تقديم الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك
(تلميذ المؤلف)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا كتاب جميل، وجليل القدر؛ من كتب الفقه والحديث والعقيدة والسلوك؛ فإنَّ مؤلفه بناه على أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، وضمَّنه أدلةً كثيرة من الكتاب والسنة عند عرض الخلاف، وقلت: إنه كتابُ حديثٍ؛ لأنه اشتمل على عدد كبير من الأحاديث النبوية، مدروسةً: تخريجا بعزوها إلى مصادرها، وبيانا لدرجاتها، وحُكمًا على أسانيدها ورجالها؛ فشمِل ذلك العبادات من الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والصيد، والمعاملات من البيع والنكاح وما يتعلق به؛ من الطلاق والعدد والرضاع والحضانة والجنايات والحدود واللعان والقسامة، وختمه بكتاب القضاء، وقدَّم بين يدي هذه الأبواب مباحث في العقيدة والآداب والأخلاق.
وقسم المؤلف الكتاب إلى مباحث، وقسم المباحث إلى لافتات، فالمباحث بمنزلة الأبواب، واللافتات بمنزلة الفصول، وقد تضمَّنت هذه المباحث واللافتات كثيرا من المسائل والفوائد الحديثية والفقهية واللغوية، وعُني المؤلف ـ رحمه الله ـ بذكر الخلاف في مسائل الأحكام الفقهية، وذكر أدلة كل فريق، ولم يكن المؤلف ـ رحمه الله ـ مذهبيًا، أي: لم يكن مقلِّدا، بل كان يذمُّ التقليد والمقلِّدين، ومن شعره في هذا قوله:
إن المقلد دائمًا متأخرٌ وبكل ميدانٍ تراه جبانا
وقال:
وانأَ عنِ التقليدِ جهدَكَ واقتف الــ وحيين إنك بالسعادة ترفُلُ
والغالب على المؤلف أنه يذكر الخلاف بين الأئمة الأربعة، ويرجِّح ما يعضده الدليل، حسب اجتهاده، لذلك كان الكتاب زاخرا بالفوائد الفقهية والحديثية واللغوية.
وبعد؛ فلا بد أن يلاحظ القارئ أن المؤلف ـ رحمه الله ـ ترك بعض الأبواب الفقهية، كالفرائض والوقف والوصايا وإحياء الموات والعتق والإقرار، والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الشيخ ألَّف الكتاب في أوقات متفرقة، ولم يتمَّه، وكلُّ ما كتبه مسوَّدات، يؤكد ذلك أنه لم يكتب له مقدمة يبيِّن فيها مقصده ومنهجه، ولا خاتمة، فجزاه الله خيرا على ما كتبه وقصده، وأجزل مثوبته، وجعل ذلك في ميزان حسناته وثقَّله. هذا عن الكتاب.
أما المؤلِّف فهو الشيخ صالح بن حسين العلي أحد أقران شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز، وأحدُ كبار تلاميذ الشيخ الكبير محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية، ولي معرفة خاصة بالشيخ صالح، فأنا أخصُّ تلاميذه به، وله فضلٌ عليَّ كبير بالعلم والتوجيه روحيًّا وبدنيًّا؛ فقد التقيت به في مكة في المسجد الحرام في حدود سنة 1365ه، حيث كنت مقيما هناك مع أهلي، ولعله أعجب بي، فصار يحرص عليَّ كثيرا، ومن آثار حرصه عليَّ أنه لما كُلِّف بإدارة المدرسة العزيزية في الدِّلم سنة 1369ه طلب من أهلي في مكة أن أصحبه إلى الشيخ عبد العزيز ابن باز، حيث كان الشيخ عبد العزيز حين ذاك قاضيا في الدِّلم، فضمَّني الشيخ صالح إلى أسرته حتى كنت كأحد أولاده، آوي إلى منزله، وأحضر دروس الشيخ عبد العزيز في المسجد وفي بيته، لذا أقول: إني لا أستطيع الوفاء بحق الشيخ صالح إلا بالدُّعاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه»، رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
لهذا فإني أخصُّ الشيخ صالحا بالدُّعاء من بين مشايخي حين أدعو لهم، رحمهم الله جميعا، وغفر لهم، وجزاهم الله عن الإسلام خير الجزاء.
ومما أذكره من أخلاق الشيخ وشمائله جوده بالعلم وبالمال، ولم يكن ذا مال، ومن ذلك أنه كان يتألَّف كثيرا من طلبة العلم وبخاصة الغرباء، ويدعوهم إلى بيته، فيكرمهم، ويفيض عليهم من توجيهاته وفوائده، وقد يسَّر الله له بذل العلم في عدد من الوظائف التعليمية في الدِّلم والرياض والمجمعة والمدينة وفي مكة، وأسأل الله الكريم العظيم أن يتغمد الشيخ صالحا برحمته، وأن يرفع درجاته في جنات النعيم، وأن يصلح ذريته ويمن علينا وعليهم بالثبات على دينه القويم.
كما نسأله تعالى أن يجزي الشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني صهر الشيخ صالح على إحدى بناته خير الجزاء، وزميله الدكتور حميد بن علي الشامي على ما بذلا من إخراج هذا الكتاب، وتخريج نصوصه الكثيرة، وأن يبارك في جهودهما، ويرزقنا وإياهما الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
في 26 شعبان 1441هـ