الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فلا بد قبل الجواب من مقدمتين:
الأولى: أن التَّكليم من العظيم يكون تهديدًا وتوبيخًا لقوم، وتشريفًا وتكريمًا لقوم، وقد دلَّ القرآن على أن الأول مِن الله للكفَّار والمشركين في عرصات القيامة وفي النار، وأن الثاني من الله لأوليائه في الجنة: سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58]، وقد جاء في القرآن أن الله ينادي الكفَّار، وأنه لا يكلمهم، فوجب الجمع بين الدليلين، وذلك بمراعاة التقسيم السابق للتكليم؛ فيقال: لا يكلمهم كلام تكريم، بل يكلمهم كلام توبيخ[2]، فما قاله ابنُ كثير لابد منه في نفي تكليم الله للكفَّار.
الثانية: أنه ممَّا ينبغي أن يُعلم أن بين الرؤية والنظر فرقًا؛ فالله تعالى يرى جميع مخلوقاته، ولا نقول: إنه ينظر إلى جميع مخلوقاته؛ فإنَّ النَّظر لم يأت في النصوص إلا خاصًّا، سواء أكان في النفي أم في الإثبات، فقوله تعالى: وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِم [آل عمران: 77] نفيٌ للنظر المتضمِّن للرحمة والعناية، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ الله لا ينظرُ إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه[3].
ومن نوع النَّظر المنفيِّ عن الكفَّار النظرُ في قوله -صلى الله عليه وسلم- في المتفق عليه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: « لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء»، وهذا لفظ مسلم[4].
وتقييد النَّظر المنفيِّ بنظر الرَّحمة: من أجل أن الكفَّار ليسوا أهلًا لرحمة الله، ولم يأت ما يعارض ذلك، كما جاء في التَّكليم، أي: ينظر إلى الكفَّار في موقف القيامة، حتى يقال: إنَّ الدليل من أجل الجمع بين النفي والإثبات.
فعُلم أن ما قاله ابن كثير ليس من التأويل المذموم الذي يسلكه نفاة الصفات، وتبيَّن أيضًا أنَّ بين الرؤية والنظر فرقًا من وجهين، من حيث العموم والخصوص، فالرؤية عامة، والنظر خاص، ومن حيث العناية بالمنظور إليه دون المرئي. هذا ما تيسَّر، والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 9 جمادى الأولى 1446هـ
[1] تفسير ابن كثير (2/62).
[2] ينظر: دفع إيهام الاضطراب (ص38-39)، وتفسير البغوي (1/184).
[3] برقم (2564).
[4] أخرجه البخاري (3665)، ومسلم (2085).