الرئيسية/شروحات الكتب/رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه/(5) فصل قوله “وقد أخبر سبحانه أن هذه الإمامة إنما تنال بالصبر واليقين”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) فصل قوله “وقد أخبر سبحانه أن هذه الإمامة إنما تنال بالصبر واليقين”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (رسالة ابن القيّم إلى أحد إخوانه)
الدّرس الخامس

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين. قال ابنُ القيّم رحمةُ اللهِ عليه:
فصلٌ؛ وَقد أخبرَ سُبْحَانَهُ أَنّ هَذهِ الْإِمَامَةَ إِنَّمَا تُنَال بِالصّبرِ وَالْيَقِين فَقَالَ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا  وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] فبالصبر وَالْيَقِين تُنَال الْإِمَامَةُ فِي الدّين، فَقيل بِالصّبرِ عَن الدُّنْيَا، وَقيل بِالصّبرِ على الْبلَاء، وَقيل بِالصّبرِ عَن المناهي؛ وَالصَّوَاب أَنّه بِالصبرِ عَن ذَلِك كُلّه، وبِالصّبرِ على أَدَاءِ فَرَائضِ الله، وَالصَّبْر عَن مَحَارِمِه، وَالصَّبْرِ على أقداره.
وَجمعَ سُبْحَانَهُ بَين الصَّبِر وَالْيَقِين، إِذْ هما سَعَادَةُ العَبْدِ وفقدُهُما يُفقِده سعادَتَه، فَإِنّ الْقلبَ تَطرُقُه طَوارقُ الشَّهَوَاتِ الْمُخَالفَةِ لأمرِ الله، وطوارقُ الشُّبُهَاتِ الْمُخَالفَةِ لِخَبَرِهِ، فبالصّبرِ يَدفعُ الشَّهَوَاتِ وباليقينِ يَدفعُ الشُّبُهَات، فَإِنّ الشَّهْوَةَ والشُّبهةِ مُضادّتان للدّين من كلّ وَجهٍ، فَلَا ينجو من عَذَابِ الله إِلَّا من دَفَعَ شهواتِه بِالصّبرِ وشبهاتِه بِالْيَقِينِ.
وَلِهَذَا أخبر سُبْحَانَهُ عَن حُبوطِ أَعمالِ أهلِ الشَّهَوَاتِ والشُّبهات فَقَالَ تَعَالَى: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا [التوبة:69]. فَهَذَا الِاسْتِمْتَاعُ بالخَلَاقِ هُوَ استمتاعُهُم بنصيبِهم من الشَّهَوَات، ثمَّ قَالَ: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا وَهَذَا هُوَ الْخَوْضُ بِالْبَاطِلِ فِي دينِ الله، وَهُوَ خَوضُ أهلِ الشُّبُهَات.
ثمَّ قَالَ: أُوْلَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَالأخِرَةِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ الخَٰسِرُونَ [التوبة:69]، فعلّقَ سُبْحَانَهُ حبوطَ الْأَعْمَالِ والخُسرانِ بِاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بالخَلَاقِ، وباتباع الشُّبُهَات الَّذِي هُوَ الْخَوْضُ بِالْبَاطِلِ.
فصلٌ: وكما أَنّه سُبْحَانَهُ علّقَ الْإِمَامَة فِي الدّينِ بِالصّبرِ وَالْيَقِين فالآية مُتضمّنةٌ لأصلينِ آخَرين؛ أَحدهمَا..
– الشيخ:
لا إله إلا الله.
– القارئ: الدعْوَةُ إِلَى الله وهدايةُ خلقِه.
– الشيخ:
إلى هنا بس، خلّيك عند الفصلِ هذا، شوف أوّلَ ما قرأتَ، بداية ما قرأت.
– القارئ: فصلٌ؛ وَقد أخبر سُبْحَانَهُ أَنّ هَذِه الْإِمَامَة إِنَّمَا تُنَال بِالصّبرِ وَالْيَقِين.
– الشيخ:
اي بس، رَبَطَ ابنُ القيّم في هذا بين الآيتين، آيةِ الفُرقانِ وآيةِ السّجدة، وَٱجْعَلْنَا لِلمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]، فبيّن أنّ الله قد بيّن في مواضِعَ أُخرى الطّريقَ، الإمامةُ في الدّينِ تكونُ لها أسبابٌ، وجِماعُ أسبابِهِا الصّبرُ واليقين، ومن أسبابِها الدّعاءُ، يدعو الإنسانُ ربَّه أن يَمُنَّ عليه بذلك، فيجعَلَهُ صابراً موقِناً، قائماً بما أوجبَ اللهُ عليه، تاركاً لما نهى اللُه عنه، موقِناً بما أخبرَ اللهُ به في كتابه وعلى لسان رسولِه.
وبِحَسَبِ ما ينالُ من الصّبرِ واليقين يكونُ حظُّه من الإمامة، وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا  وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24]، وأشارَ إلى أنّ الصّبرَ ثلاثةُ أنواعٍ معروفةٍ، فلا يستقيمُ دينُ العبدِ إلا بالصّبرِ على طاعةِ اللهِ وعلى أقدارِ الله وعن معاصي الله.
واليقينُ يتضمَّنُ العلمَ الرّاسخَ ويتضمّنُ الطُمأنينة، يقين فيه طُمأنينةٌ، يقين بكلّ ما أخبرَ اللهُ به عن نفسه وعن الغيب كلّه، وبالآخرة هم يوقنون.

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :