الرئيسية/الاختيارات الفقهية/ما يدركه المسبوق هو أول صلاته

ما يدركه المسبوق هو أول صلاته

 

ما يُدرِكُهُ المسبوقُ هو أوَّلُ صَلاتِهِ

قال في "الرّوض" [1] : "وما أدركَ المسبوقُ مع الإمامِ فهو آخرُ صلاته، وما يقضيه أوّلها" [2] . وهذه مسألة اختُلِفَ فيها [3] ، ما يُدركه المسبوقُ هل هو أوّلُ صلاته أم آخرُ صلاته؟ على قولين، والسَّبب في ذلك: الحديث الذي جاء فيه: (مَا أَدْرَكتم فَصَلّوا، وَمَا فَاتَكُم فأتمّوا)  [4] ، على رواية، وفي الرّواية الأخرى: (وَمَا فَاتَكُم فاقضُوا)  [5] ، ففسّروا "القضاء" بالمعنى الاصطلاحي، وهو فعلُ العبادة بعد فوتِها، إمّا فوت محلّها أو فوت الوقت، فالصَّلاة بعد خروج الوقت: يسمُّونها قضاءً.
ولكن القضاء في الشّرع: هو فعل العبادة، وإن كانت أداءً في الوقت، وهذا معنى قوله تعالى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا [النساء:103]. وفي الآية الأخرى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ [الجمعة 10]. أي صلاة الجمعة، وقُضيت، أي أُدِّيت في وقتها.
فالقضاءُ في لسان الشَّرع ليس هو كما في اصطلاح الأصوليين، فمَن فسَّر القضاءَ بالمعنى الاصطلاحي قالوا: "وما فاتكم فاقضوا" يعني ما أدركه المأمومُ آخر الصّلاة، فتكون هذه آخر صلاته، فإذا قام ليأتي بالباقي تكون الرَّكعة الثَّانية التي قام ليأتي بها، تكون أوّل صلاته، فيعمل فيها المشروع، يستفتح ويتعوَّذ ويجهر فيها للقراءة مثلاً.
والقول الآخر: أن ما أدركه المأمومُ هو أوّل صلاته، وهذا هو الصَّحيح، وعليه فيفعل الباقي وكأنَّه أدرك أوَّل الصَّلاة.
ولهذا مَن أدرك ركعة مِن الظّهر، ثم جاء ليأتي بالرَّكعة الثَّانية كيف يفعل؟ يتشهَّد، فهذا دليل على أنَّه حتى الذين يقولون إن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته، هم يقولون إذا قام ليقضي يأتي بالتَّشهّد، وهذا ينقض قولهم. فالصَّواب: أنَّ ما يدركه المسبوق هو أوَّل صلاته، فإذا قام فإنَّه يأتي بالصَّلاة مرتَّبة .
[6]

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 3/154
2 وهذا هو المذهب. ينظر: المنتهى 1/ 286، والإقناع 1/249
3 ينظر: "الإنصاف" 2/225
4 أخرجه البخاري 635، ومسلم 603 من حديث أبي قتادة، وعن أبي هريرة: عند البخاري 636، ومسلم 602
5 أخرجه مسلم 602، والنسائي 861، والترمذي 329 من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، به. ورواية ابن عيينة هذه: عند النسائي بلفظ: "فاقضوا"، أما مسلم والترمذي، فلم يذكرا لفظ روايته.
وتابع ابن عيينة على هذه اللفظة: معمر، وابن أبى ذئب –وقد اختلف عليهما فيه-، وسليمان بن كثير عند البخاري في "القراءة خلف الإمام" 112، والليث بن سعد عن يونس عنده أيضًا 115، وابن الهاد عند الطحاوي في "شرح المعاني" 2312، خمستهم عن الزهري، به. ولهذا قال ابن دقيق العيد في "الإلمام" -كما في "البدر المنير" لابن الملقن 4/406-: "وكلاهما صحيح".
 وأخرجه بهذا اللفظ أيضًا: مسلم 602 154 من طريق ابن سيرين، عن أبي هريرة به.
وقد أعل هذه اللفظة "فاقضوا": مسلم فيما نقله البيهقي عقب حديث 3626 بإسناده عنه، قوله -في خارج الصحيح-: "لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهري غير ابن عيينة: "واقضوا ما فاتكم"، قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة". وبنحوه قال البيهقي.
وقال أبو داود عقب حديث 572: " كذا قال الزبيدي، وابن أبي ذئب، وإبراهيم بن سعد، ومعمر، وشعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: "وما فاتكم فأتموا"، وقال ابن عيينة، عن الزهري وحده: "فاقضوا".
وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وجعفر ابن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة: "فأتموا".
وابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبو قتادة، وأنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كلهم: "فأتموا".
واختلف عن أبي ذر، فروي عنه: "فأتموا"، و"فاقضوا". اهـ
وذكر البيهقي اختلاف الرواية في "فأتموا"، و"فاقضوا" ثم قال: "والذين قالوا: "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة، فهو أولى. وينظر: نصب الراية 2/200، والبدر المنير 4/403
6 شرح "زاد المستقنع، كتاب الصلاة" درس رقم /33/