بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر
الدَّرس: العاشر
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر:41-44]
– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله.
يُخبِرُ سبحانه وتعالى عن ذلكَ الرجل المؤمِن مِن أمةٍ كافرةٍ يَقودُها طاغوتٌ مِن طواغيتِ البشرِ: فِرْعَون، إنَّ لخبرُ هذا الرجلِ لعجيبٌ! فصارَ يدعو قومَه بأنواعِ الطرقِ مِن الدعوةِ: تخويفٌ وترغيبٌ:
{وَيَا قَوْمِ} {وَيَا قَوْمِ} {وَيَا قَوْمِ} {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39،38] {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ مِن عذابِ اللهِ في الدنيا وفي الآخرةِ وأنتم تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ.
ثمَّ فَسَّرَ دعوتَهم إلى النارِ {تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ} الدعوةُ إلى الكفرِ والشركِ هي دعوةٌ إلى النارِ، قالَ الله في الـمُشركين: {أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة:221] فكلُّ مَن يدعو إلى الكفرِ والشِّركِ والمعاصي فإنه يدعو إلى النار؛ لأنه يدعو إلى أسبابِها، يدعو إلى الأسبابِ الـمُفْضِيةِ بأهلِها إلى النارِ، لا إله إلا الله.
يقول: {تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} الشِّركُ ليسَ عليهِ سلطانٌ ولا برهانٌ، بل هو مَحْضُ اتباعِ الشيطانِ والهوى والظنونِ الكاذبةِ {تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} أدعوكُم إلى عبادةِ الربِّ العظيمِ العزيزِ الغفَّارِ لِمَنْ تابَ إليهِ وأنابَ، وهو القويُّ سبحانه وتعالى الذي لا يُغْلَبُ {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ} لا إله إلا الله {تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}.
{لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} هذا الذي تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِن الكفرِ والشِّركِ ليسَ له دعوةٌ، فإنه باطلٌ، باطلٌ في الدنيا والآخرة {لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ}.
{وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} مَرَدُّ الجميعِ إلى اللهِ، كلنا راجعونَ إليه {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} الـمُسْرِفونَ هم الكافرونَ، الـمُسْرِفونَ على أنفسِهم بأنواعِ الذنوبِ، الـمُسْرِفونَ الـمُرتكِبُونَ لعظائمِ الذنوبِ هم أصحابُ النارِ {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
ثمَّ يقولُ لهم: {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} سَتَذْكُرُونَهُ إنْ نزلَ بكم العذابُ، وتَذْكُرُونَهُ عندَ الموتِ، وتَذْكُرُونَهُ يومَ القيامة، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} قد أنا نصحتُ، كأنه يقولُ: قد نصحتُ وأبلغتُ وذكَّرْتُ وحذَّرْتُ، والأمرُ للهِ، {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} هو أعلمُ بحالِهم وحقائقِهم ومصائرِهم.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ – الشيخ : عبدُ الرحمن السعدي رحمَه الله تعالى في تفسيرِ قولِ الله تعالى:
{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ} بِمَا قُلْتُ لَكُمْ {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} بِتَرْكِ اتِّبَاعِ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَالَ: {تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ مَنْ دُونِ اللَّهِ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ مِنْ أَكْبُرِ الذُّنُوبِ وَأَقْبَحِهَا، {وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ} الَّذِي لَهُ الْقُوَّةُ كُلُّهَا، وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِيَدِهِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. {الْغَفَّارِ} الَّذِي يُسْرِفُ الْعِبَادَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَتَجَرَّؤُونَ عَلَى مَسَاخِطِهِ ثُمَّ إِذَا تَابُوا وَأَنَابُوا إِلَيْهِ، كَفَّرَ عَنْهُمُ السَّيِّئَاتِ وَالذُّنُوبَ، وَدَفَعَ مُوجِبَاتِهَا مِنَ الْعُقُوبَاتِ
– الشيخ : الله أكبر، يقول الله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]
– القارئ : وَدَفَعَ مُوجِبَاتِهَا مِنَ الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ.
{لا جَرَمَ} أَيْ: حَقًّا يَقِينًيا {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ
– الشيخ : "حَقًّا يَقِينًا" ولَّا [أو] "يقينًا"؟
– القارئ : "يَقِينيًّا"
– طالب: عندي: "يَقِينًا"، "حَقًّا يَقِينًا"
– الشيخ : "حَقًّا يَقِينًا"؟
– طالب: نعم
– الشيخ : هذا أحسنُ في الأسلوبِ
– القارئ : {لا جَرَمَ} أي: حقًا يقينًا {أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ} أَيْ: لَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَالْحَثِّ عَلَى اللَّجَأِ إِلَيْهِ، فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، لِعَجْزِهِ وَنَقْصِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً، وَلَا نُشُورًا.
{وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ} تعالى فَسَيُجَازِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ.
– الشيخ : الله أكبر.
– القارئ : {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} وَهُمُ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالتَّجَرُّؤِ عَلَى رَبِّهِمْ بِمَعَاصِيهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، دُونَ غَيْرِهِمْ.
فَلَمَّا نَصَحَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ وَلَمْ يُطِيعُوهُ وَلَا وَافَقُوهُ قَالَ لَهُمْ:
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ} مِنْ هَذِهِ النَّصِيحَةِ، وَسَتَرَوْنَ مَغَبَّةَ عَدَمِ قَبُولِهَا حِينَ يَحِلُّ بِكُمِ الْعِقَابُ، وَتُحْرَمُونَ جَزِيلَ الثَّوَابِ.
{وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} أَيْ: أَلْجَأُ إِلَيْهِ وَأَعْتَصِمُ، وَأُلْقِي أُمُورِي كُلَّهَا لَدَيْهِ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي مَصَالِحِي وَدَفْعِ الضَّرَرِ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنْكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ.
{إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} يَعْلَمُ أَحْوَالَهُمْ وَمَا يَسْتَحِقُّونَ، يَعْلَمُ حَالِي وَضَعْفِي فَيَمْنَعُنِي مِنْكُمْ وَيَكْفِينِي، شَرَّكُمْ، وَيَعْلَمُ أَحْوَالَكُمْ فَلَا تَتَصَرَّفُونَ إِلَّا بِإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَإِنْ سَلَّطَكُمْ عَلَيَّ، فَبِحِكْمَةٍ مِنْهُ تَعَالَى، وَعَنْ إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ صَدَرَ ذَلِكَ.
{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} أيْ: وَقَى اللهُ
– الشيخ : سيأتي هذا {فَوَقَاهُ اللَّهُ} لا إله إلا الله، نعم شيخ عبد الرحمن.