الرئيسية/فتاوى/ما الحكمة من خلود الكافر في النار ولماذا لا يعذب بقدر مدة حياته؟

ما الحكمة من خلود الكافر في النار ولماذا لا يعذب بقدر مدة حياته؟

السؤال :

أحسن الله إليكم، ما الحكمة من خلود الكافر في النار؛ فبعض المشكِّكين يقول: هذا فيه منافاة للعدل بالنظر إلى قصر حياته في الأرض، فهلّا عُذب بقدر مدة حياته؟ وبارك الله فيكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فيجب أن يعلم أن لله حِكمًا فيما يدبره في هذا العالم -علويه وسفليه- في الدنيا والآخرة؛ فإنه تعالى حكيم في جميع أحكامه الكونية والشرعية والجزائية، ولا يجب أن نعلم حِكَمه في أحكامه، فما أعلمنا به مِن حِكمه أو فتح علينا بشيء من ذلك فَهمُنا إياه وجب علينا أن نعتقده، ونقول به، وما لم يبينه لنا بكتابه ولا بخبر رسوله فليس لنا أن ندعي فيه حكمةً، ونجزم بذلك، بل نقول: والله أعلم، لعل ولعل، ويجب أن يُعلم أن جهلنا بالحكمة لا يدل على انتفائها؛ لأن عدم العلم ليس علمًا بالعدم، كما يجب الإيمان بأن كل ما يعارض به تدبير الله من معقول فهو باطل؛ فإن كل ما يعارِض الحق لا يكون إلا باطلًا، ومما أجاب به العلماء عن المسألة المسؤول عنها: أن خبث الكافر ذاتي فمهما تتطاول زمن تعذيبه لا يزول خبثه، ولهذا لو رد إلى الدنيا لعاد إلى الكفر والتكذيب كما قال تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام: 28]، وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا [الأنعام: 29][1].

 ويغنينا عن تكلُّف الجواب: علمُنا وإيماننا بأنه تعالى حكيم له الحكمة البالغة في كل تقدير وتدبير، ومع ذلك لا يكون في نفوسنا حرج من شيء من أحكام الله، مما يُنبي عن عدم الرضا لوجود معارضة بالعقل؛ فإن الواجب على العبد الرضا بحكم الله، والرضا عن لله كما أمر الله بذلك في أحكام الرسول: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]؛ ولهذا نقول: لم يبقَ على من آمن ورضي إلا التسليم لحكم الله ورسوله باعتقاد أنه الحق، وهذا يتضمن أن كل ما جهله من حِكم الله في تقديره وتدبيره أن يُفوِّض علمه إلى الله فيقول في كل ما لا يعلم من ذلك: "الله أعلم"؛ فإنه تعالى العليم بكل شيء الحكيم في كل شيء سبحانه وتعالى.

حرر في يوم الإثنين الثاني من شهر ربيع الأول من عام سبعة وأربعين وأربع مئة وألف.

[1] ينظر: الوابل الصيب (ص42-43)، ومجالس مع فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ص59).