الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن القرآن كتاب الله وكلامه المنزَّل على عبده ورسوله محمد، وهو نفسه الدليل على صحته؛ فهو الدليل والمدلول، وذلك من وجوه:
أحدها: أن الذي جاء به وهو الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك جاء بهذا الكتاب المعجَز.
الوجه الثاني: ما فيه من الإعجاز من جهة لفظه لكمال فصاحته؛ ولأجل ذلك تحدى به أفصح العرب أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله بل أو يأتوا بسورة مثله فعجزوا.
الوجه الثالث: ما فيه من الإعجاز من جهة معناه، لما فيه من أنباء الغيب والأحكام الحكيمة والشرائع القويمة؛ ومن هذا الوجه تحدَّى به الثقلين -الجن والإنس- أن يأتوا بمثله ولو اجتمعوا وتعاونوا ليأتوا بمثله لم يأتوا بمثله؛ ولهذا قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88]، ولهذا كان هو البرهان على نبوة محمد –صلى الله عليه وسلم-، ولهذا لما طلب الكفار من النبي –صلى الله عليه وسلم- آية أنزل الله: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [العنكبوت: 51]، ولهذا آمن به كل عاقل من العرب وأهل الكتاب، ومن كذب به كان تكذيبه جحودًا لما يعرف بعقله صدقَه؛ فهو يكذب به عنادًا واستكبارًا، أما العقلاء المنصفون فهم يعرفونه ويعترفون به، والمعاند قد يجحد البدهيات ويريد ألا يفهم، ومن طلب الحق بإرادة صادقة لا بدَّ أن يُهدى إليه، فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم[1].
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر المحرم من عام سبعة وأربعين وأربعمئة وألف.
[1] ينظر للاستزادة: النبأ العظيم لمحمد بن عبد الله دراز.