الرئيسية/فتاوى/اعتقاد أهل السّنة والجماعة في صفات الله
share

اعتقاد أهل السّنة والجماعة في صفات الله

السؤال :

ما قول العلماء فيمَن يقول: "إنّ علوَّ الله فوق السّموات على الاتّساع الذي لا يعلم منتهاه ـ أي ذلك العلو ـ إلّا الله"، وما هو مجمل اعتقاد السّلف في صفات الله تعالى؟

الحمد لله، والصلّاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد: فقد تضافرت الأدلّة السّمعية مِن الكتاب والسّنّة والآثار، والأدلّةُ العقلية، ودلالة الفطرة: على علوِّ الله على خلقه بذاته، ونقول: (بذاته) لأنّ علوَّ الذات هو محلّ النزاع بين أهل السّنّة وطوائف المبتدعة؛ فإنّ المبتدعة لا يخالفون في علو القدْر وعلو القهر.
ومعنى علوه -تعالى- بذاته فوق جميع مخلوقاته: أنّه -تعالى- فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائنٌ مِن خلقه، كما قال ابن المبارك لمّا قيل له: كيف نعرفُ ربَّنا؟ قال: (بأنّه فوق سماواته، على عرشه، بائنٌ مِن خلقه)، ومعنى (بائنٌ مِن خلقه): أنّه ليس في ذاته شيء مِن مخلوقاته، وليس في مخلوقاته شيءٌ مِن ذاته؛ فإنّه -تعالى- مُنزَّه عن الحلول في المخلوقات، خلافًا للمعطلة نفاة العلو؛ فإنّ لهم مقالتين:
إحداهما: "أنّه بذاته في كلّ مكان"، والثّانية: "أنّه لا داخل العالم ولا خارجه"، والحقّ أنّه خارج العالم، فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، كما أخبر بذلك عن نفسه في قوله: ٱلرَّحۡمَٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ [طه:5] مع ست آيات أخرى، ومع ذلك: فأهلُ السّنّة يؤمنون بأنّه -تعالى- ينزلُ إلى السّماء الدّنيا كلّ ليلة، كما أخبر بذلك أعلمُ النّاس بربّه -صلّى الله عليه وسلّم- فيما تواتر عنه، وأنّه -سبحانه- يدنو عشية عرفة، فيباهي بأهل الموقف ملائكته، إذا تبيّن ذلك عُلِمَ أنّ قولَ القائل: "إنّ علوَّ الله فوق السّموات على الاتساع الذي لا يعلم منتهاه ـ أي ذلك العلو ـ إلا الله": تفسيرٌ محدَث، لم يتكلّم به أحدٌ ممن يعتدّ بقوله مِن أهل العلم؛ فهذا القائل إمّا مبتدئ فهو مبتدع، أو مقتدٍ فليّبن عمَّن اقتدى به.
وحقيقة هذه العبارة "الاتّساع الذي لا يعلم منتهاه إلا الله": أنّ ذات الله سارية في الفضاء، فهذا مضمون قول مَن يقول: "إنّ الله في كلّ مكان"، أمّا مَن يقول "إنّه لا داخل العالم ولا خارجه": فحقيقة قوله أنّه لا وجود له إلّا في الأذهان، ولإبطال هذا التّصور في علو الله، لما قال ابن المبارك: "إنّه -تعالى- فوق سمواته على عرشه بائن مِن خلقه" قيل له: "بحدٍّ؟" قال: "بحدٍّ"، سبحان الله وتعالى عمَّا يقول الجاهلون والمفترون علوًّا كبيرًا، وهو العظيم الذي لا تحيط به العقول علمًا، لا تبلغه الأوهامُ، ولا تدركه الأفهامُ، ولا تدركه الأبصارُ، أي: لا تحيط به رؤية.

أمّا مجمل اعتقاد أهل السّنّة في أسماء الله وصفاته: فهو موجود في كلّ مصنفات أهل السّنّة، ومضمونه أنّهم لا يصفونه إلاّ بما وصف به نفسه، أو ما وصفه به رسوله، لا يتجاوزون القرآن والحديث، فيثبتون له -تعالى- ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسولُه، مِن غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيل، وينزهونهُ عن كلّ نقصٍ وعيب، على حدّ قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ: ردٌّ للتّشبيه والتّمثيل، وقوله: وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ: ردٌّ للإلحاد والتّعطيل، فمذهب أهل السّنّة وسطٌ بين أهل التّعطيل وأهل التّمثيل، فهم أهلُ سواء السّبيل، ونقول: اللهمّ اهدنا الصّراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضّالين. وصلّى الله وسلّم على محمّد. حرر في: 5 – شعبان – 1438هـ