لا يُشترطُ للمسحِ على الخُفِّ ونحوِهِ : أن يلبَسَهُ على كمالِ الطَّهارة
في اشتراطِ لبسِ ما تقدَّم على كمال الطَّهارة خلافٌ بين أهل العلم، يعني أن يلبسَ الخُفَّ بعد كمال الطَّهارة، ويلبس العمامة كذلك، والجبيرة.
أمّا الخُفّ: فلا ريبَ أنّه لا يجوزُ المسح عليه، إلّا إذا لُبِسَ على طهارة [1] ، لكن هل يجبُ ألَّا يلبسَ الخُفَّ إلّا بعد كمال طهارته؟ إلاّ بعد أن يتوضَّأ، ويغسلَ قدميه؟ فلو أنّه غسلَ رجله اليمنى، ثم أدخلها، ثم غسلَ اليسرى، ثم أدخلها، فهل يجزئ ذلك؟
هناك خلافٌ بين أهل العلم [2] ؛ بعضهم يقول: لابدّ، فلا يُلْبِسَ اليمنى حتى يغسلَ اليسرى، حتى يتحقّق هذا المعنى: أنّه لبسها بعد كمال الطَّهارة. [3]
وقال بعضُهم: هذا لا أثر له، فمَن أدخلَ قدمَه طاهرةً، ثم غسلَ اليسرى وأدخلها، فيصدقُ عليه أنّه أدخلَ القدمين الخُفَّين، وهما طاهرتان [4] لقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام-: (إنّي أدخلتُهُما طاهرتين) [5]
وممّا يوضّح، أو يؤيّد هذا: أنّ مِن يشترط للمسحِ على الخُفَّيْنِ لبسهما بعد تمام الطّهارة، يقولون لِمَن خالفَ، وتوضّأ، وغسلَ رجله اليمنى، ثم لبسَ، ثم غسلَ اليسرى: "يخلعُ خفَّه اليمنى، ثم يلبسه" [6] ، وهذا لا معنى له !
لكن يقولُ بعضُ أهلِ العلم: الأحوطُ أن لا تلبسَ حتى تكملَ طهارتُك، خروجًا مِن الخلاف [7] ، والحمدُ لله، ليست مشقّة، لكن لو أنّك فعلتَ هذا، وصلّيتَ: لا نأمركَ بالإعادة، ولا نقول: المسحُ غير صحيحٍ، هذا بالنّسبة للخُفّ.
وكذلك العمامة، على خلاف، فمنهم مَن يقول: لا يشترطُ لبسها على طهارة [8] ، وأكثرُ العلماء: على أنّه يُشترط [9] ؛ قياسًا على الخُفِّ، إلحاقًا للنَّظير بالنَّظير، هذا ساتر على عضو مِن أعضاء الوضوء، وهما القدمان، وهذا ساتر على عضو مِن أعضاء الوضوء، وهو الرّأس، وهذا عندي أظهر، والله أعلم.
لكن الذين يقولون: لا تُشترطُ الطَّهارة، يقولون في فرض الرّأس: فرضه المسح، وهذه فرض الرّجلين، وهو الغسل، ولكن لا شكّ أن الأحوط لبسها على طهارة، فلا تمسح على العمامة إلّا إذا لبستها على طهارة.
قالوا: وكذلك يُشترطُ للمسح على الجبيرة: وضعُهَا بعد كمال الطّهارة [10] ، الشَّرط هذا ذكروه بعد ذكر الممسوحات، يعني معنى ذلك أن هذا الشّرط مُعتبَرٌ في الخفّ، والعمامة، وكذلك الجبيرة.
والقول الثاني: أنّ الجبيرة لها حكم آخر، فالجبيرةُ المسحُ عليها مسحُ ضرورةٍ، وكثيرًا مِن الأحيان تُركَّب على العضو في وقت يكون فيه المصاب على غير طهارة.
فالصَّحيح -إن شاء الله- أنّه لا يُشترَطُ لبسها على طهارة [11] ، بل يجوز المسحُ عليها، ولو لم تُركَّب، أو توضَع على غير طهارة، مِن غير أن يكون المصاب متوضئًا . [12]
الحاشية السفلية
↑1 | لحديث المغيرة بن شعبة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين». فمسح عليهما. أخرجه البخاري 206 و5799 ومسلم 274 |
---|---|
↑2 | ينظر: "المغني" 1/361-362 |
↑3 | وهذا هو المذهب. ينظر: "المنتهى" 1/61 و"الإقناع" 1/52 |
↑4 | وهو اختيار شيخ الإسلام. ينظر: "الاختيارات" ص26 |
↑5 | سبق تخريجه من حديث المغيرة. |
↑6 | ينظر: "الروض المربع" 1/268 "كشاف القناع" 1/265 "شرح المنتهى" 1/125-126 |
↑7 | ينظر: "الشرح الممتع" 1/249 |
↑8 | ينظر: "الإنصاف" 1/171 |
↑9 | وهذا هو المذهب. ينظر: "المنتهى" 1/61 و"الإقناع" 1/52 |
↑10 | وهو المذهب. ينظر: "المصادر السابقة" |
↑11 | وهي إحدى الروايتين عن أحمد، اختارها شيخ الإسلام، وصاحب الفائق. ينظر: "الاختيارات" ص27 و"الإنصاف" 1/172 و"المختارات الجلية" 8/208 و"الشرح الممتع" 1/250 |
↑12 | شرح "زاد المستقنع" درس رقم /11/ |