الرئيسية/فتاوى/الرد على ابن عثيمين في تفسيره للاستواء بالقصد في آية البقرة

الرد على ابن عثيمين في تفسيره للاستواء بالقصد في آية البقرة

السؤال :

أحسن الله إليكم، قرأت لكم جوابًا حول قوله تعالى ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة: 29]، فيه ترجيح تفسير استوى بـ (علا) وتضعيف تفسيرها بـ (قصد)، ثم رأيت كلامًا للشيخ ابن عثيمين هذا نصه:

 “اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ قال المؤلف[1]: (قصد إلى السماء) وهذا أحد القولين في هذه الجملة أنها بمعنى (قصد) لكن قصدًا كاملًا؛ وذلك لأن (اسْتَوَى) تدل على الكمال كما قال تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [القصص: 14]، والقول الثاني أن (استوى إلى) بمعنى (استوى على) على السماء أي علا عليها[2]، ولكن المعنى الذي سلكه المؤلف[3] أرجح، أنه قصد إلى السماء بإرادة تامة مستوية؛ لأن (إلى) تفيد الغاية و(على) تفيد الاستعلاء، ومعلوم أن السماوات لم تَكُنْ خُلِقَت في تلك الساعة، ثم إننا لو قلنا: إن (اسْتَوَى) بمعنى (علا)، (ثم استوى على السماء)،كان قبل ذلك حين خلق الأرض ليس عاليًا على السماء، مع أن علو الله تعالى وصف لازم لذاته”، فأشكل عليَّ الأمر، وأرجو توضيح ذلك، جزاكم الله خيرا.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فأكثر ما جاء في القرآن فِعل (استوى) معدًّى بـ (على)، كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54، وغيرها] في سبع آيات، وقوله سبحانه: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [المؤمنون: 28]، وقوله تعالى: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ [الزخرف: 13]، وللسلف في تفسير (استوى) أربع عبارات: علا وارتفع واستقر وصَعِد[4]، قال ابن القيم رحمه الله[5]:

فلهم عباراتٌ عليها أربعٌ … قد حصِّلت للفارس الطعَّانِ

وهي استقرَّ وقد علا وكذلك ار … تفعَ الذي ما فيه من نكرانِ

وكذاكَ قد صعِد الذي هو رابعٌ … وأبو عُبيدة صاحبُ الشيباني

يختار هذا القولَ في تفسيره … أدرى من الجهميِّ بالقرآنِ

 وكلُّ هذه المعاني ممَّا يفسَّر به استواء الله على عرشه[6].

وأما قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [البقرة: 29]، فالذين قالوا: (قصد)، نظروا إلى تعديته بـ (إلى)، والفعل (قصَد) يتعدى بنفسه وبـ (إلى)، و(قصَد) لا يدل على علوٍّ، وهو بمعنى (أراد)، وعليه فكل ما أراد الله خَلْقَه فقد قصد إليه، ولهذا فأولى ما يفسَّر به (استوى) في هذه الآية: (ثم اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) صعِد[7]، وممَّا يَجمع بين القولين أن يضمَّن (استوى) قصد، فيفيد العلو والقصد، وهذا أتمُّ في تفسير الآية؛ إذْ يتضمن معنى (استوى) وما تدل عليه (إلى) ، ولهذا ترجَّح عندي تفسير (استوى) في قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾  بـ (صَعِد). والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 3 ذي القعدة 1446 هـ

 

[1] أي: المحلي، وفي المطبوع: “المفسِّر”. والكلام الذي نقله السائل مطبوع في تفسير سورة فصلت لابن عثيمين (ص74). وكان اعتمد في تفسير هذه السورة كتابًا بين يدي الطلاب هو “تفسير الجلالين”.

[2] في المطبوع: ” والقول الثاني: أن “استوى إلى السماء” بمعنى “استوى على السماء”؛ أي علا عليها”.

[3] أي: صاحب الجلالين: المحلي. وفي المطبوع: “المفسِّر”.

[4] ينظر على سبيل المثال: مجاز القرآن لأبي عُبيدة معمر بن المثنى (2/15)، وتفسير الثعلبي (12/365)، والتمهيد لابن عبد البر (7/131).

[5] النونية (1353-1356).

[6] ينظر: البيان في توضيج مجردة لوامع الأنوار لشيخنا (ص70-72)، وهو شرح لعقيدة ابن شُكْر، وسيصل قريبًا إلى المكتبات. وقد تميَّز هذا الشرح بالتركيز والدقة، واشتماله على مباحث غير موجودة في شروح شيخنا الأخرى.

[7] وهو الذي رجَّحه ابن جرير، ورواه عن مفسِّري السلف، وحكى ابن تيمية وابن القيم إجماع السلف عليه. ينظر: تفسير الطبري (1/457)، وشرح حديث النزول (ص393-394)، ومختصر الصواعق المرسلة (3/889).