الرئيسية/الاختيارات الفقهية/القول بوجوب الزكاة في كل الحبوب والثمار قول قوي

القول بوجوب الزكاة في كل الحبوب والثمار قول قوي

 

القولُ بوجوبِ الزَّكاةِ في كلِّ الحبوبِ والثّمارِ: قولٌ قويّ

اختُلفَ في وجوبِ الزَّكاةِ في الخارجِ مِن الأرضِ، وأوسعُها في الوجوبِ: المشهورُ مِن مذهبِ أبي حنيفة؛ وهو وجوبُ الزَّكاةِ في كلِّ خارجٍ مِن الأرضِ  [1] ، فتجبُ الزَّكاةُ في كلِّ الحبوبِ، وفي كلِّ الثّمارِ، وفي كلِّ ما يُزرعُ.
ويُقابِلُ هذا الرأي مَن قال: لا تجبُ الزَّكاةُ إلّا في أربعة أصنافٍ: التَّمر، والزّبيب، والحنطة، والشّعير 
[2] ، ووردَ في هذا حديثٌ لكن فيه مقالٌ  [3] ، فبينَ القولين تباينٌ.
ومذهبُ الإمامِ أحمد يعتبرُ مِن أوسطِ المذاهبِ، والمشهورُ فيه: أنَّه تجبُ الزَّكاةُ في جميعِ أنواعِ الحبوبِ؛ سواءٌ أكانت قوتًا أو لو لم تكن قوتًا، وتجبُ في كلِّ الثّمارِ ممَّا يُكالُ ويُدّخَرُ 
[4] ، ويشملُ هذا أكثرَ ما يشملُ التّمرَ والزّبيبَ، وأشياءَ أخرى مِن الثّمارِ التي هذا مِن شأنِها، ويخرجُ منها الفواكهُ بأنواعِها، لأنّها ليست مكيلةً ولا تُدّخَرُ؛ مُنتفِيٌ فيها الوصفان، يعني ليس مِن شأنِها الكيلُ وهذا ظاهرٌ، وليس مِن شأنِها الادّخارُ في طبيعتِها لأنَّها تفسُدُ، وقديمًا كانت الفواكهُ تفسدُ إن بقيت طويلًا، أمَّا الآن فقد خلقَ اللهُ لعبادِه أسبابًا تحفظُ هذه الخضرواتِ وهذهِ الفواكه وتبقى السّنةَ، وهذا الادّخارُ لا عبرةَ فيه، يعني لا تصيرُ هذه الفواكهُ في حكمِ المدّخرِ، لأنّها مُدّخرةٌ بوسائلَ وأساليبَ غير عاديّةٍ.
فهذا المذهبُ -وهو مذهبُ الإمامِ أحمد- فيه توسُّطٌ، ولو قيلَ بالقولِ الثّاني: أنَّ في كلِّ حَبٍّ يُقتاتُ وفي كلِّ ثمرٍ يُكالُ ويُدّخرُ ففيه وجاهة؛ لأنَّ الذي يكالُ ويدّخرُ يتضمّنُ أنّه يُقتاتُ.
وهذهِ مسألةٌ طويلةٌ والكلامُ فيها كثيرٌ لأهلِ العلمِ، وقد أطنبَ شيخُنا "محمّد الأمين" في هذه المسألةِ 
[5] عند قولِه تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141]
وإذا تأمّلنا الآياتِ والأحاديثَ نجدُ قولَ أبي حنيفةَ فيه قوّةً؛ لأنَّ اللهَ تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267] وكذلك حديث:
(فيما سَقَت السّماءُ والعيونُ أو كان عثريًا العشرُ، وفيما سُقِيَ بالنّضحِ نصفُ العشرِ)   [6] [7]

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 ينظر: حاشية ابن عابدين 2/ 325
2 وحُكي عن الإمام أحمد واختاره جماعة من الأصحاب. ينظر: المغني 4/155، والإنصاف 3/ 87
3 أخرجه الدارقطني 1921، والحاكم 1459، والبيهقي 1459 من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي، عن سفيان الثوري، عن طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبي موسى ومعاذ بن جبل حين بعثهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم: "لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر". وأبو حذيفة سيئ الحفظ ليَّنه أحمد وغيره، وطلحة بن يحيى التيمي مختلف فيه، وثقه يحيى بن معين وغيره، وقال يحيى القطان: لم يكن بالقوي. وقال البخاري: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان يخطئ. ينظر ترجمتهما بالتوالي في: الميزان 4/ 221، و2/ 343.
وتابع أبا حذيفة في روايته عن سفيان: عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي. أخرجه البيهقي 7452 من طريق يحيى بن آدم، به. ولفظه غير صريح في الرفع.
وأخرجه أحمد 21989، والدارقطني 1914، والحاكم 1457 من طريق موسى بن طلحة قال: عندنا كتاب معاذ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أنه إنما أخذ الصدقة .." وذكرها. وموسى بن طلحة لم يدرك معاذًا وهذه وجادة صحيحة.
وللحديث شواهد ومراسيل يشد بعضها بعضًا كما قال البيهقي. ينظر: نصب الراية 2/ 389، والبدر المنير 5/ 511، والتلخيص الحبير 2/ 367، وإرواء الغليل 3/ 276
4 وهو من المفردات. ينظر: المنتهى 1/ 501، والإقناع 1/411
5 ينظر: أضواء البيان 1/ 495
6 أخرجه البخاري 1483 من حديث ابن عمر.
7 شرح "زاد المستقنع، كتاب الزكاة" الدرس رقم /4/