(44) “باب صلاة الجمعة” قوله تلزم كل ذكر

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الصّلاة)
– الدّرس: الرّابع والأربعون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى:
(بابُ صلاةِ الجمعةِ)

– الشيخ: الحمدُ لله وصلى الله وبارك على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه، صلاةُ الجمعةِ إحدى الصلواتِ المفروضةِ بالكتابِ والسنةِ والإجماعِ، قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9] وقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعِهمُ الجُمُعاتِ، أو ليختمنَّ اللهُ على قلوبِهم ثمَّ ليكوننَّ من الغافلين)
وأجمعتِ الأمةُ على ذلك، فإنَّ صلاةَ الجمعةِ هي إحدى الصلواتِ الخمسِ المفروضةِ التي كتبها اللهُ على عبادِه، وهي بدلٌ عن الظهرِ، من صلَّاها فقد أدَّى الصلاةَ المفروضةَ، وخُصَّتْ بهذا اليومِ وهي من خصائصِ هذا اليومِ وهو يومُ الجمعةِ الذي قال فيه النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (يومُ الجمعةِ خيرُ يومٍ طلعتْ عليه الشمسُ)، فهو أفضلُ أيامِ الأسبوعِ.
ومن عظيمِ شأنِ هذا اليومِ أنَّه اليومُ الذي خُلِقَ فيه آدمُ عليه السلامُ، وفيه أُدخلَ الجنّةَ، وفيه تقومُ الساعةُ، فهو يومٌ لأحداثٍ عظيمةٍ. ولهذا اليومِ خصائصُ ذكرها العلامّةُ ابنُ القيمِ في زادِ المعادِ، وأعظمُ خصائِصه صلاةُ الجمعةِ بخُطبتيها. وسُمّيَ يوم الجمعةِ؛ لأنَّ فيه اجتمعَ الخلقُ، فاللهُ خَلَقَ العالمَ في ستةِ أيامٍ أوَّلُها يومُ الأحدِ، فاجتمعَ الخلقُ في ذلك اليومِ، وكان خلقُ العامِ في آخرِ ساعةٍ من ذلك اليومِ. وهو اليومُ الذي هدى اللهُ له هذه الأمَّةَ وضلَّ عنه اليهودُ، جاءَ في الحديثِ الصحيحِ: (أنَّ هذا اليومَ الذي أضلَّ اللهُ عنه اليهودَ والنصارى، وهدانا إليه)، فهدى اللهُ هذه الأمةَ لهذا اليومِ.
وكان لليهودِ يومُ السبتِ وللنصارى يومُ الأحدِ، وكان السبتُ بالنسبةِ لليهودِ يومُ دينٍ قبلَ أن يرتكبوا ما ارتكبوهُ من عظيمِ الذنوبِ والمعاصي فصارَ من دينِهم، قال اللهُ تعالى: إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [النحل:124]، اختلفوا في اليومِ الذي كانوا يجتمعونَ فيه، فاليهودُ عيَّنوا يومَ السبتِ، والنصارى عيَّنوا يومَ الأحدِ، وضلّوا عن ذلك اليومِ وهو يومُ الجمعةِ، أمَّا الآنَ فما تعظيمُهم إلَّا من آثارِ انتسابِهم للشريعتينِ التوراةِ والإنجيلِ.
وإضافةُ الصلاةِ للجمعةِ من إضافةِ الشيءِ إلى وقتِهِ؛ كصلاةِ الفجرِ والمغربِ، قال اللهُ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة:9].
 
– القارئ: (تلزمُ كلَّ ذَكَرٍ، حُرٍّ، مُكلَّفٍ، مسلمٍ، مُستوطِنٍ ببناءٍ اسمُه واحدٌ ولو تفرقَ، ليسَ بينَه وبينَ موضعِها أكثرُ مِنْ فَرْسَخٍ)
– الشيخ: "تلزمُ": أي تجبُ، تجبُ صلاةُ الجمعةِ، أي لزومًا شرعيًا.
