الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:
فهذا السؤال أو سمِّه الشبهة هو من وحي الشيطان مباشرة، يدل لذلك ما صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: يأتي أحدكم الشيطان فيقول له: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له: من خلق الله؟ ثم قال: فمن وجد ذلك فليستعذ بالله من الشيطان، ولينته، وليقل: آمنت بالله ورسله[1] فهذه ثلاثة أمور كلها علاج لهذا الوسواس:
أولها: الاستعاذة بالله: وهو الاعتصام به؛ فإنه لا يعصم من الشيطان إلا الله القادر على كل شيء.
الثاني: قطع التفكير؛ لأن التمادي في هذا التفكير لا يزيد الإنسان إلا قلقًا وحيرة، وقطع التفكير هو الذي عبَّر عنه الرسول بقوله: “فلينتهِ”.
والثالث: قول المبتلى بهذا الوسواس: “آمنت بالله ورسله”؛ وفي هذا تذكُّرٌ لإيمانه وتأكيد له، ومراغمةٌ للشيطان.
ومن عمل بهذا الإرشاد النبوي فلا بد أن يضعف ما في نفسه من كيد الشيطان أو يزول، وطرد هذا السؤال يتضمن القول بتسلسل الفاعلين الذي معناه: أن الخالق له خالق، والخالق له خالق إلى ما لا نهاية، وهذا ممتنع في ضرورة العقل؛ قال العلماء: لأنه يستلزم ألا يوجَد شيء، والوجود محسوس ومشاهد، فبطل التسلسل في الفاعلين؛ لأن انتفاء اللازم يلزم منه انتفاء الملزوم، ووَجْهُ أن تسلسل الفاعلين يستلزم ألا يوجد شيء؛ لأنه على تقدير التسلسل في الفاعلين كل فردٍ هو ممكن قابل للوجود والعدم؛ لأنه على هذا التقدير مخلوق، والمخلوق ممكن الوجود لا واجب الوجود، والقابل للوجود والعدم قَبْلَ وجوده كان معدومًا، والمعدوم يمتنع أن يخلق نفسه كما يمتنع أن يوجِد غيره؛ فعلم أنه لا بد أن ينتهي الوجود إلى واجب، أي: إلى موجود واجب الوجود يمتنِع عليه الحدوث والعدم[2]، وهذا التقرير العقلي قد لا يفهمه كثير ممن تعرِض لهم تلك الشبهة، وما أرشد إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- من الأمور الثلاثة كافية في الشفاء لمن استشفى بها، مؤمنًا بأن الذي أرشد إليها لا يقول إلا حقا، آمِنًا بالله وبرسوله وكتابه، وهذا هو الصراط المستقيم الذي نستهدي الله له في كل ركعة من الصلاة، وهو صراط المنعَم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في يوم الإثنين الثالث عشر من شهر رجب من عام ستة وأربعين وأربعمئة وألف.
[1] أخرجه البخاري (3276)، ومسلم (134) من حديث أبي هريرة بنحوه. وزيادة: ” آمنت بالله ورسله ” في مسلم (134-212)، (134-213).
[2] ينظر: درء التعارض (1/363)، (3/306) وما بعدها، ومنهاج السنة (1/436) وما بعدها، ومجموع الفتاوى (16/445).