الرئيسية/الاختيارات الفقهية/يجب حضور صلاة الجماعة في المسجد ولا تبرأ الذمة بقيامها جماعة في البيت

يجب حضور صلاة الجماعة في المسجد ولا تبرأ الذمة بقيامها جماعة في البيت

 

يجبُ حضور صلاة الجماعة في المسجد، ولا تبرأ الذِّمَّة بقيامها جماعةً في البيت

يجبُ حضور صلاة الجماعة في المسجد، وليس له فعلها في بيته  [1] ؛ لأن الأدلَّة الدَّالَّة على وجوبها تدلّ على حضور المسجد؛ ولذلك جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ)  [2]
لم يقل: "فأذهب معي برجال معهم حِزم مِن حطب إلى قوم لا يشهدون الصَّلاة"، لم يقل: "ولا يصلّون جماعة"، فالحديث يدلُّ على وجوب صلاة الجماعة، وعلى وجوب حضورها بالمسجد، ولا يغني عن قيامها جماعة في البيت، ولا تبرأ الذِّمَّة بقيامها جماعة في البيت، فالدَّليل على وجوبها هو الدَّليل على أدائها في المسجد.
وثبتَ عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنَّه قال:
 "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أنَّكم صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصلّي هذا المُتّخلّفُ في بيتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجلٍ يَتَطهَّرُ فَيُحْسِنُ الْطَّهورَ ثُمَّ يعمدُ إِلَى مسجدٍ من هذه المساجد، إِلا كَتَبَ الله لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةٌ، وَيُرْفَعهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَيُحطّ عَنْهُ بِهَا سيئَةٌ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلا مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ النّفاق، وَلَقَدْ كانَ الرَّجُل يُهادى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"  [3]
فهذا أيضًا مِن أدلّة وجوب صلاة الجماعة، ومِن أدلّة وجوب فعلها جماعة في المسجد، فلا يجزئ فعلها بالبيت، فمَن أدَّاها في البيت لم تبرأ ذمَّته من الإثم، ولا يكون قد حاز على فضل صلاة الجماعة، اللهم إلا إذا كانوا في سفر مثلاً، أو في منطقة نائية، فلهم أن يصلوها جماعة؛ لعدم وجود المسجد، فيصلون في المكان الذي هم فيه جماعةً.
ومعنى هذا: إذا كان الإنسان في مقربة من المسجد وجبَ عليه الذهاب ليصلّي في المسجد، وإذا كان في مكان بعيد عن المسجد بحيث أنَّه لا يسمع النداء فلا تجب، فالمقياس هو سماع الأذان.
ومكبرات الصّوت اليوم ليست مقياسًا؛ لأنَّها تُسمع مِن مسافات بعيدة، لكن يضبط على وجه التَّقريب، بحيث لو زالت الموانع لسمع بالصوت المعتاد.
والمقصود: أن قولهم: "له فعلها في بيته" هذا خلاف الدَّليل؛ لأنَّ الأدلَّة الدَّالَّة على وجوبها هي نفسها الدَّالَّة على أدائها جماعة؛ ولأن المراد فعلها في المسجد؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح:
(صَلاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَذِّ بِسبعٍ وعِشْرينَ درَجَةً) [4]  و(بخمسٍ وعِشرينَ درجَةً) [5] ، قال: (وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ..)
ففضلُ صلاة الجماعة منشأه الخروج والاحتساب، يعني يخرج عامدًا وقاصدًا للمسجد، وليس أن يصلّي الجماعة اتِّفاقًا؛ أي صادف الجماعة فصلَّى وليس مِن عادته الخروج للصّلاة في المسجد، فهذا الذي لا يصلّي الجماعة إلا اتفاقًا: الله أعلم بحصول هذا الفضل له، والموفَّق مَن يستعد لصلاة الجماعة ويتطهَّر لها، لا ينهزه شيء إلا الصّلاة جماعة . [6]


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، والمذهب: له فعلها في بيته. ينظر: "الإنصاف" 2/213، و"المنتهى" 1/282، و"الإقناع" 1/245.
2 أخرجه البخاري 644، ومسلم 651 من حديث أبي هريرة.
3 أخرجه مسلم 654
4 أخرجه البخاري 477، ومسلم 649 من حديث أبي هريرة.
5 أخرجه البخاري 645، و مسلم 650 من حديث ابن عمر.
6 شرح "زاد المستقنع، كتاب الصلاة" درس رقم /31/