الرئيسية/فتاوى/الأصول الثلاثة وأدلتها

الأصول الثلاثة وأدلتها

السؤال :

 ما هي الأصول الثلاثة وأدلّتها؟ وهل الدّعوة فرض عين أم هي فرض كفاية؟

 الحمد لله، الأصول الثلاثة، هذا عنوان مؤلَّف للشّيخ "محمّد بن عبد الوهاب" رحمه الله، وأراد بالأصول الثلّاثة: معرفة الله، ومعرفة نبيّه، ومعرفة دين الإسلام، بالأدلّة، ولا ريب أنّ هذه أصول عظيمة، عليها مدار المعرفة الشّرعيّة، وهي معرفة العبد ربّه، الذي أرسلَ الرّسل وأنزلَ الكتب، وأرسلَ خاتم النبيين محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم-، أرسلَ الرسل بدين الإسلام، فإنّ دين الإسلام هو دينُ الرّسل جميعاً، ولكن الشّريعة التي جاء بها محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- هي أكمل الشّرائع وأشملها وأيسرها، لأنّه رسول الله إلى النّاس جميعاً.
وهذه الأصول الثلاثة هي التي يُسألُ عنها الإنسان في قبره، فيُقال للميت إذا وضع في قبره: مَن ربّك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك؟ فالمؤمن الموقن يقول: "ربّي الله، وديني الإسلام ونبي محمّد -صلّى الله عليه وسلم-"، وأمّا المنافق الشّاك فإنّه يتحيّر ويقول: "هاه هاه، لا أدري، سمعتُ النّاس يقولون شيئاً فقلته"، فالمؤمن يكون قبره عليه روضة مِن رياض الجنة، والكافر والمنافق يصير قبره حفرة مِن حفر النار، يُعذّب في قبره، وأما المؤمن فإنه ينعم في قبره.
بهذه المعرفة يعرف الإنسان "الرّسولَ" محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، و"المُرسِلَ" الذي هو الله، و"الرّسالةَ" التي هي دين الإسلام، الذي تضمّن أحكامه وشرائعه وعقائده كتاب الله وسنّة رسوله -عليه الصّلاة والسّلام-.
وقد قال الشيخ محمّد بن عبد الوهاب في ذلك الكتاب: "فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على العبد معرفتها؟ فقل: معرفة العبد ربَّه ودينه ونبيه محمّدًا -صلّى الله عليه وسلّم-"، ثم قال: "إذا قيل لك: مَن ربّك، فقل: ربّي الله، الذي ربّاني وربّ جميع العالمين بنعمه، وهو معبودي، ليس لي معبود سواه". ثم بيّن المراد "بالإسلام" وأنّه: "الاستسلام لله بالتّوحيد والانقياد له بالطّاعة والبراءة مِن الشّرك وأهله". ثم ذكر الأصل الثالث: وهو معرفة محمّد -صلى الله عليه وسلم- وأنّه محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم مِن قريش، وقريش مِن العرب، والعرب مِن ذريّة إسماعيل بن إبراهيم -عليهما وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام-، وأنّه -صلّى الله عليه وسلّم- ولد بمكة، وأنّه نزّل عليه القرآن وأوّل ما نزل عليه سورة "أقرأ" وسورة "المدثر"؛ ثم أنّه هاجر -صلّى الله عليه وسلّم- بعدما أنذر وبلّغ رسالة ربّه بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة فأظهر الله به دين الإسلام، تحقيقاً لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة:33).
والملاحظ أنّ مثل هذه الآية تتضمّن ذكر الأصول الثلاثة فقوله (هوَ الَّذِي أَرْسَلَ): هذا هو ربّنا سبحانه وتعالى، وقوله (رَسُولَهُ): هذا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وقوله (بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ): هذا هو دين الإسلام، فقد اشتملت هذه الآية على الأصول الثلاثة وأمثالها كثير.

وقد ذكر الشيخ أنّ دين الإسلام يشمل أركان الإسلام الخمسة، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، وإقام الصلّاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام، وأن الإيمان يشمل الأمور الستّة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ويشمل كذلك "الإحسان"، وهو: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، وهذا التفصيل دلّ عليه حديث جبريل الذي رواه مسلم في صحيحه، عن عمر -رضي الله عنه- كما رواه البخاري، ومسلم أيضاً من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
فمَن عرف ربّه بأسمائه وصفاته، وأنّه الإله الحقّ الذي لا يستحق العبادة سواه، وعرف محمّدًا –صلّى الله عليه وسلم- وأنّه رسول الله إلى الناس كافة، وعرف ما جاء به، وآمن بذلك كلّه، واستقام على طاعة الله ومات على ذلك: كانَ مِن السعداء المفلحين، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يمنّ علينا بالعلم النافع والعمل الصالح والثبات على دينه، إنّه تعالى على كلّ شيء قدير. 

وأما الدّعوة إلى الله: فالأصل أنّه فرض كفاية، إذا قام بها مَن يكفي سقط الإثم عن الباقين، لكن فرض الكفاية قد يكون فرض عين إذا قام السبب الموجب للدعوة، ولم يكن هناك مَن يقول بذلك الواجب، فإنه يصير على مَن قدر على الدعوة فرض عين بالنسبة إليه، فينبغي للمسلم أن يجتهد في الدعوة إلى الله بحسب حاله، وكلما سنحت له الفرصة يقوم بهذا العمل الصالح ليكون مِن اتباع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- الذين قال الله فيهم: {قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(يوسف:108)، كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(فصلت:33]، والله أعلم. 

 
قال ذلك:
عبدالرحمن بن ناصر البراك