القولُ بوجوبِ صلاة الكسوف: قولٌ قويٌّ
القولُ بوجوب صلاة الكسوف: قولٌ قويٌ في الحقيقة؛ لأمرِ الَّنبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بذلك: (فإذا رَأيتمْ ذلكَ فَصَلّوا وَادْعُوا وَتَصَدّقوا) [1] فما أُجمعَ على عدمِ وجوبِه قلنا دليلُه الإجماعُ، وما لم يُجمعْ على عدمِ وجوبِه فإنَّ الأصلَ هو أنَّ الأمرَ للوجوبِ.
والقولُ بأنَّ صلاةَ الكسوف سنَّةٌ: هذا مذهبُ جمهورِ أهلِ العلمِ [2] ، والقولُ الآخرُ: أنَّها واجبةٌ . [3]
واختارَ الشَّيخُ "محمَّدُ ابنُ عثيمينَ" بأنَّه إذا قيلَ بوجوبِها فيتوجَّهُ أنَّها فرضُ كفايةٍ [4] ، وفي الحقيقةِ الدَّليلُ مُطلقٌ؛ "فصلّوا": خطابٌ مطلقٌ للجميعِ، فلا ينبغي تعمّدُ تركِها، وتُصلَّى جماعةً وفُرادى، في القرى والأمصارِ وفي الصَّحراءِ، ويُصليها المقيمُ والمسافرُ، بخلافِ صلاةِ الجمعةِ وصلاةِ العيدِ كما تقدَّمَ، فإنَّ شرطَها الاستيطانُ، أمَّا صلاةُ الكسوفِ في ذاتِ سببٍ، يقتضي صلاتها في أيِّ مكانٍ كان.
قال الشيخ محمَّد في "الشَّرحِ الممتع"ِ : [5]
"وقال بعضُ أهلِ العلمِ: إنَّها واجبةٌ؛ لقولِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (إذا رأيتم ذلك فصلّوا). قال ابنُ القيمِ في كتابِ "الصَّلاةِ" : وهو قولٌ قويٌّ، أي: القولُ بالوجوبِ، وصدقَ ـرحمهُ الله-ـ؛ لأنَّ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَ بها وخرجَ فزعًا، وقال: إنَّها تخويفٌ، وخطبَ خطبةً عظيمةً، وعُرضتْ عليه الجنةُ والنارُ، وكلُّ هذه القرائنِ العظيمةِ تُشعرُ بوجوبِها؛ لأنَّها قرائنُ عظيمةٌ، ولو قلنا: إنَّها ليست بواجبةٍ، وإنَّ الناسَ مع وجودِ الكسوفِ إذا تركوها مع هذا الأمرِ مِن النبيّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- والتأكيدِ فلا إثمَ عليهم لكانَ في هذا شيءٌ مِن النظرِ، كيف يكونُ تخويفًا ثمَّ لا نُبالي وكأنَّه أمرٌ عاديٌّ؟ أينَ الخوفٌ؟ التخويفُ يستدعي خوفًا، والخوفُ يستدعي امتثالًا لأمرِ النّبيّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ.. فهذا القولُ قويٌّ جدًا، ولا أرى أنَّه يسوغُ أنْ يرى الناسُ كسوفَ الشمسِ أو القمرِ ثمَّ لا يُبالونَ به، كلٌّ في تجارتِه، كلٌّ في لهوهِ، كلٌّ في مزرعتِه، فهذا شيءٌ يُخشى أن تنزلَ بسببِه العقوبةُ التي أنذرنا اللهُ إيّاها بهذا الكسوفِ، فالقولُ بالوجوبِ أقوى من القولِ بالاستحبابِ". اهـ
ليس أقوى فقط، بل قَولٌ قويٌّ، يعني كلُّ المعاني التي ذكرَها الشيخُ تُؤكّدُ القولَ بالوجوبِ، والفعلُ الذي اهتمَّ به الرَّسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- اهتمامًا عظيمًا حتى نادى لها، وحتى قامَ وأطالَ الصَّلاةَ، وقولُه: صلّوا وادعوا وتصدَّقوا حتى ينكشفَ ما بكم، وذكرَ التَّخويفَ، فالقولُ بالوجوبِ قولٌ قويٌّ . [6]
الحاشية السفلية
↑1 | أخرجه البخاري 1046، ومسلم 901 من حديث أم المؤمنين عائشة وغيرها، وأخرجاه عن جماعة من الصحابة: كابن عمر، والمغيرة، وأبي مسعود الأنصاري، وعبد الله بن عمرو، وأبي بكرة، وابن عباس، وأبي موسى، وغيرهم بألفاظ متقاربة. ينظر: البخاري: أبواب الكسوف، "باب الصلاة في كسوف الشمس" حديث 1040 وما بعده، ومسلم: كتاب الكسوف، "باب صلاة الكسوف" حديث 911 وما بعده. |
---|---|
↑2 | ينظر: المغني 3/330، وفتح الباري 2/527 |
↑3 | وهو قول أبي عوانة في مستخرجه 6/413 قال الحافظ في الفتح 2/527: "وصرح أبو عوانة في "صحيحه" بوجوبها، ولم أره لغيره إلا ما حكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة". |
↑4 | ينظر: الشرح الممتع 5/182 |
↑5 | ينظر: 5/181 |
↑6 | شرح "زاد المستقنع، كتاب الصلاة" درس رقم /51/ |