الرئيسية/الاختيارات الفقهية/لا تبطل صلاة المأمومين ببطلان صلاة الإمام

لا تبطل صلاة المأمومين ببطلان صلاة الإمام

 

لا تبطلُ صلاة المأمومين ببطلانِ صلاة الإمام

إذا بطلتْ صلاةُ الإمامِ بسببٍ مِن الأسباب، كما إذا سبقه الحدثُ، يعني أحدثَ وهو يصلّي: فلا تبطلَ صلاة المأمومين على الصَّحيح  [1] ؛ لأنَّه لم يقم دليل على أنَّ صلاته تبطلُ ببطلانِ صلاة الإمام، فلا نصّ، ولا قياس.
أمَّا النَّص: فلم يأتِ نصّ على أنَّ الإمام إذا بطلت صلاتُه بطلتْ صلاةُ مَن معه.
وأمَّا القياس: فإنَّ الإمام لو صلَّى محدثًا ناسيًا ثم سلَّم: فإنَّ الإمام يعيد، والمأمومون لا يعيدون، كما جاءَ عن بعض الخلفاء الرَّاشدين: كعمر
[2] وعثمان [3] ، جاء عنهما أنَّهما ذكرا أنَّهما صلَّيا، وأنَّه كان عليهما جنابة، فأعادا الصَّلاة، ولم يأمرا النَّاس بإعادة صلاتهم .  [4]    
فمقتضى هذا: أنَّه إذا ذكرَ أنَّه مُحدث، وهو في أثناء الصَّلاة: فإنّه يستخلف، ويشهدُ لهذا ما فعله عمر -رضي الله عنه- يوم طُعِنَ، وقد تكلَّم، فأخذ بيد عبدالرَّحمن بن عوف وقدَّمه، فأتمَّ بالنَّاس الصَّلاة . 
[5]
فالمقصود: أنَّ صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام، فإنَّ استخلف الإمام فذاك، وإن لم يستخلف فيمكنهم أن يقدموا واحدًا منهم، ويتمّ بهم الصَّلاة، وإن لم يتأتّى ولم يتيسَّر لهم ذلك: أتمَّ كلُّ واحدٍ صلاته.
وفي المذهب: إذا بطلتْ صلاةُ الإمام تبطلُ صلاة المأمومين، فيحتاجون إلى أن يستأنفوا الصَّلاة 
[6] ، فلو بطلت صلاته في آخر ركعة: لزمهم أن يستأنفوا الصَّلاة مِن أوَّلها؛ لأنَّ صلاته بطلت.
ومِن التَّعليلات في ذلك 
[7] : أنَّ صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، ولهذا أمرَ المأمومَ بمتابعة الإمام، وعدم مخالفته: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفوا عَليهِ، فإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ).  [8]
لذلك فإنَّ المأموم المسبوق يخالفُ في بعض واجبات الصَّلاة موافقةً للإمام، كما في التَّشهّد: فالمسبوق قد يتشهّد في الرَّكعة الأولى، ويتشهَّد في الرَّكعة الثَّالثة، مراعاة لموافقة الإمام، حتى لا يتقدَّم عليه ولا يتأخَّر عنه، بل يكون معه وموافقًا له.
ومِن أجل ذلك: فإنَّ الإمام يحمل عن المأموم السَّهو، فإذا سها المأمومُ الذي دخلَ مع الإمام -دخل في الصَّلاة معه، وكبَّر تكبيرة الإحرام معه-: فإنَّه لا يسجد للسَّهو؛ لذلك قالوا: إنَّ صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فتبطلُ ببطلان صلاة الإمام.
وبناءً على هذا: فإنَّ الإمام إذا سبقه الحدثُ فإنَّه لا يستخلف أحدًا؛ لأنَّ صلاته بطلت، فيحتاجون هم أن يستأنفوا، فلا استخلاف.
ومحلُّ الخلاف: إذا بطلت صلاته أثناء الصَّلاة، أمَّا إذا لم يتبيَّن بطلانُ صلاته إلا بعد السَّلام: فإنَّها لا تبطل صلاةُ المأمومين، حتى على المذهب.
وكان الذي ينبغي أن يقيسوا: حال تبيين بطلان صلاة الإمام في أثناء الصَّلاة على تبيين بطلان صلاته بعد السَّلام.
فالصَّواب: أنَّ صلاة الإمام إذا بطلت -سواء تبيَّن بطلانها في أثناء الصَّلاة أو تبيَّن بطلانها بعد السَّلام: فإنَّ صلاة المأموم لا تبطل .
[9]


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد، اختارها الآجري. ينظر: "الإنصاف" 2/33، و"الإقناع" 1/165
2 أخرجه مالك 2/66، رقم 154 ومن طريقه عبد الرزاق 3644 عن هشام بن عروة، عن زييد بن الصلت، أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف، فنظر فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل. فقال: والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت، وصليت وما اغتسلت. قال: فاغتسل، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا.
وأخرجه عبد الرزاق 3645 من طريق معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه نحوه، إلا أنه قال: «أعاد الصلاة ولم يبلغنا أن الناس أعادوا».
3 أخرجه الدارقطني 1372 ومن طريقه البيهقي 4074 من طريق ابن مهدي، عن هشيم، عن خالد بن سلمة، عن محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار , أن عثمان بن عفان "صلى بالناس وهو جنب، فلما أصبح نظر في ثوبه احتلامًا , فقال: «كبرتُ والله! ألا أراني أجنب ثم لا أعلم»، ثم أعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا".
4 ينظر: المغني 2/504.
5 أخرجه البخاري 3700 من حديث عمرو بن ميمون.
6 ينظر: "المنتهى" 1/203، و"الإقناع" 1/ 165
7 ينظر: "الشرح الكبير" 3/385، و"كشاف القناع" 2/256-257
8 أخرجه البخاري 722، ومسلم 414 من حديث أبي هريرة.
9 شرح زاد المستقنع، كتاب الصلاة، درس رقم /15/