: الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمد، أما بعد:
فقد ذكرَ مُحقِّقُ ديوان حسان بن ثابت الدكتور "سيد حنفي حسنين" أنَّ البيتين المذكورين لم يردا في النسخة الأم، وهي المخطوطة الأصليَّة للديوان، ولهذا جعلهما في ملحقات الديوان "ص371 – طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب" [1] ، ولا إشكال في البيت الأول، وأمَّا قوله في البيت الثاني "خُلِقْتَ مُبَرَّءًا مِن كلِّ عَيبٍ": فلا ريبَ أنَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- مبرَّؤٌ مِن كلِّ عيبٍ يُعاب به الإنسانُ مِن العيوب الخَلقية أو الخُلُقية، وأما اللوازم البشريَّة -كالخوف الطَّبيعي وقضاء الحاجة- أو العوارض البشريَّة -كالمرض والجوع والظَّمأ-: فلا يُبرَّؤ النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلم- منها؛ لأنَّه بشرٌ؛ لكنَّ الله خصَّه بالوحي، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [الكهف:110].
أما قوله في البيت الثاني "كَأنَّكَ قَد خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ": فهو ضربٌ مِن المبالغة المقبولة؛ لأنَّه ذكر المعنى على وجه التَّشبيه، فقال: (كأنَّك)؛ ولم يقل: "فقد خُلِقتَ كما تَشاءُ".
هذا ومَدْحُ الله لنبيّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وثناؤه عليه فوق مدح المادحين وثنائهم؛ إذ قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وقال: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].
والآيات الدَّالة على فضله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعلوِّ منزلته عند ربّه كثيرة؛ فهو -عليه الصَّلاة والسَّلام- حقيقٌ بالمدح اللائق بمنزلته وبشريَّته صلَّى الله عليه وسلَّم، لكن يجبُ الحذر مِن إطرائه، وهو مجاوزة الحدِّ في مدحه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «لَا تُطْرُونِي، كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ» رواه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه [2] ، والله أعلم.
أملاه :
عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك
حرر في 24 ربيع الأول 1442