تصحُّ صلاةُ المأمومِ إذا وقفَ عن يسارِ الإمامِ مع خلو يمينه
يصحُّ أن يقفَ المأمومُ عن يسارِ الإمامِ مع خلو يمينه [1] ، وقد وردَ مِن حديث ابن عباس في قصَّة مبيته ببيت خالته ميمونة: أنَّه وقف إلى يسار النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فأدراه وجعلَهُ عن يمينِه [2] ، لكن هل هذا يدلُّ على عدمِ صحّةِ الائتمام أم على الأفضليةِ؟ هذا محتملٌ، ومجردُ الفعلِ لا يدلُّ على فسادِهِ، فالأظهرُ صحَّة الصَّلاة خصوصًا إذا كان جاهلًا، فالصَّلاةُ صحيحةٌ، لكنَّها خلافُ الأفضلِ، ولا ينبغي أن يتعمّدَ الإنسانُ ذلك، لكن إذا فعلَهُ جاهلًا أو حدثَ سهوًا ونسيانًا، فالصَّحيحُ: أنَّ صلاتَه صحيحةٌ. [3]
لا تصحُّ صلاةُ المنفردِ خلفَ الصَّف إلاَّ أن يكون له عذرٌ؛ للحديث الوارد أنَّ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- رأى رجلًا، يصلّي خلف الصَّف وحده، فقال: (لا صَلاةَ لِمنفردٍ خلفَ الصَّفِ) [4] .
وهذه مسألةٌ فيها خلاف كثير: [5]
فمِن أهل العلم مَن قال بالصّحّة، ورأى أنَّ الحديث الوارد مُتكلّمٌ فيه، واحتجوا أيضًا بصلاة المرأة خلف الصَّف، كما في حديث أنس، يقول: "قمتُ أنا واليتيم خلفَ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- والعجوزُ مِن ورائنا" [6]
والقولُ الآخر: أنَّها لا تصحُّ مطلقًا [7] ؛ لأنَّ النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمرَ الرَّجل بأن يعيد الصَّلاة، ولم يستفصل منه.
والقول الثَّالث: أنَّ مَن صلَّى خلف الصَّف معذورًا، كما لو أنَّه لم يجد مكانًا في الصَّف؛ فإنَّه يسقط عنه واجب المُصافّ للعجز، ولا واجب مع العجز، وهذا القول هو الرَّاجح، وهو الذي رجّحه شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وتبعه على ذلك الشَّيخ محمَّد ابن عثيمين . [8] [9]
الحاشية السفلية
↑1 | – ولا تصح صلاته في المذهب. ينظر: "الإنصاف" 2/282، و"المنتهى" 1/310، و"الإقناع" 1/262 |
---|---|
↑2 | أخرجه البخاري 697، ومسلم 763 |
↑3 | شرح زاد المستقنع، كتاب الصلاة، درس رقم 36 |
↑4 | أخرجه أحمد 16297، وابن ماجه 1003 من طريق ملازم بن عمرو، عن جده عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، عن أبيه علي بن شيبان، به. ورجاله ثقات، وحسنه الإمام أحمد، كما حكاه عنه ابن رجب في الفتح 3/ 131، وصححه ابن خزيمة 1569، وابن حبان 2202. وله شاهد من حديث وابصة بن معبد: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا صلى وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد صلاته". أخرجه أحمد 18000، وأبو داود 682، والترمذي 231 من طريق عمرو بن مرة، عن هلال بن يساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة، به. ورجاله ثقات غير عمرو بن راشد، وقد قال فيه الإمام أحمد: "معروف"، كما في الفتح لابن رجب 3/ 130، قال ابن رجب: "وكذلك يحيى بن معين أخذ بهذا الحديث، وعمل به، حكاه عنه عباس الدوري، وهو دليل على ثبوته عنده". وأخرجه أحمد 18002، والترمذي 230، وابن ماجه 1004 من طريق حصين، عن هلال بن يساف، عن زياد بن أبي الجعد، عن وابصة. وزياد بن أبي الجعد مجهول! لكن "في حديث حصين ما يدل على أن هلالًا قد أدرك وابصة"، كما قال الترمذي. والحديث حسّنه الإمام أحمد في رواية الأثرم، كما نقله الحافظ في "التلخيص" 2/ 99، والترمذي، وصححه ابن حبان 2199 و2200 وقال: والطريقان جميعًا محفوظان". ورجح الإمام أحمد، وأبو حاتم في العلل 2/ 142، والترمذي: حديث عمرو بن مرة، وللحديث متابعات وشواهد تقويه. ينظر: فتح الباري لابن رجب 7/ 127، ونصب الراية 2/ 38، وإرواء الغليل 2/ 323، وصحيح أبي داود 3/ 260. |
↑5 | ينظر: "المغني" 3/49، و"الإنصاف"1/265 |
↑6 | أخرجه البخاري 860، ومسلم 658 |
↑7 | وهذا هو المذهب، وهو من المفردات. ينظر: " الإنصاف" 2/289، و"المنتهى" 1/314، و"الإقناع" 1/265. قال في "الإنصاف" : "وعنه تصح مطلقًا، وعنه تصح في النفل فقط، وعنه تبطل إن علم النهي وإلا فلا، وقال الشيخ تقي الدين: وتصح صلاة الفذ لعذر، وقيل: لا تصح إن كان لغير غرض وإلا صحت، وقيل: يقف فذًا في الجنازة اختاره القاضي في التعليق، وابن عقيل، وأبو المعالي، وابن منجا" |
↑8 | ينظر: "الاختيارات" ص108، و"الشرح الممتع" 4/272 |
↑9 | شرح "زاد المستقنع، كتاب الصلاة" درس رقم /36/ |