الرئيسية/فتاوى/هل التوحيد واحد والتصديق لا يقبل الزيادة ولا النقص؟

هل التوحيد واحد والتصديق لا يقبل الزيادة ولا النقص؟

السؤال :

صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البرّاك -حفظه الله-: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فأسألُ الله أن تكونوا بخير حال، ثم إنه مرَّ بي في كتاب ابن المنيّر الموسوم بـ “المتواري على أبواب البخاري” (ص51) قوله: “إن قال قائل: كيف موقع هذه الترجمة (يريد قول البخاري: باب حسن إسلام المرء) من زيادة الإسلام ونقصانه؟ قيل: لما أثبت للإسلام صفة الحسن، وهي زائدة عليه، دلَّ على اختلاف أحواله. وإنما تختلف الأحوال بالنسبة إلى الأعمال، وأما التوحيد فواحد” ا.هـ.

 س1: ما مراده بقوله: “أما التوحيد فواحد”؟ رأيت الدماميني في مصابيح الجامع (1/137) جعل ذلك التصديق، وذكر أنه لا يقبل الزيادة ولا النقص، ثم قال: “هذا معنى كلام ابن المنيّر”. فهل ما فهمه صاحب “المصابيح” صحيح؟

س2: هل التصديق لا يقبل الزيادة ولا النقص؟ وجزاكم الله خيرًا.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأقول في الجواب: الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فالمعروف أنَّ مذهب الأشاعرة في الإيمان هو التَّصديق[1]، وهذا هو مذهب مرجئة الفقهاء[2]، ومع ذلك يقولون: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ ولهذا يقول الطحاوي في عقيدته: ” والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى” اهـ[3].

وما قاله ابن المنيِّر جارٍ على هذا المذهب؛ لأنه خصَّ الزيادة بالحسن في الأعمال، يقول: “وأما التوحيد فواحد”، أي: إنه لا تفاضل فيه، وهذا خلاف التحقيق؛ فإنَّ الناس متفاضلون في التوحيد؛ فأكملهم توحيدًا الأنبياء، وأكملهم أولو العزم، وأكملهم الخليلان، وأكمل الناس توحيدًا نبيُّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب “التوحيد” للتنبيه على ذلك: “باب مَن حقَّق التَّوحيد دخل الجنة بغير حساب”[4]، واستشهد لذلك بقوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا [النحل: 120]، وبقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ [المؤمنون: 59]، والقول بأن التوحيد واحد يناقض هذه الحقيقة؛ فإنه يقتضي أن التوحيد في قلوب الأنبياء والأولياء والمؤمنين على مرتبة واحدة، وهذا ظاهر الفساد.

وكذلك التَّصديق فإنَّه عند الأشاعرة[5] وسائر المرجئة لا يتفاضل، وهذا مناقضٌ لمقتضى العقل والشَّرع والواقع؛ فإنَّ التَّصديق تابعٌ للدليل، وكلَّما كان الدليل أقوى كان التَّصديق أتمَّ وأقوى؛ فلا يقول عاقل: إنَّ خبر الواحد يوجبُ من التَّصديق ما يوجبه الخبر المتواتر، بل إذا بلغ التَّصديقُ مرتبةَ اليقين؛ فإن اليقين ثلاث مراتب، كما دلَّ عليها القرآن، وهي علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين[6].

فتبيَّن ممَّا تقدَّم خطأ ابن المنيِّر في قوله: “إنَّ التوحيد واحد”، وخطأ من قال: “إن التَّصديق لا يتفاضل”. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 10 جمادى الأولى 1446ه

 

[1] ينظر على سبيل المثال: الإرشاد الى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (ص416)، وشرح المواقف (8/322)، وحاشية ابن الأمير على إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد (ص87).

[2] ينظر: مقالات الإسلاميين (1/119)، والملل والنحل (1/141).

[3] ينظر: العقيدة الطحاوية بشرح شيخنا (ص234).

[4] كتاب التوحيد بشرح شيخنا (ص79).

[5] وهو أحد أقوالهم. ينظر: الإرشاد الى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (ص418)، وشرح المواقف (8/330).

[6] ينظر: الإيمان الكبير (ص184)، والإيمان الأوسط (ص460).