه حد أو لا، وتجب نصيحته سرًّا على مَن علم بحاله، وكان المرتكب للمنكر يعلم باطلاعه عليه، أما إذا كان لا يعلم باطلاع هذا الناصح على باطن أمره فالواجب الاكتفاء بالنصيحة العامة؛ كالوصية بلزوم التقوى والحذر من الذنوب، ولا يحل للمسلم أن يفضح أخاه ويكشف ستر الله عنه، فإن هذا ليس من النصيحة في شيء، بل من البغي والعدوان، ويستثنى مما يجب فيه الستر ما يتضمن ضررًا عامًّا؛كمجامع الفساد وتبييت الكيد والعدوان على حرمات المسلمين أو أحد منهم، فإنه يجب إنكار هذا المنكر ودفعه بكل ما يمكن، ولا يحل الستر على مثل هؤلاء مع إصرارهم على باطلهم، وكذلك القتل العمد وهو الموجب للقصاص فلا يحل ستره، بل تجب الشهادة به على مَن اطَّلع على الحال، أما مَن أظهر المنكر وجاهر به فيجب الإنكار عليه بالطريقة المثلى، وهي التي يحصل بها تحقيق الصلاح وإزالة الفساد بحسب الإمكان؛ فإن ذلك هو الغاية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيسلك الداعية إلى الله ما يوصل إلى المقصود، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأفعال والأشخاص، والحكيم في دعوته يضع الأمور في مواضعها فيدعو إلى الله سرًّا وعلنًا وقولًا وفعلًا، ويغيِّر ما يظهر من المنكرات بحسب ما يستطيع من التغيير باليد أو باللسان أو بالقلب كما قال -صلى الله عليه وسلم-: مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان[2]، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
روجع في يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول من عام ستة وأربعين وأربع مئة بعد الألف.
[1] أخرجه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[2] أخرجه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.