الرئيسية/فتاوى/حكم تحري الدعاء عند إتمام حفظ القرآن ثم الدعوة إلى حضور ذلك عبر بعض وسائل التواصل

حكم تحري الدعاء عند إتمام حفظ القرآن ثم الدعوة إلى حضور ذلك عبر بعض وسائل التواصل

السؤال :

لي فترة وأنا أبحث في موضوع دعاء ختم القرآن، ولم أجد إجابة شافية، فحسب ما قرأت لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك شيء، وإنما نُقل عن بعض الصحابة، ومنهم أنس -رضي الله عنه- أنه كان يجمع أهل بيته ويدعو؛ ففهمت من ذلك أن الأمر اجتهاد، وفي الفترة الأخيرة كثرت ظاهرةٌ عندنا نحن النساء بالخصوص أنه إذا ختمت حِفظها للقرآن، ووصلت سورة الناس تدعو بعدها بدعاء: (ختم القرآن) وترسل رابط عبر الزوم لقريباتها وصديقاتها لحضور الختمة.

 فالسؤال من شقين:

 أولًا: دعاؤها هذا هل هو مشروع؟ أم المسألة اجتهادية إن شاءت دعت، وإن لم تفعل فالأمر فيه سعة.

ثانيًا: إرسال الرابط، وحضور آخرين لهذا الدعاء هل فيه حكم شرعي؟

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فقد ذكرتِ -بارك الله فيكِ- أنكِ بحثتِ فلم تجدِ من السنة دليلًا على مشروعية دعاء ختم القرآن؛ فلم يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولا أَمَرَ به[1]، ولا عن قُرَّاء الصحابة؛كأُبيٍّ وابن مسعود[2]، ولم تجدِ إلا ما ذُكر عن أنس، وأنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو[3]، وبعض أهل العلم لا يصحّح ما ذُكر من الدعاء؛ فالأمر كما ذكرتِ، فما هو إلا اجتهاد من بعض الصالحين[4]، ثم تتابع الناس على استحسانه، وأما دعاء الختم المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية[5] فلم يصح عنه[6]، وأنا لا أفعله في الصلاة ولا خارج الصلاة[7]، لكن إذا ختمتُ في رمضان فإني أقرأ السُور الأخيرة في صلاة الوتر ثم أضمِّن قنوتَ الوتر بعضَ الدعوات المتعلقة بالقرآن.

ثم من العلماء المعاصرين من يرى أن الأمر واسع فلا ينكر على من دعا، ولا على من ترك، ومنهم من يشدِّد، ويقول: تحري الدعاء عند ختم القرآن بدعة، وهذا ما تقتضيه قواعد التمييز بين السنة والبدعة، وأكثر مَن يعمل بالختمة مقلدٌ لمن يستحبها من العلماء المتقدمين أو المتأخرين، وبناء على ما سبق؛ فما ذكرت من فِعل بعض المعلمات مع الخاتمات من تحري الدعاء عند إتمام حفظ القرآن ثم الدعوة إلى حضور ذلك عبر بعض وسائل التواصل؛ أقول: لا ينبغي فإن في ذلك ترسيخًا وتعظيمًا لما ليس له أصل في السنة، فيكفي أن تقول الخاتِمة: “الحمد لله رب العالمين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم”، وتقول المعلمة للخاتمة: “بارك الله فيك، ونفعك الله بكتابه، وأعانك على العمل به” وتوصيها بتعهُّده بكثرة المراجعة.

 

 نسأله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، إنه جواد كريم بر رحيم، وصلى الله على خاتم النبيين، وآله وصحبه أجمعين.

حرر في يوم الأحد التاسع والعشرين من شهر شوال من عام ستة وأربعين وأربعمئة وألف.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

 

[1] وما جاء فيه فضعيف لا يصح، منه حديث أنس مرفوعًا: “عند كل ختمة: دعوة مستجابة” أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (11/34)، والبيهقي في شعب الإيمان (1919)، وقال: “في إسناده ضعف والله أعلم. وروي من وجه آخر ضعيف عن أنس”. ينظر: العلل المتناهية (رقم: 156). وجاءت أحاديث مرفوعة أخرى من حديث أنس وابن عباس وجابر والعرباض بن سارية، وأبي أمامة وعلي وأبي هريرة وغيرهم، وكلها لا تصح. ينظر: مرويات دعاء ختم القرآن (ص14-26)، (ص28-34).

[2] وما أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص108)، وابن الضريس فضائل القرآن (76) عن إبراهيم التيمي، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “من ختم القرآن فله دعوة مستجابة”. قال: “فكان عبد الله إذا ختم القرآن جمع أهله ثم دعا وأمنوا على دعائه”. قال عنه ابن حجر: “فيه انقطاع”. ينظر: نتائج الأفكار (3/ 173).

[3] أخرجه الدارمي (3707-3708)، والفريابي في فضائل القرآن (83 – 86)، والطبراني في الكبير (674)، وقال ابن حجر: ” هذا موقوف صحيح”، وقال الألباني: “سنده صحيح”. ينظر: نتائج الأفكار (3/ 173)، ولفتة الكبد (ص37).

[4] ومنهم جماعة من التابعين، فعن الحكم بن عتيبة، قال: كان مجاهد وعبدة بن أبي لبابة وناس يعرضون المصاحف، فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يختموا فيه أرسلوا إلي وإلى سلمة، فقالوا: ” إنا كنا نعرض المصاحف فلما أردنا أن نختم أحببنا أن تشهدوا، لأنه كان يقال: «إذا ‌ختم ‌القرآن ‌نزلت ‌الرحمة عند خاتمته، أو حضرت الرحمة عند خاتمته» أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص107). وصححه النووي في التبيان (ص159)، وابن حجر في نتائج الأفكار (3/ 174).

[5] نسبه إليه عبد الرحمن بن القاسم في حاشية الروض المربع (2/206)، وساقه ابن محمد بن القاسم بتمامه في المستدرك على مجموع الفتاوى (3/108)، وبدايته: ” صدق الله العظيم الذي لا إله إلا هو المتوحد في الجلال بكمال الجمال…”.

[6] ينظر: الضعيفة (13/315 رقم 6135)، ومرويات دعاء ختم القرآن (ص11).

[7] وينظر من كرهه من المتقدمين في: الحوادث والبدع (ص65)، والمدخل لابن الحاج (2/299).