الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة القصص/(13) من قوله تعالى {إن قارون كان من قوم موسى} الآية 76 إلى قوله تعالى {قال إنما أوتيته على علم عندي} الآية 78
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(13) من قوله تعالى {إن قارون كان من قوم موسى} الآية 76 إلى قوله تعالى {قال إنما أوتيته على علم عندي} الآية 78

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة القصص

الدَّرس: الثَّالث عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ.

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:76-78]

– الشيخ : إلى هُنا

– القارئ : عفا اللهُ عنكَ

– الشيخ : سبحانَ اللهِ، الحمدُ للهِ، هذا خبرٌ عن طاغيةٍ من طواغي البشرِ من طغاةِ البشرِ، مغرورٌ بالثراءِ وهو قارون، واللهُ قد بيَّنَ حالَهُ، فقارون من بني إسرائيلَ من قومِ موسى، {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى}، ولكنَّهُ على منهجِ فرعونَ وهامانَ، فاللهُ قرنَ بينَ هؤلاءِ الثلاث في غيرِ موضعٍ مِن القرآن، ﴿وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ [العنكبوت:39]

قرنَ بينَ قارونَ وفرعونَ وهامانَ.

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ}، يعني تكبَّرَ وطغى وظلمَ، {فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ}، الغالبُ أنَّها تكونُ من الذهبِ والفضَّةِ واللهُ أعلمُ، {وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ}، مفاتحَ الخزائنِ خزائنِ هذه الكنوزِ، {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}، يعني من كثرةِ هذهِ الخزائنِ المفاتيح، العصبةُ من الرجالِ تنوءُ بهم، ولا يحملونها بيسرٍ بل إذا حملوها يحملونها بعناءٍ ومشقةٍ، هذا يدلُّ على الكثرةِ، كثرةُ المفاتيحِ وكثرةُ المفاتيحِ تدلُّ على كثرةِ الخزائنِ، وكثرةُ الخزائنِ تدلُّ على كثرةِ الأموالِ، إذاً هو من الأثرياءِ من. وأكثرُ الخلقِ يقيسونَ الإنسانَ بالمالِ، لأنَّ هذا المالَ يعني محبوبٌ للنفوسِ، ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر:20]

فمن أجلِ ذلك يعظِّمون، الناسُ يعظِّمون الغنيَّ والثريَّ الكبير، يعظِّمونه وإن كانوا لعلهم لا ينتفعون بماله، لو كان يتبرَّع ويحسن لأحبوه [….] لكنَّهم العجب أنَّهم يعجبون به ويعظِّمونه وهو لا ينفعهم بشيءٍ.

{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ}، قومه من بني إسرائيل نصحوه نصحوه، ولكن كما قالَ اللهُ في قومِ ثمودَ: ﴿وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف:79]

{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}، والفرحُ فرحان: فرحُ سرورٍ لحصولِ المحبوبِ، سرورٌ وهذا أمرٌ جميلٌ للإنسان أن يفرحَ بالشيء الَّذي يلائمه، يفرحُ إذا حصل له الولد إذا حصل له ربحٌ في تجارةٍ يفرح، وأفضلُ الفرح الفرح بفضلِ الله ورحمته، ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ [يونس:58]

هذا هو الفرح الحقّ، الفرحُ بما يحبُّه الله، الفرحُ بما يحبُّه الله.

{لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ}، يعني اطلبْ بما أعطاك الله من المال الدارَ الآخرة، بأنْ تنفقَ هذا المال في وجوهِ الخير، اطلبْ الآخرةَ، اطلب بما أعطاك الله من المال، اطلب الدار الآخرة، وقليلٌ ما هم، {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ}.

قالوا، الناصحون قالوا: {لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، بعضُهم يقولُ: {لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} يعني اطلبْ الآخرةَ وهذا لا يمنعُ من أن تطلبَ منافعَ الدنيا، وقيلَ وقيلَ: المرادُ {لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} بأن يعني تستغلَّ حياتَكَ، فإنَّ الحياةَ فرصةٌ لصلاحِ يعني لسعادةِ المستقبلِ {لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، فالدنيا في الحقيقةِ أنَّها للموفَّقين يعني نعمةٌ عظيمةٌ، فرصةٌ.

{وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ}، ما أحسنَها! نصائحُ عظيمةٌ هذه، لقد نصحوه، نصحوه ولكنَّه مستكبرٌ، {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}، والإفسادُ في الأرضِ يكونُ أعظمُه الكفرُ والشركُ، ثمَّ سائرُ المعاصي الكبائر وما بعدها، ومن ذلك ظلمُ الخلقِ والتكبُّرِ عليهم، {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.

فكانَ الردُّ أيش؟ ماذا قال؟ {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}، هذا المالُ أُوتيته لأنَّ عندي خبرةٌ بوجوهِ المكاسبِ طرق التجارة، يعني ما يعني لم يعني ليس هذا، نسبَ هذا المالَ وهذا العطاءَ إلى قوَّتِه وحوله وحيلته، {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}.

قالَ الله: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ}، ما يخافُ، ما يخاف وهو {يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ}، وتأتي بقيةُ قصَّتِهِ.

 

"تفسير السعدي"

– القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى:

{إن قارون كان من قوم موسى} الآية.

يخبر تعالى عن حالة قارون وما فعل وفعل به ونصح ووعظ، فقال: {إن قارون كان من قوم موسى} أي: من بني إسرائيل، الذين فضلوا على العالمين.

– الشيخ : يعني بني إسرائيل يعني أخبر الله وامتن عليهم بأنه فضلهم، يا بني إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم، اذكروا نعمة الله عليكم، ﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين﴾ [البقرة:47]

ولقد اخترناهم، ﴿ولقد اخترناهم على علم على العالمين﴾ [الدخان:32]

لكن مع ذلك فيهم الأشرار، فيهم أشرار وفيهم، ولهم جرائم، وإن كانوا يعني جنس هذا الشعب.

وهكذا هذه الأمة التي هي خير الأمم فيها، فيها أشرار وفيها طغاة وكفرة، ولكن يبقى الفضل ينحصر فيمن آمن واتقى، فلا ينفع فضل النسب، لا ينفع فضل النسب إذا فقد فضل الإيمان والعمل الصالح ما ينفع، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، ما ينفع أن يقول: أنا من بني إسرائيل وأنا إسرائيلي أنا جدي يعقوب، لا ما ينفع.

وهكذا من ينتسبون إلى بيت النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما يبقى لهم هذا الشرف إذا اتبعوا الرسول وتحققوا باتباعه عليه الصلاة والسلام، إيمانا واهتداء واقتداء به عليه الصلاة والسلام، أما إذا تنكبوا طريقه لا ينفعه نسبهم، هذا أبو لهب ما نفعه أنه عم النبي ولا أبو طالب مع نصرته له، وإنما ثبت شرف النسب للمؤمنين حمزة والعباس.

 

– القارئ : الذين فضلوا على العالمين، وفاقوهم في زمانهم، وامتن الله عليهم بما امتن به، فكانت حالهم مناسبة للاستقامة، ولكن قارون هذا انحرف عن سبيل قومه، فبغى عليهم وطغى بما أوتيه من الأموال العظيمة المطغية {وآتيناه من الكنوز} أي: كنوز الأموال شيئا كثيرا، {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} والعصبة، من العشرة إلى التسعة إلى السبعة، ونحو ذلك. أي: حتى أن مفاتح خزائن أمواله تثقل الجماعة القوية عن حملها

– الشيخ : أيش؟

– القارئ : هذه المفاتيح

– الشيخ : نعم

– القارئ : فما ظنك بالخزائن؟ {إذ قال له قومه} ناصحين له محذرين له عن الطغيان: {لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين}.

– الشيخ : {إذ قال له قومه} يعني بعض قومه معروف يعني، يعني معروف بالعقل أنه ما هم كلهم بني إسرائيل نصحوه، بعضهم.

– القارئ : أي: لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، وتفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن الله لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها.

{وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة} أي: قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغ بها ما عند الله، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات، وتحصيل اللذات، {ولا تنس نصيبك من الدنيا}.

– الشيخ : ما، أهل الثراء الباذخ الهائل ما ينفقون ولا في لذاتهم ولا بلذاتهم، يعني لذته بجمع المال بس، جمع المال وزيادة الملايين هذه لذته، أعوذ بالله.

– القارئ : أي لا نأمرك أن تتصدق بجميع مالك وتبقى ضائعا، بل أنفق لآخرتك، واستمتع بدنياك استمتاعا لا يثلم دينك، ولا يضر بآخرتك، {وأحسن} إلى عباد الله {كما أحسن الله إليك} بهذه الأموال، {ولا تبغ الفساد في الأرض} بالتكبر والعمل بمعاصي الله والاشتغال بالنعم عن المنعم، {إن الله لا يحب المفسدين} بل يعاقبهم على ذلك، أشد العقوبة

– الشيخ : أعوذ بالله

– القارئ : فـ {قال} قارون -رادا لنصيحتهم، كافرا بنعمة ربه-: {إنما أوتيته على علم عندي}.

أي: إنما أدركت هذه الأموال بكسبي ومعرفتي بوجوه المكاسب، وحذقي، أو على علم من الله بحالي

– الشيخ : اصبر، {إنما أوتيته على علم عندي}، الأول هو الظاهر، الوجه الأول هو الأظهر أو الصواب.

– القارئ : يعلم أني أهلا لذلك، فلم تنصحوني على ما أعطاني الله؟ قال تعالى مبينا أن عطاءه، ليس دليلا على حسن حالة المعطى فقال: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا} فما المانع من إهلاك قارون أخرى مع مضي عادتنا وسنتنا بإهلاك من هو مثله وأعظم منه، إذ فعل ما يوجب الهلاك.

{ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} بل يعاقبهم الله، ويعذبهم على ما يعلمه منهم، فهم، وإن أثبتوا لأنفسهم حالة حسنة، وشهدوا لها بالنجاة، فليس قولهم مقبولا وليس ذلك رادا عنهم من العذاب شيئا، لأن ذنوبهم غير خفية، فإنكارهم لها لا محل له، فلم يزل قارون مستمرا على عناده وبغيه، وعدم قبول نصيحة قومه، فرحا بطرا قد أعجبته نفسه، وغره ما أوتيه من الأموال.

{فخرج} ذات يوم على..

– الشيخ : إلى آخره ستأتي القصة.

– القارئ : أحسن الله إليكم.

– الشيخ : فخرج على قومه في زينته إلى آخره متواصلة، لا إله إلا الله، شوف ابن كثير على قوله: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}.