"ذكرٍ": خرجَ منه المرأةُ، فإنَّه لا تجبُ عليها الجمعةُ، فالجمعُ بين الجمعةِ والجماعةِ ليست من شأنِ المرأةِ، وغايةُ الأمرِ أنَّه يُباحُ للمرأةِ أن تشهدَ الجماعةَ وأن تشهدَ الجمعةَ. والآن في هذا الزمانِ الذي استرجلَ فيه النساءُ واللهُ المستعانُ، هناك منهُنَّ من يخرجنَ بحسنِ نيَّةٍ لأداءِ الصلواتِ جماعةً، أو أداءِ الجمعةِ، لا يُمنعنَ من ذلك لكن لا يُرغّبنَ أيضًا، هل لهنَّ حظٌّ من أحاديثِ التبكيرِ إلى صلاةِ الجمعةِ؟ ليس لهنَّ شيٌ من ذلكَ الفضلِ، وليس لها إن حضرتِ الجماعةَ سبعًا وعشرينَ ضعفًا، غايةُ الأمرِ: (لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ)، وباللفظِ الآخر: (وبيوتُهنَّ خيرٌ لهنّ) وهذه الأحاديثُ دلَّتْ على جوازِ شهودِ النساءِ للجمعةِ والجماعةِ بشرطِ الالتزامِ بآدابِ الاحتشامِ.
"حُرٍّ": خرجَ به المملوكُ، وهو العبدُ، فالعبدُ لا تجبُ عليه الجمعةُ في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ، ويُعلّلونَ ذلك بأنَّه محكومٌ بحقِّ سيّدِه، أي أنَّه ليسَ حرًا في تصرّفِهِ، وذُكرَ في هذا حديثٌ مشهورٌ وفيه ضعفٌ وهو ضعيفٌ: (الجمعةُ حقٌ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ إلَّا أربعًا: العبدُ والمرأةُ والمسافرُ والمريضُ)
وقيل: بل تجبُ عليه لأنَّه مُكلَّفٌ وحقُ اللهِ أوجبُ، ولكنَّ العبدَ له شأنٌ في الشريعةِ، ولهذا لا يجبُ عليه الحجُّ ولو حجَّ وهو رقيقٌ وهو في العبوديةِ ثمَّ عتقَ، فعليه حجّةٌ أخرى، وفي ذلك خلافٌ كالخلافِ في وجوبِ صلاةِ الجمعةِ عليه.
"مكلّفٍ": يعني عاقلٌ بالغٌ، وهذا لا خلافَ فيه، وهذا شرطٌ في جميعِ الواجباتِ، فالعقلُ شرطُ وجوبٍ وصِحَّةٍ، فلا تصحُّ من المجنونِ، لا تجبُ ولا تصحُّ، أمَّا البلوغُ فهو شرطُ وجوبٍ، وتصحُّ الجمعةُ من غيرِ البالغِ، وكذلك في الحجِّ يصحُّ منه، فالبلوغُ شرطُ وجوبٍ لا شرطَ صِحَّةٍ، وأمَّا العقلُ فهو شرطُ وجوبٍ وصحَّةٍ، فالحجُّ مثلًا لا يجبُ على المجنونِ ولا يصحُّ منه.
"مسلمٍ": فلا تجبُ على الكافرِ؛ لأنَّه لو صلّى لم تصحَّ منه. ولا ريبَ أنَّ الإسلامَ شرطُ صِحّةٍ، فلا تصحُّ الجمعةُ ولا غيرُها من العباداتِ إلَّا بالإسلامِ؛ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، فلا تصحُّ الأعمالُ الصالحةُ فرضُها ونفلُها إلَّا من المؤمنِ، ولكن هل تجبُ عليه الواجباتُ بمعنى أنَّه مخاطبٌ بها؟ هذا يرجعُ إلى مسألةٍ أصوليةٍ وهي: هل الكفَّارُ مُخاطبونَ بفروعِ الشريعةِ؟ في ذلك خلافٌ، والصحيحُ: أنَّهم مُخاطبونَ بها، لا بمعنى أنَّهم يُؤمرونَ بأدائِها وأنَّها تصحُّ منهم، بل أثرُ ذلك أنَّهم يُعاقبونَ على تركِها، فيجبُ عليهم الإيمانُ ليصحَّ فعلُ الواجباتِ منهم؛ كالمحدثِ تجبُ عليه الصلاةُ ولا تصحُّ منه؛ لأنَّ الطهارةَ شرطٌ للصحّةِ وليست شرطًا لوجوبِها، فالكافرُ يجبُ عليه أن يأتيَ بشرطِ الفرائضِ، وشرطُ صحّتِها هو الإسلامُ، يجبُ عليه أن يُسلمَ لتصحَّ منه الفرائضُ. واستُدِلَّ على أنَّ الكافرَ مُخاطبٌ بالفرائضِ بقولِه تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:38-47]
كذلك يُعاقبونَ على جرائِمهم ومَظالِمهم كما قال تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل:88]، فالكافرُ المفسدُ الظالمُ السفاكُ للدماءِ ليسَ كالكافرِ الذي هو خلافُ ذلك، فهذا يُعاقبُ على كُفرِه ومعاصيهِ. فيُعاقبُ الكافرُ على تركِه لفرائضِ اللهِ، وعلى فعلِه لما حرَّمَ اللهُ، فهو مخاطبٌ بفرائضِ الشريعةِ بهذا الاعتبارِ، بمعنى أنَّه يُعاقبُ على فعلِ المحرماتِ وتركِه للواجباتِ.
