الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فلا ريبَ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكملُ الناس خُلُقًا، ولا أدلَّ على ذلك من قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، ولا ريبَ أنَّ مَن نظر في سيرته -صلى الله عليه وسلم- في عمله وفي معاملته لأهله وغيرهم، سيُعجب بهذه السيرة الكريمة المشتملة على كلِّ فضيلة، وأقول: يُعجب، ولا أقول: ينبهر، كما تقول الأخت السائلة؛ فالإعجابُ فيه راحة وطمأنينة، والانبهارُ فيه قَلق وحيرة[1]، وواضحٌ أن الذي أشكل على الأخت السائلة ومنعَها من الانبهار: أن خُلُق النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن بالتخلُّق من قِبَل نفسه، بل بجعلِ الله له كذلك، أي: إنه خُلُقٌ جِبِلِّيٌّ، والعبدُ إنما يُحمد على ما يفعله اختيارًا من نفسه، هذا معنى الإشكال عند الأخت.
والحقُّ أن خُلُق النبي -صلى الله عليه وسلم- جِبِلِّيٌّ ومكتسبٌ بتعبُّده لله بما يتخلَّق به، ولا يمنع ذلك من الإعجاب به وحمدِه على أخلاقه الجِبلِّيَّة والمكتسبة.
ولو صحَّ نظر الأخت الفاضلة، وهو النظر إلى القدَر، لما حُمِد أحدٌ على فعل خير أو ترك شر؛ فإنَّ ذلك كلَّه بقدَر الله، لكن منه ما يدخل فيه تسبُّبٌ من الإنسان ومجاهدةٌ، ومنه ما لا تسبُّبَ للإنسان فيه، والله تعالى يَشكر لعباده أعمالهم الصالحة، ويُثني عليهم بها، وإن كان هو خالقها والمعين عليها، وعلينا أن نحبَّ الصالحين ونقتدي بهم، ونثني عليهم بما أكرمهم الله به، ولا يُنظر إلى القدر إلا من حيث معرفتنا لله، وأنه تعالى المعطي المانع، الخافض الرافع، الحكيم في تدبيره وتقديره، فله الحمد كلُّه في السموات والأرض وفي كل زمان، والله يمنُّ على من يشاء بما شاء، إنه جواد كريم، وهو العليُّ العظيم. والله أعلم أحكم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 6 ذي الحجة 1446ه
[1] ينظر: المعجم الوسيط (1/73).