بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر
الدَّرس: الثَّاني عشر
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ * إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ * إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [غافر:53-59]
– الشيخ : إلى هنا. سبحان الله! يا الله!
بعدما أهلكَ اللهُ فرعونَ وقومَهُ بالغَرَقِ والحَرَقِ، ونجَّى موسى وقومَهُ -بني إسرائيلَ- آتى اللهُ موسى الكتابَ والهدى -كتابَ التوراةِ-: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} وَرِثُوهُ عن نبيِّهِم موسى، وصار النبيُّونَ مِن بني إسرائيلَ يِحكمونَ بها {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المائدة:44] يحكمونَ بينَ الناسِ بالتوراةِ.
{وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَى} التوراةُ هدىً لِمَن آمنَ بها وعملَ بما فيها، وفيها ذكرى يتذكُّرُ بها أولوا الألبابِ أولوا العقولِ النَّيِّرَةِ والعقولِ الزكيةِ، يتذكَّرُ أولوا الالبابِ، {هُدًى وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ}.
{فَاصْبِرْ} هذا خطابٌ للنبيِّ عليه الصلاة والسلام يأمرُهُ بالصبرِ كما صبرَ موسى {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ما وعدَ اللهُ بِه رسلَهُ وأولياءَهُ مِن النصرِ في الدنيا والسعادةِ في الآخرةِ حَقٌّ حاصلٌ واقعٌ {إن الله لا يُخلف الميعاد} [آل عمران:9]
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} اللهُ يأمرُ نبيَّهُ بالاستغفارِ وبالتسبيحِ -الله أكبر- التسبيحُ فيهِ تنزيهٌ للهِ وتمجيدٌ وتعظيمٌ، والاستغفارُ فيه خيرٌ كثيرٌ للعبدِ وتطهيرٌ، الاستغفارُ سببٌ للتطهُّرِ مِن الذنوبِ بمغفرتِهِ سبحانه وتعالى.
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} العَشِيُّ: آخرُ النهارِ، والإبكارُ: أولُهُ، مِن جنسِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130] بالتسبيحِ الـمُطلَقِ، وبالصلواتِ: صلاةُ الفجرِ وصلاةُ العصرِ وصلاة المغرب، {بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ}.
ثمَّ قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} مُكَذِّبِينَ بها ومُعَارِضينَ لها، ومُعَانِدِين {يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} بغيرِ حجةٍ ولا برهانٍ لـِمَا يَدَّعُونَهُ ما لهمْ به مِن سلطانٍ {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ} في صدورِهم الكِبْرُ على الحقُّ، فما يمنعُهم مِن الإيمانِ بآياتِ اللهِ والانقيادِ لِمَا دعَتْ إليهِ إلا الكِبْر {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]
{إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} استعَذْ باللهِ مِن الْمُتَكَبِّرِينَ ومِن الكِبْرِ، مِن الكِبرِ والْمُتَكَبِّرِينَ، ومِن كلِّ داعٍ إليهِ.
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} فيهِ ذِكْرُ دليلٍ مِن أدلةِ البعثِ، فاللهُ يَرُدُّ على الجاحِدينَ بالبعثِ يقولُ: إنَّ القادرَ على خلقِ السماواتِ والأرضِ هو قادرٌ على بعثِ الناسِ بعدَ أنْ كانوا عظاماً ورُفَاتاً ورَمِيْمَاً {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} [يس:81] {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف:33]
{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} هذه أضدادٌ، الأعمى والبصير ضدانِ، وهما مَثَلٌ للكافرِ والمؤمِن، {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} [هود:24]
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} كما لا يَسْتَوي الأعمى والبصيرُ لا يستوي الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ والـمُسِيءُ، هما نقيضانٍ مُتَضَادَّانِ لا يجتمعانِ.
{إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} القيامةُ، يُؤَكِّدُ اللهُ، يُخبِرُ اللهُ عن أنَّ الساعةَ آتيةٌ لا محالةَ {لاَّ رَيْبَ فِيهَا} {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحج:7] {إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : أحسنَ الله إليكَ، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} الآيات.
لَمَّا ذَكَرَ مَا جَرَى لِمُوسَى وَفِرْعَوْنَ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحُكْمَ الْعَامَّ الشَّامِلَ لَهُ وَلِأَهْلِ النَّارِ، ذَكَرَ أَنَّهُ أَعْطَى مُوسَى {الْهُدَى} أَيِ: الْآيَاتِ، وَالْعِلْمَ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ الْمُهْتَدُونَ.
{وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} أَيْ: جَعَلْنَاهُ مُتَوَارَثًا بَيْنَهُمْ، مِنْ قَرْنٍ إِلَى آخَرَ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ مُشْتَمِلٌ عَلَى {هُدَى} الَّذِي هُوَ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا، {وَذِكْرَى} أيْ: التَّذَكُّرِ لِلْخَيْرِ بِالتَّرْغِيبِ فِيهِ، وَعَنِ الشَّرِّ بِالتَّرْهِيبِ عَنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ {لأُولِي الأَلْبَابِ}
{فَاصْبِرْ} يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ كَمَا صَبَرَ مَنْ قَبِلَكَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ الْمُرْسَلِينَ. {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أَيْ: لَيْسَ مَشْكُوكًا فِيهِ، أَوْ فِيهِ رَيْبٌ أَوْ كَذِبٌ، حَتَّى يَعْسُرَ عَلَيْكَ الصَّبْرُ، وَإِنَّمَا هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ، وَالْهُدَى الصِّرْفُ، الَّذِي يَصْبِرُ عَلَيْهِ الصَّابِرُونَ، وَيَجْتَهِدُ فِي التَّمَسُّكِ بِهِ أَهْلُ الْبَصَائِرِ.
فَقَوْلُهُ: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَحُثُّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ.
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} الْمَانِعِ لَكَ مِنْ تَحْصِيلِ فَوْزِكَ وَسَعَادَتِكَ، فَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ الَّذِي فِيهِ يَحْصُلُ الْمَحْبُوبُ، وَبِالِاسْتِغْفَارِ الَّذِي فِيهِ دَفْعُ الْمَحْذُورِ، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ اللَّهِ رَبِّكَ} خُصُوصًا {بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} اللَّذَيْنِ هُمَا أَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ، وَفِيهِمَا مِنَ الْأَوْرَادِ وَالْوَظَائِفِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ مَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ عَوْنًا عَلَى جَمِيعِ الْأُمُورِ.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ} الآية.
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ جَادَلَ فِي آيَاتِهِ لِيُبْطِلَهَا بِالْبَاطِلِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَلَا حُجَّةٍ، أنَّ هَذَا صَادِرٌ مِنْ كِبْرٍ فِي صُدُورِهِمْ عَلَى الْحَقِّ وَعَلَى مَنْ جَاءَ بِهِ، يُرِيدُونَ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَيْهِ بِمَا مَعَهُمْ مِنَ الْبَاطِلِ، فَهَذَا قَصْدُهُمْ وَمُرَادُهُمْ.
وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ لَهُمْ وَلَيْسُوا بِبَالِغِيهِ، فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ، وَبِشَارَةٌ، بِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَادَلَ الْحَقَّ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ، وَكُلُّ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي نِهَايَتِهِ ذَلِيلٌ.
{فَاسْتَعِذْ} أَيِ: اعْتَصِمْ وَالْجَأْ {بِاللَّهِ} وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَسْتَعِيذُ؛ إِرَادَةً لِلْعُمُومِ. أَيِ: اسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الْكِبْرِ الَّذِي يُوجِبُ التَّكَبُّرَ عَلَى الْحَقِّ، وَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الشُّرُورِ.
{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ} لِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا، {الْبَصِيرُ} بِجَمِيعِ الْمَرْئِيَّاتِ، بِأَيِّ مَحَلٍّ وَمَوْضِعٍ وَزَمَانٍ كَانَتْ.
قال الله تعالى:
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} الآيات.
يُخْبِرُ تَعَالَى بِمَا تَقَرَّرَ فِي الْعُقُولِ، أَنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ -عَلَى عِظَمِهِمَا وَسِعَتِهِمَا- أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، فَإِنَّ النَّاسَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ أَصْغَرِ مَا يَكُونُ فَالَّذِي خَلَقَ الْأَجْرَامَ الْعَظِيمَةَ وَأَتْقَنَهَا قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَهَذَا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الدَّالَّةُ عَلَى الْبَعْثِ دَلَالَةً قَاطِعَةً بِمُجَرَّدِ نَظَرِ الْعَاقِلِ إِلَيْهَا، يُسْتَدَلُّ بِهَا اسْتِدْلَالًا لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ وَالشُّبْهَةَ بِوُقُوعِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْبَعْثِ.
وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَجْعَلُ فِكْرَهُ لِذَلِكَ وَيَقْبَلُ بِتَدَبُّرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} وَلِذَلِكَ لَا يَعْتَبِرُونَ بِذَلِكَ، وَلَا يَجْعَلُونَهُ مِنْهُمْ عَلَى بَالٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ} أَيْ: كَمَا لَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ، وَمَنْ كَانَ مُسْتَكْبِرًا عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ مُقْدِمًا عَلَى مَعَاصِيهِ، سَاعِيًا فِي مَسَاخِطِهِ، {قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ} أَيْ: تَذَكُّرُكُمْ قَلِيلٌ وَإِلَّا فَلَوْ تَذَكَّرْتُمْ مَرَاتِبَ الْأُمُورِ، وَمَنَازِلَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْفَرْقَ بَيْنَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ، وَكَانَتْ لَكُمْ هِمَّةٌ عَلَيَّةٌ، لَآثَرْتُمُ النَّافِعَ عَلَى الضَّارِّ، وَالْهُدَى عَلَى الضَّلَالِ، وَالسَّعَادَةَ الدَّائِمَةَ، عَلَى الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ.
{إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا} قَدْ أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ الَّذِينَ هُمْ أَصْدَقُ الْخَلْقِ وَنَطَقَتْ بِهَا الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ، الَّتِي جَمِيعُ أَخْبَارِهَا أَعْلَى مَرَاتِبِ الصِّدْقِ، وَقَامَتْ عَلَيْهَا الشَّوَاهِدُ الْمَرْئِيَّةُ، وَالْآيَاتُ الْأُفُقِيَّةُ. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ، الَّتِي تُوجِبُ كَمَالَ التَّصْدِيقِ، وَالْإِذْعَانِ.
قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي}
– الشيخ : إلى هنا.