"مستوطنٍ ببناءٍ اسمُهُ واحدٌ ولو تفرقَ": المستوطنُ هو المقيمُ في مكانٍ على الدوامِ لا ينوي الانتقالَ عنه إلَّا لأسبابٍ عرضة، وضدُّ المستوطنِ اثنان: المسافرُ، فالمسافرُ هو المتنقّلُ، والمقيمُ إقامةً محدودةً لا إقامةً مطلقةً دائمًة؛ كالمسافرِ الذي عزمَ على الإقامةِ مدةً تقطعُ السفرَ، وهي المسألةُ التي تقدَّمت وذُكرَ فيها الخلافُ، والجمهورُ قالوا: أنَّ المسافرَ إذا عزمَ على الإقامةِ أكثرَ من أربعةِ أيامٍ انقطعَ عنه حكمُ المسافرِ وما يتعلَّقُ به من القصرِ، ويجبُ عليه الإتمامُ، فيكونُ هذا المقيمُ لا مستوطنًا ولا مسافرًا فهو من وجهين، هو من وجهٍ مسافرٌ، ومن وجهٍ مقيمٌ، فهو بين المسافرِ والمستوطنِ، وهنا قال: شرطُ وجوبِ الجمعةِ الاستيطانُ، تجبُ على المستوطنِ، لا على المسافرِ ولا على المقيمِ الإقامةَ العارضةَ في السفرِ وهي التي ينقطعُ بها حكمُ السفرِ في مسألةِ القصرِ.
"مستوطنٍ ببناءٍ": الظاهرُ أنَّ الباءَ ظرفيةٌ، وخرجَ بذلك المستوطنُ في غيرِ بناءٍ بل في خيامٍ في صحراءٍ كاستيطانِ الباديةِ في منازلِهم، فهؤلاءِ ليسوا في بناءٍ، وهذا أُخِذَ من الواقعِ، الأصلُ في هذا أُخِذَ من العملِ الجاري في عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وما بعدَه، إنّما كانت تٌقامٌ الجمعةٌ في الأمصارِ وفي القُرى، لا يُقيمُها أهلُ الباديةِ، فهذا الشرطُ مأخوذٌ من العملِ، وليسَ من نصٍّ يدلُّ عليه لفظيٌّ، بل دليلُه عمليٌّ، وهذا هو المعمولُ به على عهدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وما بعدَهُ واستمرَّ العملُ على هذا، إذًا: فلا تجبُ الجمعةُ على أهلِ الباديةِ.
وقال المصنِّفُ: "ببناءٍ اسمُهُ واحدٌ": فلو كان البناءُ متفرّقٌ مثل القرى المتفرّقةِ؛ فهذا حالُهُ كحالِ أهلِ الباديةِ، كالمزارعِ الموجودةِ خارجَ البلدِ، ليسوا من أهلِ القرى ولا من أهلِ الأمصارِ، بل حالُهم تُشبهُ حالَ الباديةِ.
"ولو تفرَّقَ": ظاهرُ العبارةِ أنَّه لو تفرقَ وكان اسمُهُ واحدًا فهو كلو لم يتفرقْ، وهذا فيه إشارةٌ للقولِ الآخرِ، وهو أنَّه يضرُّ، والمصنّفُ رحمهُ اللهُ مشى على القولِ الأوّلِ؛ وهو أنَّه لا يؤثّرُ حتى ولو كانت متفرقةً ما دام اسمُهُ واحدًا، وهو الأظهرُ إن شاءَ اللهُ؛ لأنَّه ما دامَ أنَّه بلدٌ فلا يُؤثّرُ حتى ولو كان متفرقًا، وكثيرٌ من البلدانِ تكونُ متفرقةً هنا مزرعةٌ وهناكَ مزرعةٌ، ولكنَّ الاسمَ واحدٌ والبلدَ واحدٌ، فالصحيحُ: أنَّه ليسَ من شرطِه أن تكونَ مبانيهِ متصلةً، بل يكونُ بلدًا واحدًا ولو كانت مبانيه وأحيائه متفرقةً.
" ليس بينَه وبين موضِعها أكثرُ من فرسخٍ": ليس بين من وجبتْ عليه وبين موضِعها وهو المسجد أكثرُ من فرسخٍ، فإذا كان بينَه وبينها أكثرَ من فرسخٍ لم تجبْ عليه الجمعةُ. والفرسخُ: تقدَّمَ أنَّه ثلاثةُ أميالٍ، والميلُ: يقربُ من اثنين كيلو إلَّا، فجموعُ الفرسخِ خمسةُ كيلو متراتٍ، فمن كانت بينَه وبين موضعِ الجمعةِ فرسخٌ فأقلَّ وجبتْ عليه الجمعةُ، وإن كان أكثرَ من فرسخٍ لم تجبْ، جعلوا هذا شرطًا من شروطِ الوجوبِ، وقيل: بل شرطُ ذلك هو سماعُ النداءِ، فمن سمعَ النداءَ وجبتْ عليه، ومن لم يسمعِ النداءَ لم تجبْ عليه، وهذا في الأحوالِ العاديّةِ؛ لقولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]
وفي الحقيقةِ أنَّ المقامَ فيه تأمُّلٌ؛ فإنَّ المسلمونَ كانوا يأتونَ إلى مسجدِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- من نواحي المدينةِ، والذي يظهرُ أنَّهم لا يسمعونَ النداءَ، سماعُ النداءِ لا يتحقَّقُ إلَّا في مسافةٍ قصيرةٍ، فالنداءُ تارةً يُعرفُ بالسماعِ من المكانِ القريبِ، وتارةً يُعرفُ من وقتِ النداءِ، أي أنَّه هذا هو وقتُه ولو لم نسمعْ، ولكن لا شكَّ أنَّه الإنسانُ وخصوصًا صلاةُ الجماعةِ إذا كان الإنسانُ يسمعُ النداءَ لقربِ المكانِ وجبَ عليه، أمَّا الجمعةُ فاعتبارُ هذا فيه تأمُّلٌ وفيه نظرٌ، يعني ربطُ الوجوبِ بسماعِ النداءِ فكأنَّما قالَهُ العلماءُ والفقهاءُ أنَّه لا تجبُ إلَّا إذا كان بينَه وبيها هذه المسافةُ بحيثُ أنَّه كان بعيدًا فلا تجبُ عليه؛ لأنَّ في حضورِهِ مشقّةٌ وحرجٌ.
 
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
(مُسْتَوْطِنٍ)
قولُه: (مستوطنٍ): هذا هو الشرطُ الخامسُ، وضدُّ المستوطنِ المسافرُ والمقيمُ، فالمسافرُ لا جمعةَ عليه، ودليلُ ذلك: أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في أسفارِه لم يكن يُصلّي الجمعةَ، مع أنَّ معه الجمعُ الغفيرُ، وإنّما يُصلّي ظهرًا مقصورةً، فإذا قال قائلٌ: ألَا يمكنُ أن يكونَ جمعُه وقصرُه في غيرِ يومِ الجمعةِ، وأنَّه يُقيمُ صلاةَ الجمعةِ في السفرِ؟
فالجوابُ على هذا من وجهين: الوجهُ الأولُ: أنَّ لدينا نصًا ظاهرًا جدًا في أنَّه لا يُصلّي الجمعةَ في سفرِه، وذلك في يومِ عرفةَ، فإنَّ يومَ عرفةَ كان يومَ الجمعةِ في حجةِ الوداعِ، وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ جابرٍ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:
(لما وصلَ بطنَ الوادي يومَ عرفةَ نزلَ فخطبَ الناسَ، ثمَّ بعد الخطبةِ أذَّنَ بلالٌ، ثمَّ أقامَ فصلَّى الظهرَ، ثمَّ أقامَ فصلَّى العصرَ)، وهذه الصفةُ تخالفُ صلاةَ الجمعةِ من وجوهٍ…
– الشيخ: المقصودُ لا ريبَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يصلِّ الجمعةَ في أسفارِه،  ولا بدَّ أنَّ في أسفارِه مرَّتْ عليه صلاةُ الجمعةِ، ولو وقعَ ذلك لنُقلَ، فصلاةُ الجمعةِ تختلفُ عن سائرِ الصلواتِ من وجهين؛ من جهةِ الخطبةِ، فلم يُنقلْ أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- جمعَ الناسَ في أسفارِه وخطبَ بهم، وانظرْ إلى سفرِه للحجِّ؛ خرجَ من المدينةِ لخمسٍ بقينَ من ذي القعدَةِ فمرَّتْ به جمعةٌ أمضى فيها تسعةَ أيَّامٍ، وأسفارٌ أخرى، فهذا أمرٌ معلومٌ قطعًا، لكنَّ أهلَ العلمِ يستأنسونَ ويستدلّونَ بصلاتِه بعرفةَ وأنَّها بالإجماعِ كانت في يومِ الجمعةِ، وصلّى بالناسِ الظهرَ والعصرَ، وعُلِمَ من سياقِ حديثِ جابرٍ الذي ينبنّه عليه الشيخُ، عُلِمَ منه أنَّ صلاتَه في ذلك اليومِ لم تكن صلاةَ جمعةٍ بل هي صلاةُ ظهرٍ؛ لأنَّ جابرًا قال: صلَّى الظهرَ والعصرَ، ولم يقلْ: صلَّى الجمعةَ، وممَّا يدلًّ لذلك أنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يجهرْ بتلك الصلاةِ ولم يخطبْ إلَّا خطبةً واحدةً؛ فيُعلمُ قطعًا  أنَّ صلاتَه تلك لم تكن صلاةَ جمعةٍ بل هي صلاةُ ظهرٍ، لكن بقطعِ النظرِ عن هذا الدليلِ المعيّنِ، عدمُ النقلِ ممّا تدعو الحاجةُ إلى نقلِهِ في جميعِ أسفارِه لم يُصلِّ الجمعةَ قطعًا مع أنَّه مرَّتْ به أيامُ جمعةٍ.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
1 ـ لأنَّ صلاةَ الجمعةِ الخطبةُ فيها بعدَ الأذانِ، وهنا الخطبةُ قبلَ الأذانِ.
2 ـ صلاةُ الجمعةِ يتقدَّمُها خطبتانِ، وحديثُ جابرٍ ليسَ فيه إلَّا خطبة واحدة.
3 ـ صلاةُ الجمعةِ يُجهرُ فيها بالقراءةِ، وحديثُ جابرٍ يدلُّ على أنَّه لم يجهرْ، لأنَّه قال: (صلَّى الظهرَ، ثمَّ أقامَ فصلَّى العصرَ).
4 ـ صلاةُ الجمعةِ تُسمَّى صلاةُ الجمعةِ، وفي حديثِ جابرٍ قال: (صلَّى الظهرَ).
5 ـ صلاةُ الجمعةِ لا تُجمعُ إليها العصرُ، وحديثُ جابرٍ يقول: (صلَّى الظهرَ ثمَّ أقامَ فصلَّى العصرَ)، وهذا نصٌّ صريحٌ واضحٌ في هذا الجمعِ الكثيرِ الذي سيتفرقُ فيه المسلمونَ إلى بلادِهم فيقولون: صلّينا مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يومَ الجمعةِ ظهرًا يدلُّ دلالةً قطعيةً على أنَّ المسافرَ لا يُصلّي الجمعةَ.
الوجه الثاني: لو كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُصلّي الجمعةَ في أسفارِهِ كان ذلك ممَّا تتوافرُ الدواعي على نقلِه، ولنُقِلَ إلينا، ولو كانت واجبةً لصلّاها، بل لو كانت جائزةً لصلّاها، فإذا صلَّى الإنسانُ الجمعةَ وهو في السفرِ، فصلاتُه باطلةٌ، وعليه أن يُعيدها ظُهرًا مقصورةً؛ لأنَّ المسافرَ ليس من أهلِ الجمعةِ.

– الشيخ: وبهذه المناسبةِ بعضُ الشبابِ وبعضُ الناسِ إذا خرجوا في نزهةٍ يُقيمونَ صلاةَ الجمعةِ أو في الاستراحاتِ يُصلونَ الجمعةَ، وهذا غلطٌ، إمَّا أن يكونوا في مكانٍ يجبُ عليهم حُضورها أو يُصلّونَ ظهرًا ولا يُصلّونَ الجمعةَ.
– مداخلةٌ:
– الشيخ: إذا كان النزولُ ليس نزولَ إقامةٍ بل نزولًا عارضًا فأرجو أنَّها لا تجبُ عليه.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
فإذا قالَ قائلٌ: تَرْكُ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- للجمعةِ لا يدلُّ على أنَّها غيرُ مشروعةٍ؟
فالجوابُ: بلى؛ لأنَّها لو كانت مشروعةً لكانت عبادة، وهي فريضةٌ واجبةٌ، ولا يمكنُ أن يدعَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الواجبَ، فإذا كان سببُ الفعلِ موجودًا ولم يفعلِ الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ذلك عُلِمَ أنَّ فعلَهُ يكونُ بدعةً، وقد قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:
(من عملَ عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ) … أمَّا المسافرُ في بلدٍ تُقامُ فيه الجمعةُ، كما لو مرَّ إنسانٌ في السفرِ ببلدٍ، ودخلَ فيه ليقيلَ ويستمرَّ في سيرِه بعدَ الظهرِ فإنّها تلزمُهُ الجمعةُ؛ لعمومِ قولِه تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9]، وهذا عامٌّ، ولم نعلمْ أنَّ الصحابةَ الذين يَفِدونَ على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ويبقونَ إلى يومِ الجمعةِ يتركونَ صلاةَ الجمعةِ، بل إنَّ ظاهرَ السنّةِ أنَّهم يُصلّونَ مع النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.
– الشيخ: هذا إذا كانوا مستقرّين، الدليلُ أوسعُ من المدلولِ، يعني مرَّ مرورًا جزئيًا، ليس كمن جاءَ ونزلَ في البلدِ وأقامَ، فالذي يستدلُّ الشيخُ بهم ينزلون نزولَ أيامٍ، أمَّا النزولُ العارضُ ليست كحالةِ المقيمِ، بل هو في حالِ الجِدِّ في السيرِ، ولو أخذنا بهذا لِزَمَ أنَّه لو مرَّ على محطةٍ من أجلِ الوقودِ وسمعَ النداءَ فهل نقولُ: تجبُ عليه الجمعةُ؟ لا، بل نقولُ أنَّه في حالِ الجِدِّ في سفرِه.
 
– القارئ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
وقالتِ الظاهريةُ: إنَّ المسافرَ تلزمُهُ الجمعةُ، واستدلّوا على ذلك بعموماتِ الأدلةِ الدالّةِ على وجوبِ صلاةِ الجمعةِ، وهذا الاستدلالُ مردودٌ بالأدلةِ المخصّصةِ للعموماتِ، فالمسافرُ لا جمعةَ عليه، والمقيمُ أيضًا لا جمعةَ عليه، لكن إن أقامَها مستوطنونَ في البلدِ لزمتْه بغيرِهِ لا بنفسِهِ، ومعنى قولِنا بغيرِه: أنَّه إذا أقامَها من تصحُّ منهم إقامتُها لزمتْهُ تبعًا لغيرِه، لكن لا يُحسبُ من العددِ المشروطِ، وبناءً على هذا ينقسمُ الناسُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
1 ـ مستوطنٌ. 2 ـ مسافرٌ. 3 ـ مقيمٌ، لا مسافرٌ ولا مستوطنٌ.
قولُه: (ببناءٍ): أي بوطنٍ مبني، ولم يبيِّن المؤلّفُ بأيّ شيءٍ بني، فيشملُ ما بُنيَ بالحجرِ، والمدرِ، والإِسمنتِ، والخشبِ، وغيرِها، وهو يحترزُ بذلك ممّا لو كانوا أهلَ خيامٍ كأهلِ الباديةِ، فإنَّه لا جمعةَ عليهم؛ لأنَّ البدو الذين كانوا حولَ المدينةِ لم يأمرهمُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بإقامةِ الجمعةِ مع أنَّهم مُستوطنونَ في أماكِنهم؛ لكونِها ليست ببناءٍ، ولهذا إذا ظعنوا عن هذا الموطنِ ظعنوا ببيوتِهم، ولم يبقَ لها أثرٌ؛ لأنَّها خيامٌ.
قولُه: (اسمُهُ واحدٌ، ولو تفرَّقَ): أي أن يكونَ مستوطنًا ببناءٍ، اسم هذا البناء واحدٌ، مثلُ: مكة، المدينة، عنيزة، بريدة، الرياض، المهمّ أن يكونَ اسمُه واحدًا، حتى لو تباعدَ وتفرَّقَ بأن صارت الأحياءُ بينها مزارعٌ لكن يشملُها اسمٌ واحدٌ فإنَّه يُعتبرُ وطنًا واحدًا وبلدًا واحدًا؛ ولهذا قال المؤلفُ: "ولو تفرَّقَ" مشيرًا بذلك للخلافِ في هذه المسألةِ. وقال بعضُ العلماءِ: "لو تفرَّقَ": وفرَّقَت بينَه المزارعُ، فليسَ بوطنٍ واحدٍ، وعلى هذا القولِ يكونُ كلُّ حيٍّ وحدَهُ مُستقلًا، ولكنَّ الصحيحَ أنَّه ما دامَ يشملُه اسمٌ واحدٌ فهو بلدٌ واحدٌ، ولو فُرضَ أنَّ هذا البلدَ اتّسعَ وصارَ بين أطرافِه أميالٌ أو فراسخُ فهو وطنٌ واحدٌ تلزمُ الجمعةُ مَنْ بأَقصاهُ الشرقيّ كما تلزمُ مَنْ بأقصاهُ الغربيُّ، وهكذا الشمالُ والجنوبُ؛ لأنَّه بلدٌ واحدٌ.
مداخلةٌ: هل تعتبرُ السفينةُ صفتُها كصفةِ الوطنِ الواحدِ؟

– الشيخ: لا ليستِ السفينةُ كصفةِ الوطنِ الواحدِ، وهو مسافٌر.
– مداخلةٌ: لو كانوا في خيامٍ لكنَّهم مُقيمين إقامةً دائمةً؟
– الشيخ: إذا كانوا مقيمينَ إقامةً دائمةً فهذا وطنُهم، يعني خرجَ مخرجَ الغالبِ، والمساكنُ تختلفُ: منها ما يكونُ من إسمنتٍ، ومنها ما يكونُ من طينٍ، ومنها ما يكونُ من أعوادٍ، فيكونونَ مقيمينَ إقامةً دائمةً.

 


الأسئلة:
س1: إذا صلَّى وخطبَ مسافرٌ بمقيمينَ هل تصحُّ الصلاةُ؟
ج: نعم تصحُّ الصلاةُ، وهذا سيأتي.
………………………………….
س2: ما حكمُ السفرِ صباحَ يومِ الجمعةِ؟
ج: يقولُ بعضُ أهلِ العلمِ أنَّه مكروهٌ، والصحيحُ أنَّه جائزٌ، لا يحرمُ السفرُ إلَّا عندَ النداءِ، يعني إذا نُودي للصلاةِ حَرُمَ السفرُ؛ لأنَّه تعيّنَ ووجبَ الحضورُ إلى الصلاةِ، أمَّا السفرُ قبلَ هذا فهو على أصلِ الإباحةِ.
………………………………….
س3: في صلاةِ الجمعةِ اليومَ سلَّمَ مجموعةٌ قبلَ الإمامِ لأنَّهم كانوا في الدورِ العلويّ ولا يسمعونَ الإمامَ بصوتٍ واضحٍ، فقامَ أحدُ المصلينَ وأعلى صوتَه بالتسليمِ فظنّوا انتهاءَ الصلاةِ فانصرفوا، وبعدَ قليلٍ سمعوا الإمامَ يُسلِّمُ ولم يرجعوا، فهل يطلبُ منهم الإمامُ الإعادةَ وينبّههم الجمعة المقبلة، أم أنَّ صلاتَهم صحيحةٌ؟
ج: اللهُ أعلمُ، ما دامَ أنَّ صلاتَهم تمتْ بركعتيها وتشهَّدوا وسلَّموا فصلاتُهم صحيحةٌ وانصرافُهم قبلَ الإمامِ خطأ لا يبطلُ صلاتَهم، وحالُهم كحالِ من انفردَ لضرورةٍ فهم انفصلوا عن الإمامِ معذورين، وصلاتُهم صحيحةٌ.
………………………………….
س4: إذا قرأَ الإمامُ قولَه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، هل يلزمُ المأمومينَ الصلاةُ عليه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؟
ج: لا، ما يلزمُ.
………………………………….
س5: هل يجوزُ أداءُ صلاةِ التهجّدِ في آخرِ الليلِ بعدَ التراويحِ والوترِ مع الإمامِ في رمضانَ، وقد قال -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (اجعلوا آخرَ صلاتِكم من الليلِ وِترا)، هل هذا من بابِ الوجوبِ أم من بابِ الاستحبابِ؟
ج: الوترُ أصلًا ليسَ بواجبٍ الوجوبَ العينيّ، فيظهرُ أنَّ هذا ندبٌ، (فإذا خشيَ أحدُكم الصبحَ صلّى ركعةً واحدةً)، (اجعلوا آخرَ صلاتِكم من الليلِ وِترًا)، هذا من توابعِ الوترِ، والوترُ في نفسِه ليسَ بفرضٍ، ومن أوترَ في أوّلِ الليلِ ثمَّ قامَ وصلَّى آخرَ الليلِ فلا يُوترُ، بل ويُنهى عن الوترِ لحديثِ: (لا وِترانِ في ليلةٍ).
………………………………….
