الرئيسية/فتاوى/الرد على شبهة مشكلة الشر

الرد على شبهة مشكلة الشر

السؤال :

أحسن الله إليكم يقول الخبراء في دراسة ملف الإلحاد: إن أكبر سبب للإلحاد هو ما يسمى “معضلة الشر” ووجوده في هذا الكون؛ وأن وجود الشر يدل -بزعمهم- إما على عدم وجود الرب أو عدم رحمته، فنرجو توضيح هذه المسألة؟ وبارك الله فيكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه؛ أما بعد:

فمذهب أهل السنة والجماعة أن الله خالق الخير والشر ومقدِّرهما، وما وقع في الكون منهما فبمشيئته، وما لم يقع فلعدم مشيئة الله ذلك الشيء، وهذا يدل بالضرورة على كمال قدرته وربوبيته، ومع ذلك يثبت أهل السنة حكمته في جميع أفعاله[1]، وقد فصَّل ذلك في كتابه؛ فأخبر أنه خلق السموات والأرض، وخلق الموت والحياة ليبلوَ العباد أيهم أحسن عملًا، ولتجزى كل نفس بما كسبت؛ هذا ومن مقتضى حكمته خلق الأضداد من الليل والنهار والنافع والضار، والموت والحياة، ومن كمال حكمته وضع الأشياء في مواضعها، ومن ذلك  الجزاء على الأعمال ثوابًا وعقابًا مقدِّرًا بما يناسب مقادير الأعمال على حدِّ قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7-8]، ومما ينبغي أن يُعلم أن من الشر ما يكون رحمة لمن ابتلي به؛ كالمصائب التي يكفِّر بها السيئات عمن شاء، وتتحقق به عبودية الصبر فتكون هذه المصائب نعمةً تستوجب الشكر، وكالعقوبات التي يهلك الله بها الظالمين فتكون رحمة للعالمين، ويجب أن يُعلم أن الله لم يخلق شرًا محضًا، بل ما من شر إلا وفيه من الخير ما يرجُح وجوده[2]، وأما قول القائل: إن وجود الشر يلزم منه عدم وجود الرب أو عدم الرحمة فهي ملازمة باطلة، بل الأمر بالعكس بل وجود الشر -وهو من جملة المخلوقات- يستلزم وجود خالق، وأيضًا مِن الشر ما يكون رحمة عامة أو خاصة كما تقدم؛ فبطل ما يزعمه الملحدون من جحد الرب وجحد حكمته، فسبحان الخالق لكل شيء من المخلوقات، والقادر على كل شيء، والموصوف بأكمل الصفات من العلم والحكمة والقدرة، وبعد: فاحذر أيها المسلم أن تتطلع على شبهات الملحدين ثقة بما عندك من العلم واليقين؛ فإنه لا يُؤمَن أن تَعْلَق الشبهة بالقلب فيصعب التخلص منها، وأنجع دواءٍ يخلصك من تلك الشبهات: ما أرشد إليه النبي –صلى الله عليه وسلم- من شكا إليه الوسواس، وهي ثلاثة أمور:

 1-أن ينتهي عن التفكير في الشبهة.

 2-ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.

3-وتمام ذلك تجديد الإيمان بأن يقول: آمنت بالله ورسله[3]، وقاك الله فتنتي الشبهات والشهوات، وفي الختام؛ نقول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في يوم الأربعاء التاسع والعشرون من شهر رجب من عام ستة وأربعين وأربعمئة وألف.

[1] ينظر: شرح العقيدة التدمرية (ص666) وما بعدها.

[2] ينظر: شفاء العليل (2/81).

[3] لما أخرجه البخاري (3276) -واللفظ له-، ومسلم (134) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ‌ولينته”. وزيادة: ” آمنت بالله ورسله” عند مسلم (134-212)، (134-213).