الرئيسية/فتاوى/هل علم الله يتجزأ وحكم قول إنَّ الله أعطانا جزءا من علمه

هل علم الله يتجزأ وحكم قول إنَّ الله أعطانا جزءا من علمه

السؤال :

أحسن الله إليكم، هل علمُ الله -جلَّ وعلا- يتجزأ؟ وهل يصحّ قول مَن قال: إنَّ الله أعطانا جزءًا مِن علمه؟ بارك الله فيكم.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فالعلمُ لغة يُطلق على الوصف القائم بالعالِم، وعلى المعلوم الذي تعلَّق به العلم[1]؛ فمن قام به العلم فهو عالم، وما تعلَّق به العلم فهو معلوم، وهذا يجري في حقِّ الخالق والمخلوق؛ فالعلم من صفات الله الذاتية التي هي موصوف بها أزلًا وأبدًا[2]، وعلمُه تعالى متعلِّق بكل شيء من الموجودات والمعدومات والممتنعات؛ يعلم كلًّا منها على ما هو عليه، وجودًا وعدمًا وإمكانًا وامتناعًا[3]، وهذا هو الكمال، وهو علم الشيء على الحقيقة، أمَّا علم الشيء على خلاف ما هو عليه فهو حقيقة الجهل.

وقد أثنى الله تعالى على نفسه بالعلم بكل شيء، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وهذا أعمُّ عموم؛ إذْ لا يخرج من هذا العموم شيء، فلا يقع فيه تخصيص[4]، وقد فصَّل الله ذلك في آيات من كتابه، كقوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام: 59] الآية، وقوله تعالى: قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران: 29] الآية، ونزَّه تعالى نفسه عن أن يخفى عليه شيء في الأرض أو في السماء، فأثبت تعالى لنفسه الكمال، ونزَّه نفسه عن النقص، وهما متلازمان؛ فإثبات الكمال يستلزم نفيَ ضدِّه من النقص، ونفيُ النقص يستلزم إثباتَ ضده من الكمال، وقد وصف الله علمه بالإحاطة بالمعلوم، فقال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12]، ومعنى ذلك أن علمه تعالى بالأشياء علم إحاطة، فيعلم الشيء من كلِّ وجه، لا من وجه دون وجه[5].

وصفات الله تتعلق بالأشياء بحسب ما يناسب من التعلُّق؛ فالأصوات يتعلَّق بها سمعه وعلمه، والمرئيات يتعلَّق بها بصره وعلمه، والممكنات يتعلَّق بها قدرته وعلمه، والممتنعات يتعلَّق بها علمه، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في الإجمال.

وبعد؛ فالتجزؤ المسؤول عنه متحقِّق في المعلومات المخلوقات، وهو فيها بدهيٌّ، أمَّا العلم الذي هو وصفُه القائم به تعالى، فلا يجوز إطلاق التجزؤ فيه؛ لأن ذلك يشعر بالزيادة والنقص، والله تعالى موصوف بكمال العلم على أكمل وجه، وسبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم،

وأمَّا قول القائل: “إن الله أعطانا جزءًا من علمه”، فهذا صحيح، وهو يصدُق في المعلومات، كما تقدَّم، وذلك بتعليمه تعالى لنا ما لم نعلم، كما قال تعالى: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 5]، وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء: 113]، فدخل في ذلك جميع علوم العالمين من الملائكة والإنس والجن، قال تعالى عن الملائكة: لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32]، والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 27 صفر 1446هـ

[1] لأن المصدر في اللغة العربية يُطلق ويُراد به المعنى المصدري، ويُطلقُ ويُراد به اسم المفعول.

[2] ينظر ضابط الصفات الذاتية في: شرح الطحاوية لشيخنا (ص56).

[3] ينظر: شرح الطحاوية لشيخنا (ص68).

[4] ينظر: الإحكام في أصول الأحكام (2/282).

[5] ينظر: تفسير الطبري (23/82).