الرئيسية/فتاوى/ضابط استشهاد خطيب الجمعة بالشعر
share

ضابط استشهاد خطيب الجمعة بالشعر

السؤال :

ما ضابط استشهاد خطيب الجمعة بالشِّعر؟ فقد رأينا طائفة من خطبائنا الفضلاء يسترسلون في الاستشهاد بالأشعار، وادعى بعضهم أن هذا محدَّث في الخطبة! فما قول شيخنا في ذلك، زادكم الله علمًا وفضلًا؟

 

الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:

فمن المعلوم أن الشِّعر كلامٌ حَسنُه حسنٌ، وقبيحُه قبيحٌ، وفي صحيح البخاري مرفوعًا: إن من الشعر حكمة [1]  وكان حسَّان بن ثابت -رضي الله عنه- شاعرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان ينافح عن النبي بشعره، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في المسند والسنن يضع له منبرًا في المسجد يلقي عليه من شعره، [2]  ويقول  له كما في المتفق عليه عن البراء -رضي الله عنه-: اهجهم -أو هاجهم- وجبريل معك، [3]  ولما مرَّ به عمر الفاروق -رضي الله عنه- وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنتُ أنشد فيه، وفيه مَن هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدُك الله؛ أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: أجب عني، اللهم أيده بروح القدس ؟ قال: اللهم نعم. رواه الشيخان. [4]

وقال تعالى في الاستثناء من الشعراء المذمومين: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227].

ولا أعلم أنه نُهِي عن إنشاد الشعر في الخطب، وبناءً على ما تقدم فالأصل في ذلك الجواز، ولكن الشأن في حسن الاختيار لما تُضمَّنه الخطبة من الشعر فصاحة وبلاغة، لكن يجب أن يلقَى بما يناسب أسلوب الخطبة من الحماسة، كما كانت خطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه كما في الصحيح إذا خطب احمرَّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صَبَّحكم ومَسَّاكم، [5]  ولا يُلقى الشعر بشيء من الرّخاوة التي تجر إلى تلحينه.

ولعل هذا من استنكار بعض الناس لتضمين الخطبة بعض الشعر، وهكذا كانت عادة المسلمين أن تكون الخطبة نثرًا لا شعرًا، ثم يجب أن يراعَى عدم الإكثار المؤدي إلى تحويل الخطبة شعرًا، مع الحذر من أن يكون الشعر المستشهد به لشاعر عُرف بالانحراف في سلوكه أو فِكره؛ فإن هذا أحقر من أن يُستشهَد بشعره؛ فإنه لا يليق أن يستشهد بشعره في الخطب الشرعية، كخطبة الجمعة. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 7 ذي الحجة 1443هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 أخرجه البخاري (6145) عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه.
2 أخرجه أحمد (24437)، وأبو داود (5015)، والترمذي (2846) عن عائشة رضي الله عنها، وحسنه الترمذي وقال الحاكم (6058)، (6059): "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يُخرِّجاه". وينظر: الصحيحة (1657).
3 أخرجه البخاري (3213)، ومسلم (2486).
4 أخرجه البخاري (3212)، ومسلم (2485).
5 أخرجه مسلم (867) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.