الرئيسية/فتاوى/الضابط في اعتبار الاسم من أسماء الله الحسنى

الضابط في اعتبار الاسم من أسماء الله الحسنى

السؤال :

شيخنا الكريم أحسن الله إليكم: ما هو الضابط في اعتبار الأسماء الحسنى لله تعالى؟ وهل للإضافة أو التنكير أثرٌ في ذلك؟ فهل يعد (خير الفاصلين) و(أحكم الحاكمين) منها؟ ويُعبَّد لها فيقال: عبد خير الفاصلين؟

وهل يعد (المليك) من قوله تعالى عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 55]، و(المالك) من قوله تعالى مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4]؟ و(الحفي) من قوله تعالى إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 47]؟ والجميل من قوله -صلى الله عليه وسلم-: إنَّ اللهَ جميلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ؟ وهل يثبت الاسم بقول الصحابي؟ كمن أثبت اسم (الأعز) أخذًا من دعاء ابن مسعود في السعي: ربِّ اغْفِرْ وارحمْ، وتجاوَزْ عمَّا تعلمُ؛ إنَّك أنتَ الأعزُّ الأكرمُ.

نرجو البيان والتوضيح في هذه المسألة التي أشكلت علينا. وجزاكم الله خيرا.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد: فقد أخبر الله تعالى بأن له الأسماء الحسنى في أربعة مواضع من القرآن[1]، فكل أسمائه تعالى حُسنى، وحُسنى أفعل تفضيل، فأسماؤه تعالى أحسن الأسماء، وقد دلَّ القرآن على كثير من الأسماء الحُسنى، ودلَّت السنة على بعضها، وفي الحديث المتفق عليه: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مئة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة”[2]، ولم يعيِّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأسماء المخصوصة بالعدد، وهي داخلة في عموم الأسماء وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف: 180]، وأما الأسماء التسعة والتسعون التي يتناقلها الناس، فليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما هي مِن جمعِ بعض الرواة[3]، ولكن دلَّت السنة على أن أسماء الله كثيرةٌ لا تحصى، كما في حديث دعاء الهمِّ، وفيه: «أسألك بكلِّ اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»[4].

     فدلَّ هذا الحديث على أن الله أنزل من أسمائه ما شاء فيما شاء من كتبه؛ كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها، ومنها ما علَّمه مَن شاء مِن عباده؛ من أنبيائه وأوليائه وملائكته، ومنها ما اختصَّ بعلمه، فلم يعلِّمه أحدًا، وهي التي استأثر الله بها في علم الغيب، وهذه التي استأثر بها لا يعلمها أحدٌ من الخلق، لا لفظها ولا معناها.

     ثم هذه الأسماء الواردة في القرآن كثيرًا ما تذيَّل بها الآيات، أي: تُختم بها، تارةً تكون محلَّاة بأل، وتارة بدون ذلك، فمن الأول قوله تعالى: هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163]، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر: 23]، ونظائرها كثيرة، ومن النوع الثاني: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 220]، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 224]، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة: 218].

     ومن الضوابط التي تُعرف بها أسماء الله في القرآن أو في السنة: الإخبارُ عن اسم الله باللفظ المشتق على وجه الثناء[5]، لا لمجرد الإخبار[6]، وكلُّ ما ورد في القرآن والسنة من النوع الأول، أي: ذُكر ثناءً على الله، كما في الآيات المتقدمة، ومن الأمثلة في السنة قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله جميل يحب الجمال رواه مسلم[7]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: يا عائشة، إن الله رفيق يحب ‌الرِّفْقَ في الأمر كله متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها[8]، فمن أسمائه تعالى الرفيق والجميل، وقوله -صلى الله عليه وسلم- في دعاء ليلة القدر: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني[9].

     وممَّا يجب التنبُّه إليه أن كلَّ اسم من أسمائه تعالى متضمِّنٌ لصفة؛ فهي أسماء وصفات؛ فباعتبار دلالتها على الذَّات هي أعلام، وباعتبار دلالتها على الصفة هي صفات؛ فالرحمن والرحيم اسمان وصفتان لله: اسمان لأنهما يدلَّان على نفس الرَّبِّ، وصفتان لأنهما يدلَّان على صفة الرحمة، وقل مثل ذلك في العليم الحكيم، والعزيز الرحيم، والغنيِّ الحميد، ولهذا لا يقال بإطلاق: إن أسماء الله مترادفة أو متباينة، بل هي مترادفة لدلالتها على الذات، ومتباينة لدلالتها على الصفات، فيصح أن تقول: إن العليم هو الحكيم، والعزيز هو الرحيم، والغنيُّ هو الحميد، ويصح أن تقول: إن العليم غير الحكيم؛ لاختلاف الصفات، وهكذا ما بعده[10]، وشبَّهَها شيخ الإسلام بأسماء القرآن، يقول: إن هذا النوع يسمَّى الأسماء المتكافئة، لا متباينة ولا مترادفة، قال: ومن هذا النوع في اللغة أسماء السيف؛ كالصارم والحسام والمهنَّد[11].

     أمَّا ما يُذكر لمجرد الخبر فلا يعدُّ من الأسماء، كالشيء والموجود والشخص وواجب الوجود، فعُلم ممَّا تقدم أن ما ذُكر من أسماء الله هو من الأسماء المفردة، ويقابلها المركبة، وهي المضافة، وهي كثيرة، مثل: خير الرازقين، وخير الماكرين، وخير الناصرين، وخير الفاصلين، وخير الغافرين، وأحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وربّ العالمين، وفاطر السماوات والأرض، ورب العرش العظيم، وعلَّام الغيوب، وعالم الغيب والشهادة[12].

     ومما ينبغي التنبُّه له أن من الأسماء المفردة ما يصح إطلاقه على المخلوق بحسب ما يليق به؛ كالعزيز والكريم والغنيِّ والسميع والبصير، ومنها ما لا يُطلق إلا على الله؛ كقُدُّوس وسُبُّوح، وأمَّا الأسماء المركبة فلا يُطلق شيء منها على المخلوق.

     وأمَّا مسألة التعبيد لأسماء الله، فالواجب اختصاص ذلك بالأسماء المختصة بالله، مثل الأسماء الكريمة من الأسماء المفردة، وأفضلها التعبيد لله والرحمن؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما[13]، وينبغي اختصاص ذلك بالمحلَّى بأل، كالعزيز والرحيم والكريم.

    وأمَّا الأسماء المركبة فلا يناسب فيها التعبيد وإن كان صحيحًا؛ لما يلزم فيه من التطويل، فلا يقال: عبدُ ربِّ السموات والأرض، أو عبدُ ربِّ كلِّ شيء، أو عبدُ خير الفاصلين.

     وكما تثبت الأسماء بالكتاب والسنة فتثبت بقول الصحابي؛ لأن هذا النوع له حكم الرفع، والأعزُّ – المسؤول عنه –[14] كالأكرم المذكور في سورة العلق.

     وأما المالك والمليك فهما من الأسماء الحسنى، وهما بمعنى الملِك، وأما الحفيُّ فالأظهر عندي أنه ليس من الأسماء الحسنى، بل جاء على لسان إبراهيم عليه مختصًّا به، إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 47] [15]. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 1 شعبان 1446هـ

 

[1] في الأعراف: 180، والإسراء:10، وطه:8، والحشر:24.

[2] أخرجه البخاري (2736)، ومسلم (2677) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] أخرجه الترمذي (3507)، وابن ماجه (3861)، وابن حبان (808)، والحاكم (41)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث”. وقال شيخ الإسلام: “ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذا ذكره الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أو عن بعض شيوخه؛ ولهذا لم يروه أحد من أهل الكتب المشهورة إلا الترمذي، رواه عن طريق الوليد بن مسلم بسياق، ورواه غيره باختلاف في الأسماء وفي ترتيبها؛ يبين أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وسائر من روى هذا الحديث عن أبي هريرة، ثم عن الأعرج، ثم عن أبي الزناد، لم يذكروا أعيان الأسماء”. مجموع الفتاوى (8/96). وينظر: فتح الباري (11/215-216).

[4] أخرجه أحمد (3712) -واللفظ له-، وابن أبي شيبة (29318)، وأبو يعلى (5297) -وعنه ابن حبان (972) -، والحاكم (1877)، وصححه ابن حبان، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار (4/100). وينظر: الصحيحة (199).

[5] ينظر: شرح العقيدة الأصبهانية (ص9).

[6] ينظر: مجموع الفتاوى (6/142).

[7] برقم (91) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

[8] أخرجه البخاري (6927) -واللفظ له-، ومسلم (2593).

[9] أخرجه أحمد (25384)، (25741)، والترمذي (3513)، والنسائي في الكبرى (7665)، (10642-10647)، وابن ماجه (3850) من حديث عائشة رضي الله عنها. وصححه الترمذي والحاكم (1942)، وينظر: الصحيحة (‌‌3337).

[10] ينظر: القواعد المثلى بتعليق شيخنا (ص24).

[11] ينظر: التدمرية بشرح شيخنا (ص402).

[12] ينظر: مجموع الفتاوى (22/485)، ومعتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى (ص188).

[13] برقم (2132).

[14] أخرجه ابن أبي شيبة (16281) بنحو ما ذكره السائل، وقال البيهقي في السنن الكبير (9425): “‌هذا ‌أصح ‌الروايات ‌في ‌ذلك ‌عن ‌ابن ‌مسعود” وصححه العراقي موقوفًا، وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (16287) عن ابن عمر، وقال الألباني أن الإسنادين لابن مسعود وابن عمر صحيحين. ينظر: تخريج الإحياء (‌‌1023)، ومناسك الحج والعمرة (ص27).

[15] ينظر: التعليق على القواعد المثلى لشيخنا (ص50).