س6: كثيرًا ما يُقالُ لمتعلّمي القرآنِ ألّا يأخذوا على تعليمهم القرآنَ والعلمَ الشرعيَّ شيئًا كهدايا تُهدى لهم أو مكافئاتِ أو غيرِ ذلك، فهذا ينقصُ الأجرَ من اللهِ سبحانَه وتعالى، ما صِحّةُ هذا القولِ وهل وردتْ أدلةٌ في ذلك؟
ج: هذه مسألةٌ فيها خلافٌ بين أهلِ العلمِ، في أخذِ الأجرةِ على تعليمِ القرآنِ، والصحيحُ جوازُ ذلك؛ لأنَّه ليسَ لعبادةٍ محضةٍ، فيها جهدٌ وفيها ارتباطٌ وفيها تلقينٌ وجهدٌ، وليستْ كالتلاوةِ، التلاوةُ عبادةٌ محضةٌ فلا يجوزُ أخذُ الأجرةِ على التلاوةِ، أمَّا التعليمُ فالصحيحُ جوازُه، كيف وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ للذي خطبَ الواهبةَ: (مَلّكتك بما معكَ من القرآنِ)، أن يُعلّمها بما معه من سورِ القرآنِ، لكن من علَّمَ محتسبًا ثمَّ أهديَ إليه فنرجو أنَّه لا يضرُّهُ، لأنَّه لم يقصدْهُ في تعليمِه، أمَّا من علَّمَ بأُجرةٍ فلا ريبَ عندها أن ينقصَ من أجرِه، بل لعله لا أجرَ له إذا لم تكن لديه النيّةُ في التعليمِ نيّة العبادةِ، وإنَّما علَّمَ لمحضِ أخذِ الأجرةِ، لكن من علّمَ مُحتسبًا قولَه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (خيرُكم من تَعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَه)، ثمَّ أُهديَ إليه شيءٌ فلعلَّ هذا لا ينقصُ من أجرِهِ لأنَّه لم يقصدْهُ.
………………………………….
س7: ما حكمُ إقامةِ الجمعةِ للمساجينَ إذا كانوا مجموعةً كعشرةِ أشخاصٍ مثلًا؟
ج: واللهِ هذه مسألةٌ ما تحرَّرَ فيها عندي كلامٌ، ولا بدَّ أنَّ السجناءَ عندَهم فتاوى.
………………………………….
س8: ما حكمُ السهرِ في ليالي رمضانَ، والنومِ في بعضِ ساعاتِ النهارِ؟
ج: هذا خلافُ ما ينبغي، إذا لم يتركْ واجبًا فلا إثمَ عليه، وتذهبُ عنه فضائلُ، ثمَّ إنَّه يسهرُ على ماذا؟ هذا ينبني على ما يسهرُ به، ويشتغلُ به في سهرِهِ، وما يفوتُه في نومِه، فقد يكونُ آثمًا بفعلِ محرمٍ أو تركِ واجبٍ، وقد لا يكونُ، ولكن تفوتُه فضائل بشغلِ هذا الوقتِ عن فعلِ ما هو صالحٌ من تلاوةٍ للقرآنِ أو التعبدِ في الصلاةِ، أمَّا حالُ من ينامُ في النهارِ ويؤخّرُ الصلواتِ ويجمعُها؛ الظهر مع العصرِ وقد لا يُصلّيها إلَّا قُبيلَ المغربِ؛ فهؤلاءِ والعياذُ باللهِ عُصاةٌ، وعليهم خطرٌ ممّا هو أعظمُ من ذلك.
………………………………….
س9: ما حكمُ قولِ: باركَ اللهُ في جَمعتِكم أو نحوه من التهاني؟
ج: إذا جاءتْ عرضيةُ الأمرُ سهلٌ، أمَّا أن تكونَ ديدنًا وتُكرَّرُ وتكثرُ فإنَّها تصيرُ بدعةً، وتكرارُها غلطٌ، وهذه من استحساناتِ بعضِ أهلِ الخيرِ، المحبّين للخيرِ، وليس كلُّ قاصدٍ للخيرِ يُصبْه، والبدعُ أصلُها الاستحسانُ.
………………………………….
س10: هل عمَّتي من الرضاعةِ تكونُ محرمةً عليَّ، وأكونُ محرمًا لها فيجوزُ أن أكشفَ عليها؟
ج: تكشفُ هي عليك، وعمَّتكَ من الرضاعةِ كعمّتِك من النَّسبِ، يعني أختُ أبيكَ من الرضاعةِ، وأختُ أبيكِ من الرضاعةِ كأختِ أبيكَ من النّسبِ، يعني أنتَ محرمٌ لها.          
              
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله