الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب زاد المستقنع/كتاب الزكاة من زاد المستقنع/كتاب الزكاة (7) “باب زكاة النقدين” قوله ويباح للذكر من الفضة الخاتم

كتاب الزكاة (7) “باب زكاة النقدين” قوله ويباح للذكر من الفضة الخاتم

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب الزكاة)
– الدّرس السّابع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلّمَ على نبيّنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، أمّا بعد:
قال المصنّفُ رحمهُ اللهُ تعالى في تتمّةِ كلامِه في بابِ زكاةِ النّقدين:
(ويُباحُ للذَّكَرِ مِنَ الفضةِ: الخَاتمُ، وقَبيعةُ السّيفِ، وحِلْيةُ المِنْطَقَةِ، ونحوهِ)

– الشيخ: هذه المسألةُ ليست من مسائلِ الزكاةِ كما لا يخفى بل جاءت استطرادًا. هذه المسألةُ تتعلّقُ بالّلباسِ لكن لما كان يتعلَّقُ بهذا النّوعِ هل في الحُليِّ زكاةٌ أو ليسَ فيه زكاةٌ ذكروها، فذكروا مسألةَ اللباسِ أي لباسِ الذَّهبِ والفضّةِ للرّجالِ والنّساءِ وما يُباحُ وما لا يُباحُ. يُباحُ للذَّكرِ من الفضةِ الخاتمُ، وقبيعةُ السيفِ، وحليةُ المِنْطَقَةِ، وغيرُ ذلك.
فالفضةُ بالنّسبةِ للرجالِ الأمرُ فيها واسعٌ، فقد ثبتَ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- اتّخذَ خاتمًا من وَرِقٍ وهو الفضةُ، ثمَّ كان عند أبي بكرٍ بعدَ وفاةِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومن ثمَّ عند عمرَ وعثمانَ، ويقالُ أنَّه بعدها سقطَ في بئرِ أريسٍ. والمقصودُ من هذا أنَّه يبُاحُ للرِّجالِ لبسُ الفضةِ.
وقد جاءَ في الحديثِ: "وأمَّا الفضةَ فالعبوا بِها لَعِبًا" يعني البسوها كما شئتمْ بلا قيدٍ ولا حدٍ، ما لم يحصلْ ما يقتضي المنعَ من جهةٍ أخرى، فالتَّشبُّهُ بالنساءِ أو التّشبُّهُ بالكفارِ، فإذا تضمّنَ لباسُ الفضةِ التشبُّهَ بالنساءِ كلبسِ القِلادةِ مثلًا أو التشبّهَ بالكفّارِ فإنَّه يحرمُ لهذا المُقتضي لا لأنّها فضةٌ.
وما ذُكِرَ هنا ممّا يُباحُ للرجالِ من الفضةِ ما هو إلّا أمثلةٌ لكنَّ الأمرَ فيها واسعٌ، فلهُ أنْ يتّخذَ ساعةً من فضّةٍ وهي كالخاتمِ، أو أزرارًا. والمِنْطَقَةُ: شرحَها الشيخُ عندكم، هي ما يُشدُّ بها الوسطُ، أي المحزمُ.

– القارئ: (ومِنَ الذهبِ: قَبيعةُ السيفِ، وما دعتْ إليه ضرورةٌ كأنفٍ ونحوِهِ)
– الشيخ: 
الأصلُ في الفضّةِ بالنّسبةِ للرّجالِ الإباحةُ، والأصلُ في الذّهبِ التّحريمُ. وتعبيرُه بالذَّكرِ يَعُمُّ الصّغيرَ والكبيرَ، لأنَّ كلمةَ ذَكَرٍ تشملُ الصّغيرَ والكبيرَ، فيباحُ من الذّهبِ للرّجالِ قبيعةُ السيفِ، وما دعتْ إليه ضرورةٌ ومثّلوا لهذا بالأنفِ، لِمَا وردَ أنَّ أحدَ الصّحابةِ أُصيبَ في أنفِه فاتّخذَ أنفًا من فضّةٍ فأنتنَ عليه فرخّصَ له النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أن يتّخذَ أنفًا من ذهبٍ.
وعلى هذا ما إنْ وجدَ ما يغني عن الذهبِ كما هو الآن، فالطبُّ تطوّرَ الآنَ فإنَّه يجرى له عمليةٌ ويُزرعُ له أنفٌ إمَّا من بدنِه يعني يقتطعُ من بدنِه، وإلّا من مادّةٍ أخرى أجنبيةٍ وتكونُ جيدةً وتؤدّي الغرضَ كالذهبِ، بل أعظمَ من الذّهبِ، فوجودُ الذّهبِ بمكانِ أنفِ الإنسانِ حتى وإن كان ذهبًا لكن يبقى فيه شيءٌ من النَّشازِ، فالآنَ ليست هناك ضرورةٌ لذلك بأنْ يُجعَلَ له أنفٌ من ذهبٍ، ولماذا قلنا: "ضرورةٌ"؟ لأنَّ الأصلَ هو تحريمُ الذّهبِ على الرّجالِ، فلا يُباحُ منه إلّا ما تدعو إليه الضّرورةُ.

– القارئ: (ويُباحُ للنّساءِ من الذّهبِ والفضّةِ ما جرتْ عادتُهنَّ بِلُبْسِه ولو كَثُرَ)
– الشيخ: 
أي أنَّه يباحُ لهنَّ لبسُ الذّهبِ والفضّةِ بما جرت العادةُ بلبسهنَّ، ومفهومُ هذا أنّ الخروجَ عن العادةِ فيه شُهرةٌ، وقد جاءَ النَّهيُ عن لبسِ الشُهرةِ، فلعلَّ هذا هو مأخذُ أو ربطُ أو ضبطُ الموضوعِ بالعادةِ. فتلبسُ من القراطِ والخواتيمِ والخلاخلِ وكلِّ ما تيسّرَ لها، وكلُّ هذا منضبطٌ في عدمِ الخروجِ عن المعتادِ الذي يُوجِبُ الشّهرةَ، قال: "ولو كَثُرَ" ففي قولِه: "كَثُرِ" إشارةٌ إلى الخلافِ وأنَّه إذا كَثُرَ فإنَّه يُنهى عنه لما في ذلك من الإسرافِ، فما دامَ أنَّه أمرٌ مُعتَادٌ فإنَّه يباحُ.
والقولُ الثَّاني: أنَّه إذا كان فيه إسرافٌ وكثرةٌ ومبالغةٌ بحيث إذا نُظرَ إليه قيلَ عنه إسرافٌ، والشّريعةُ قائمةٌ على الاعتدالِ والتوسّطِ، وهذا مطلبٌ للرجالِ وللنساءِ في اللباسِ وغيرِه كالحُليِّ بالنّسبةِ للنساءِ. إذًا على المذهبِ أنَّه وإنْ كَثُرَ ما دامَ أنَّه مُعتَادٌ، والقولُ الآخرُ لا يكتفي بهذا وكأنَّه قال ما جرتْ عادتهنَّ عليه ما لم يكثُر.

– القارئ: (ولا زكاةَ في حُلِيِّهِمَا المعدِّ للاستعمالِ أو العاريةِ، وإنْ أُعِدَّ للكِرَى أو النفقةِ أو كانَ مُحَرمًا ففيه الزكاةُ)
– الشيخ: 
"ولا زكاةَ في حُليّهما": أي الذَّهبِ والفضّةِ في حقِّ الرّجالِ والنّساءِ. وهذه مسألةٌ عظيمةٌ وكبيرةٌ، وقد اختلفَ فيها أهلُ العلمِ، ويمكن أن يقالَ أنَّ الجمهورَ على هذا الرأيِ وهو عدمُ الزكاةِ في حُليِّ الرجالِ والنساءِ، والذين قالوا بذلك مُستندُهم ما جاءَ عن جمعٍ من الصّحابةِ رضي اللهُ عنهم وفيه أنَّهم لا يروَن الزكاةَ في الحُليِّ كعائشةَ وأسماءَ وغيرِهم من الصحابةِ كجابرٍ وهذا أقوى ما يستدلونَ به، وأمَّا حديثُ: "ليس في الحُليِّ زكاةٌ" فقد ضعّفه أهلُ العلمِ، وإلَّا فهو الفيصلُ: "ليس في الحُليِّ زكاةٌ" لو صحَّ لكانَ حاسِمًا للموضوعِ لكنّه ضعيفٌ، وقالوا: قياسًا على سائرِ حاجاتِ الإنسانِ التي يتّخذُها للقُنيةِ.
والقولُ الآخرُ أنَّه فيه الزكاةُ، يعني فيما بلغَ منه نصابًا، يعني نصابَ الذّهبِ ونصابَ الفضةِ، ودليلُهم في المسألةِ عمومُ الحديثِ المتّفقِ على صحّته: "ما من صاحبِ ذهبٍ أو فضةٍ لا يؤدّي زكاتَه إلّا صُفّحتْ له يومَ القيامةِ صفائحَ من نارٍ، فيُكوى بها جبينُه وجنبُه وظهرُه" على حدِّ ما جاءَ في الآيةِ: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35]
فالآيةُ والحديثُ فيهما عمومٌ؛ الذّهبُ والفضّةُ، فلا يَخرجُ من هذا العمومِ إلّا بدليلٍ، والأصلُ بقاءُ العامِّ على عمومِه إلّا أنْ يخصّه دليلٌ صحيحٌ، وعَضَدَوا هذا الاستدلالَ بهذا العمومِ بما وردَ في الأحاديثِ، وهي أحاديثٌ مُتكلَّمٌ فيها، لكنّهم اعتضدوا بها لموافقتِها للعمومِ، لأنّها موافِقةٌ لعمومِ الكتابِ والسنةِ، ومنها حديث عَمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّهِ في قصّةِ المرأةِ التي حضرتْ عند الرّسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومعها ابنةٌ لها وفي يدي ابنتِها مَسكتانِ غليظتان.
وأجابوا عن الحديثِ بأنَّ فيه ضعفًا وهو حديث: "ليس في الحُلِيِّ زكاةٌ" وأمّا ما جاءَ عن الصّحابةِ فيقولون: لا قولَ لأحدٍ مع قولِ الرّسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ومعناهُ أنَّه يُؤخَذُ من أقوالِهم ما لم يُخالفْ نصًا من كتابِ اللهِ أو سنةٍ، فلا يُخصُّ الكتابُ والسنّةُ بقولِ صحابيٍّ، ولو كان إجماعًا لتوجّه قولُهم، لكنَّ الذي يظهرُ أنَّه ليس بإجماعِ الصحابة، يعني القول بعدمِ وجوب الزكاةِ في الحُليِّ، فلو كان إجماعًا لقلنا إنَّ الإجماعَ دليلٌ. والإجماعُ لا يُخصُ به العمومُ بذاتِه، لكنَّ الإجماعَ دليلُ وجودِ مُخصّصٍ، لأنَّه لا يجوزُ أنْ يُجمِعَ الصحابةُ بل لا يجوزُ للأمةِ أن تُجمِعَ على خلافِ نصٍّ، فإذا وُجِدَ الإجماعُ دلَّ ذلك على وجودِ مُخصّصٍ وإنْ لم نعلمْ به.
والشيخُ محمدُ رحمهُ اللهُ معروفٌ مذهبُه في هذا، وقد تكلَّمَ عن هذهِ المسألةِ وألّفَّ فيها رسالةً وشرحَ الموضوعَ، وخلاصةُ الموضوعِ في المسألةِ، وسبقهُ إلى هذا شيخُنا عبدُ العزيزِ بن بازٍ، ولعلّه هو أوّلُ من أظهرَ هذا الرأيَ وقال به، ومعلومٌ عن منهجِ الشيخِ عبدِ العزيزِ بن بازٍ أنَّه يُعوّلُ على الأدلَّةِ، ولا يلتزمُ بمذهبٍ وإن كانت مدرستُه حنبليّةٌ، ودرسَ على علماء يلتزمونَ في الغالبِ مذهبَ الإمامِ أحمدَ وإن كانوا يختارون ويُرجّحون ولا يتعصّبون رحمهم اللهُ تعالى، لكنَّ الشيخَ عبدَ العزيزِ رحمهُ اللهُ اختصَّ بهذهِ المسألةِ ومسائلَ أخرى كمسائلِ طلاقِ الثّلاثِ، وقد اعترفَ له علماءُ هذا البلدِ بأنّه مجتهدٌ رحمهُ اللهُ.
فيظهرُ من مُجملِ استدلالاتِ الطّرفينِ أنَّ القولَ بوجوبِ الزكاةِ قولٌ قويٌّ، فكما قلتُ: لو كان الحديثُ وهو حديثُ: "ليس في الحليِّ زكاةٌ" هذا هو أصلحُ ما عندَ القومِ، فإذا كان ضعيفًا فقد فقدوا الدّليلَ في مسألتِهم، ولم يبقَ إلّا قولُ من ذُكرَ من الصّحابةِ. ويقولُ القائلون بعدمِ الوجوبِ: إلّا أن يكونَ الحُليُّ مُعدًّا للباسِ ولو لم يُلبس هذا هو مقصودُهم، يعني ليس لُبسُ الحُليِّ هو الشرطُ في إسقاطِ الزكاةِ عندهم، بل الشأنُ أنَّه مُعَدٌّ للباسِ لُبِسَ أم لم يُلبَس، أو العاريةِ فإنّها أيضًا لباسٌ، لأنَّه من الناسِ من يتملَّكُ ذهبًا من أجلِ أن يُعيرَه، وهذا عملٌ صالحٌ لأنَّه إعانةٌ على أمرٍ مباحٍ يحتاجُ إليه الناسُ في بعضِ الأحوالِ. قالوا: أمَّا إذا أُعِدَّ للنّفقةِ، يعني يقتني بعضُ النّاسِ الذّهبَ من أجلِ أنْ يأخذَ منه عند الحاجةِ للنّفقةِ يبيعُ ويشتري، فبعضُ النّاسِ يقتني بعضَ السِّلَعِ من أجلِ هذه الغاياتِ إذا احتاجَ باعَ منه، أمّا إذا أُعِدَّ للكِراءِ فهذا خلافُ العاريةِ وهذا أيضًا يوفّرُ للنَّاسِ حاجَتهم، نفسُ الذين يتّجرونَ ويُوفّرونَ للنّاسِ السلعَ للبيعِ أو الأجرةِ إذا احتسبوا فإنَّهم يُؤجَرون على ذلك لأنَّهم يُيسّرونَ بتوفيرِ هذهِ السِّلعِ وحاجياتِ الناسِ. الذي يحتسبُ وتكونُ له نيّةٌ في توفيرِ حاجياتِ الناسِ من المطاعمِ والمشاربِ والملابسِ يُؤجَرُ على ذلك ولو كان يكتسبُ وينالُ من ذلك أرباحًا ومكاسبًا ماليةً. فإذا أُعِدَّ للكِرى أو النّفقةِ أو كان محرَّمًا مثلَ الذّهبِ للرّجالِ فهذا مُحرَّمٌ: ففيه الزكاةُ، أو كما تقدّمَ: إذا كان ذهبًا كثيرًا وفيه إسرافٌ كما في حُليِّ المرأةِ قالوا: ففيهِ الزّكاةُ، لأنَّ الرخصةَ لا تُجامعُ التّحريمَ، فالمحرَّمُ ليس محلًا للتّرخيصِ، فإذا كان هذا الحُليُّ محرَّمًا فهو ليس محلًا للرّخصةِ بل تجبُ فيه الزكاةُ.
– مداخلة: ما هو الذي ترجّحهُ أنت فضيلةَ الشيخِ؟
– الشيخ: أنا أُرشِدُ إلى الزكاةِ، لكن ليس عندي الجزمُ بالوجوبِ، فأنا أذكرُ للسائلِ الخلافَ وأقولُ ينبغي أن تزكّيَ، فقط.
– مداخلة: اقتنتْ الحُليَّ للاستعمالِ ثمَّ اشترت غيرَه وتركتِ القديمَ وعَرَضَتْ عنه؟
– الشيخ: عندي أنَّه على الأصلِ، ويبقى على نيّتها، إذا كانت اقتنته للبسِ والاستعمالِ، ولكنْ استغنتْ عنه بنظيرِه فهو باقٍ على الأصلِ، إلّا أن تتحوَّلَ نيّتُها.
– مداخلة: الذهبُ المُحلَّقُ؟
– الشيخ: الذهبُ المُحلّقُ القولُ فيه ضعيفٌ وشاذٌ، والأحاديثُ فيه تخالفُ الأحاديثَ الصّحيحةَ، ولم يقلْ به إلّا قلّةٌ من العلماءِ، فالقولُ بتحريمهِ يمكنُ أنْ يوصَفَ بالشّذوذِ.

القارئ يقرأ من الشرح الممتع:
وَلاَ زَكَاةَ فِي حُلَيِّهِمَا المُعَدِّ لِلاسْتِعْمَالِ، أَوِ العَارِيَةِ …
قولُه: «ولا زكاةَ في حليّهما المعدِّ للاستعمالِ، أو العاريةِ». «حُليّهما» أي: حُلي «الذّكرِ والأنثى" ولكن لا بدَّ من قيدٍ وهو الإباحةُ؛ لأنَّ المؤلّفَ قال في آخرِ الكلامِ: «أو كان محرّمًا ففيه الزكاةُ».
فتسقطُ زكاةُ الحليِّ بشرطين: أولًا: أن يكونَ مباحًا. ثانيًا: أن يكونَ معدًّا للاستعمالِ، أو العاريةِ، سواءٌ استُعملَ وأُعيرَ، أو لم يستعملْ ولم يُعَرْ.
أمَّا الشّرطُ الأوّلُ وهو الإباحة؛ فلأنَّ سقوطَ الزكاةِ عن الحليِّ من بابِ الرّخصةِ، ومستعملُ المحرَّمِ ليس أهلًا للرّخصةِ. مثالُه: لو اتّخذَ الرّجلُ خاتمًا من ذهبٍ لوجَبَتْ عليه الزكاةُ في هذا الخاتمِ إذا بلغَ النّصابَ، أو كان عنده ما يكملُ به النّصابَ؛ لأنَّه محرَّمٌ. أو اتخذت امرأةٌ حُليًّا على شكلِ ثعبان أو شكلِ فراشةٍ أو ما أشبه ذلك من صورِ ذواتِ الأرواحِ، فإنَّ عليها فيه الزكاةُ؛ لأنَّه محرَّمٌ؛ إذ يحرمُ على الإنسانِ ما فيه صورةُ حيوانٍ، أو ما صنعَ على صورةِ حيوانٍ.
وأمَّا الشّرطُ الثاني: وهو كونُه مُعدًّا للاستعمالِ أو العاريةِ، أي: للاستعمالِ الشخصيِّ أو العارية؛ وهي بذلُ العينِ لمن ينتفعُ بها ويردُّها، وهي إحسانٌ محضٌ.
ويخرجُ بهذا التّعريفِ الإجارةُ، والرّهنُ، وما أشبهَ ذلك، ولهذا نقول: إنَّ المستعيرَ لا يملكُ أنْ يُعيرَ غيرَه، والمستأجرُ يملكُ أن يؤجِّرَ غيره بشروطٍ معروفةٍ عند العلماءِ؛ لأنَّ المستعيَر مالكٌ للانتفاعِ، والمستأجرُ مالكٌ للمنفعةِ.

– الشيخ: هذه نكتةٌ لطيفةٌ، ينبغي الوقوفُ معها ومعرفةُ الفرقِ، فالمستعيرُ لا يملكُ المنفعةَ لأنَّه لو ملَكَها جازَ له أن يبيعَها بطريقةِ الإجارةِ، لكن لا، هو يملكُ الانتفاعَ، يجوزُ له أن ينتفعَ لكن لا يجوزُ له أن يُعيرَ غيرَه أو يبيعَ أو يؤجّرَها، لأنَّ المُعيرَ إنَّما ملّكه الانتفاعَ، أذنَ له أنْ ينتفعَ، ومثالُه واحدٌ أعارَ شخصًا بيتًا ليسكنَه مدّةَ سنةٍ مثلًا، فليس له أن يؤجّرَه، وإذا استغنى عنه يردُّه فهو يملكُ الانتفاعَ ولا يملكُ المنفعةَ.

– القارئ: فمالكُ المنفعةِ يتصرَّفُ فيها، ومالكً الانتفاع ِلا يتصرَّفُ. فالمعدُّ للاستعمالِ، أو العاريةِ ليس فيه زكاةٌ.
واستدلّوا بما يلي:
1 ـ أنَّه يُروَى عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه قال: «ليس في الحليِّ زكاةٌ»
2 ـ قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- للنّساءِ يومَ العيدِ: «تصدّقنَ ولو من حليّكنَّ».
– الشيخ: ولو من حليّكنَّ، كأنَّها تشعرُ بأنَّ الحُليَّ لا زكاةَ فيه.
– القارئ: 
3 ـ أنَّه قولُ أنسٍ، وجابرٍ، وابنِ عمرَ، وعائشةَ، وأسماءَ، خمسةٌ من الصّحابةِ رضي اللهُ عنهم.
4 ـ أنَّ هذا الحليَّ مُعَدٌّ لحاجةِ الإنسانِ الخاصّةِ، ولقد قالَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: «ليس على المسلمِ في عبدِه ولا فرسِهِ صدقةٌ»، وهذا مثلُ العبدِ، والفرسِ، والثّيابِ، وهي لا زكاةَ فيها.
5 ـ أنَّ هذا الحليَّ ليس مُرصَدًا للنّماءِ فلا تجبُ فيه الزكاةُ كالثوبِ والعباءةِ.
وهذا القولُ ذهبَ إليه الإمامُ أحمدُ، ومالكٌ، والشافعيُّ ـ رحمهم الله ـ على خلافٍ بينهم في بعضِ المسائلِ، لكن في الجملةِ اتّفقوا على عدمِ وجوبِ الزكاةِ في الحليِّ المعدِّ للاستعمالِ أو العاريةِ.
القولُ الثّاني: وهو روايةٌ عن الإمامِ أحمدَ، ومذهبُ أبي حنيفةَ: أنَّ الزكاةَ واجبةٌ في الحليِّ من الذهبِ والفضةِ، واستدلّوا بما يلي:
1 ـ ما رواهُ أبو هريرةَ عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّه قال:
«ما من صاحبِ ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدّي منها حقّها، إلّا إذا كان يوُم القيامةِ صُفّحَت له صفائحَ من نارٍ، وأُحميَ عليها في نارِ جهنَّمَ، فيُكوى بها جنبُه وجبينُه وظهرُه، كلَّما بردتْ أعيدتْ في يومٍ كان مقدارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقضَى بين العبادِ، ثمَّ يُرَى سبيلَه إمّا إلى الجنةِ وإمّا إلى النّارِ» وهذا عامٌّ، والمرأةُ التي عندها حُلِيٌّ، سواءٌ أكانَ حُليَّ فضةٍ أو ذهبٍ، صاحبةُ ذهبٍ أو فضةٍ، وهذا العمومُ يشملُ الحليَّ وغيرَ الحليَّ، ومن قال: إنَّ الحليَّ خارجٌ منه فعليه الدّليلُ.
2 ـ ما رواهُ أهلُ السننِ عن عمرو بنِ شُعيبٍ عن أبيه عن جدّهِ:
«أنَّ امرأةً أتت إلى رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ومعها ابنةٌ لها، وفي يدِ ابنتِها مسكتانِ غليظتانِ من ذهبٍ، فقال: أتؤدّينَ زكاةَ هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرُّكِ أنْ يُسَوّركِ اللهُ بهما سوارينِ من نارٍ؟ فخلعتْهما وألقتْهما إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-" ومن أعلَّ روايةَ عمرو بن شعيبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ بالانقطاعِ فهو مخطئٌ، فالأئمةُ كأحمدَ والبخاريِّ ويحيى بن معينٍ يحتجّونَ به، حتى إنَّ بعضَ المحدّثينَ قال: إذا صحَّ السندُ إلى عمرو بن شعيبٍ عن أبيهِ عن جدِّهِ، فهو كمالكٍ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ، لكن هذا مبالغةٌ.
وهذا الحديثُ له شاهدٌ في الصّحيحِ، وهو ما ذكرناه أولًا، وله شاهدٌ أيضًا في غيرِ الصّحيحِ من حديثِ عائشةَ وأمِّ سلمةَ رضي الله عنهما.
3 ـ حديثُ عائشةَ رضي اللهُ عنها..

– مداخلة: هل الفتختانِ تبلغُ النِّصابَ؟
– الشيخ: بعيدٌ بلوغُها النّصابَ، وهذا من الإشكالاتِ التي تَرِدُ، وليس هناك إلّا العموم، أبلغُ شيءٍ العمومُ في الآيةِ والحديثِ فقط.
– القارئ:
4 ـ حديثُ أمِّ سلمةَ رضي اللهُ عنها

– الشيخ: هذا الذي فيه إشارةٌ للنّصابِ.
– القارئ: ولا شكَّ أنَّ هذه الأدلّةَ أقوى مِنْ أدلّةِ مَنْ قال بعدمِ الوجوبِ. فإن قال قائلٌ: بماذا نجيبُ عن أدلّةِ القائلينَ بعدمِ الوجوبِ؟
– الشيخ: 
أقولُ: المسألةُ عظيمةٌ، وإذا وازنتَ بين الأدلَّةِ نجدُ، لكن بقي عندنا من قال من الصَّحابةِ بعدمِ الوجوبِ.
– القارئ: ذكرَ الشيخُ البليهيِّ في "السلسبيل": وقال بوجوبِها عمرُ وابنُ مسعودٍ وابنُ عباسٍ وعبدُ اللهِ بن عمر، وهو قولُ أبي حنيفةَ وكثيرٍ من علماءِ السّلفِ والخلفِ.
– الشيخ: أقولُ: خمسةٌ بخمسةٍ، سبحانَ الحكيمِ العليمِ! ومع ذلك تبقى المسألةُ خلافيةً ومحلَّ اجتهادٍ، ولا يُعنَّفُ على من ترجَّحَ عنده أحدُ القولين، ولا يتعصّبُ لرأيٍ أو مذهبٍ، يجبُ العدلُ وتحرّي الحقَّ، ونسألُ اللهَ أن يهدينا لِمَا اختُلفِ فيه من الحقِّ بإذنِه، وكما ذكرتُ لكم إنَّي أمامَ هذا الاختلافِ لم أجدْ في نفسي قوَّةَ الجزمِ بالوجوبِ بحيث نقولُ للسَّائلِ أنّها واجبةٌ، وإذا لم تزكّي فأنتَ آثمٌ ونعطيهِ حكمَ مانعِ الزّكاةِ.

– القارئ: قال الشيخُ البليهيُّ: تنبيهٌ: المفهومُ من كلامِ تقيِّ الدّينِ وابنِ القيّمِ أنَّ الزكاةَ لا تجبُ في الحُليِّ، وعلى كلِّ حالٍ العملُ بالأحوطِ أحوطُ وأسلمُ للعاقبةِ، كيف وقد قال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "ما نقصَ مال صدقة بل تَزدْهُ بل تزدهُ" وقوله: "دعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ" واللهُ أعلمُ بالصّوابِ.
– الشيخ: 
النّاسُ على مذهبِ علمائِهم، لذلك في هذهِ البلادِ ما كانت تعرفُ النساءُ ولا يعرفُ أحدٌ وجوبَ الزكاةِ، لكنْ بعدَ أن اشتهرَ رأيُ الشيخِ صارَ كثيرٌ من النّساءِ تزكّي وتسألُ عن وجوبِ الزكاةِ، وكذلك نرغّبُ الأزواجَ بأن يُعينوا نسائَهم على أداءِ زكاةِ حُليّهنَّ، والحمدُ لله وجزاهم اللهُ خيرًا.
– مداخلة:
– الشيخ: ليس هناك شكُّ، الفضةُ أمرُها واسعٌ.
 


الأسئلة:
س1: ما حكمُ اتخاذِ سلاحٍ من ذهبٍ كالرّشّاشِ مثلًا، فقد انتشرَ بين بعضِ النّاسِ إهداءُ بعضِهم رشّاشًا من ذهبٍ؟
ج: ظاهرُ كلامِ العلماءِ أنّه لا يجوزُ لأنَّ فيه إسرافًا.
………………………………..
س2: من اشترى ذهبًا لحفظِ مالِه، وجعلَ زوجتَه تلبَسُه، ومتى احتاجَ للمالِ باعَه، فهل عليه زكاةٌ؟
ج: هذا هو المُعدُّ للنّفقةِ.
………………………………..
س3: أشتري بضاعةً من الشركاتِ بالأجلِ أو الكاشِ، فإذا انتهى تاريخُ البضاعةِ تستبدلُهُ الشَّركةُ إمَّا بنفسِ الصنفِ أو آخرَ؟
ج: هذه المعاملةُ جائزةٌ، إن كان يسألُ عن جوازِها فهي جائزةٌ.
………………………………..
س4: الخلطُ اليسيرُ في الذّهبِ هل يؤثّرُ من جهةِ الزكاةِ؟
ج: أرجو أنَّه لا يؤثّرُ، مثلُ النّقودِ الآنَ يقولُ فيها قدرٌ يسيرٌ من غيرِ الذهبِ من معدنٍ آخرَ، فالظّاهرُ أنَّ اليسيرَ يأخذُ حكمَ الأغلبِ والكثيرِ.
………………………………..
س5: هل يُضمُّ الذّهبُ إلى الفضةِ في تكميلِ النّصابِ؟
ج: عند الحنابلةِ نعم يُضمُّ، والأظهرُ أنَّه لا يُضَمُّ لأنّهما جِنسانِ مُتغايران.
………………………………..
س6: شخصٌ لديه ثلثَ نصابٍ من الفضةِ، وثلثَ نصابٍ من الذّهبِ، وعروضًا، إن اعتبره بالفضةِ بلغَ ثلثَ نصابٍ، وإن اعتبرَهُ بالذّهبِ لم يبلغْ ثلثَ نصابٍ، فهل يعتبرُ قيمتَه بالذّهبِ، أو يعتبرُ قيمتَه بالفضةِ؟
ج: يقولُ الفقهاءُ يعتبرُهُ بالأحظِّ للفقراءِ، فيعتبرُه بما يحصلُ به تكميلُ النّصابِ.
………………………………..
س7: ما حكمُ استعمالِ الذّهبِ في الجسورِ السنيّةِ؟ وهل يدخلُ في بابِ الضّرورةِ وهناك بورسلان وغيره؟
ج: إذا كان لا تندفعُ به الضّرورةُ إلّا بالذّهبِ أُبيحَ، أمّا إن كان يمكنُ بغيرِ الذّهبِ، فالأصلُ أنَّ القاعدةَ: لا يباحُ الذّهبُ للرجلِ إلّا في حالِ الضرورةِ، والآنَ تيسّرتِ الوسائلُ من أضراسٍ وغيرِها، وهي جيّدةٌ ويحصلُ بها المقصودُ وتندفعُ بها الضّرورةُ.
………………………………..
س8: ما حكمُ استعمالِ الهاتفِ المذهّبِ أطرافُه؟ منهم من يقولُ أنَّه مَطْليٌّ بماءِ الذّهبِ، ومنهم من يقولُ أنَّه من الذّهبِ نفسِه؟
ج: تحتاجُ إلى تأمّلٍ، لا أدري.  

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله