بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر
الدَّرس: السَّادس عشر
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر:78،77]
– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله.
يأمرُ اللهُ نبيَّهُ في هذه الآياتِ بالصبرِ، وهذا كثيرٌ في القرآنِ، وكما تقدَّم: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر:53-55] وهنا يقول: {فَاصْبِرْ … فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}، يقول: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}، فاللهُ وعدَ نبيَّهُ كما وعدَ مَن قبلَهُ مِن الرسلِ بالنصرِ على المكذِّبين، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}، فالعبدُ لا يُؤْتَى بقلِّةِ الصبرِ إلا بضعفِ اليقينِ، فإذا اجتمعَ الصبرُ واليقينُ تحققتِ الآمالُ والمطالِبُ، وتبوأ العبدُ منزلةً عاليةً، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24] {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.
{فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}، يعني إنْ أرَيْنَاكَ بعضَ ما وعدْنَاهُم بأنْ أنزلنَا بهم بعضَ ما توعَّدَهُم اللهُ به أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبلَ ذلك فمرجعُهُم إليهِ سبحانه، {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}، سواءٌ عُذِّبوا وأنتَ بينَهم، أو عُذِّبُوا وأنتَ حَيٌّ، أو أُخِذُوا بعد ذلكَ {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}.
ثمَّ يُذَكِّرُهُ بمَنْ سبقَهُ مِن الرُّسلِ؛ ليتأسَّى بهم صلى الله عليه وسلم، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ}، رسلٌ كثيرٌ، أولُهم نوحٌ عليه السلام، {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ}، فالرسلُ كثيرٌ لكن منهم مَن سُمُّوا لنَا وذُكِرَتْ لنا أخبارُهم ومنهم مَن لمْ يُسَمَّ ولمْ نُخْبَرْ عنهم كما في آياتٍ أخرى، {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164] {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}.
{وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يعني: أَمْرُ الآياتِ بيدِ اللهِ، فالرسلُ لا يَأتونَ بالآياتِ والخوارقِ والمعجزاتِ مِن عندِ أنفسِهم، والكفارُ يَطلبونَ ويَتَعَنَّتُونَ، يَطلبونَ مِن الرسلِ أنْ يأتوهُم بكذا ويَأتوهُم بكذا، حتى نبيُّنا عليه الصلاة والسلام طالبوهُ، طالبوهُ بأمورٍ: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} إلى آخر الآيات [الإسراء:91،90] وكذلكَ طلبُوا أنْ يَنزِلَ عليه مَلَكاً أو يُلْقَى إليهِ كنزٌ، تَعَنُّتَات، {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}.
{فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}، إذا جاء أمرُهُ {قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}، إذا جاءَ أمرُ اللهِ وعذابُهُ ونزلَ بالمكذِّبينَ نَجَّى اللهُ المؤمنين كما هِي سُنَّتُهُ في رسلِهِ وأتباعِهِ، {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [هود:58] {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا} [هود:66] {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا} [هود:94]
{وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} الذين سلكُوا مسالكَ الضَّلالِ والكُفرِ، ودَانُوا بالدِّينِ الباطلِ من الشِّركِ باللهِ واتِّباعِ الظُّنونِ والأهواءِ، {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}، إذا جاءَ أمرُ اللهِ نجَّى اللهُ المؤمنين وفازوا بذلكَ وخَسِرَ الْمُبْطِلُونَ، {سُنَّةَ اللَّه … وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62]
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} الآية:
أَيْ: فَاصْبِرْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، عَلَى دَعْوَةِ قَوْمِكَ، وَمَا يَنَالُكَ مِنْهُمْ، مِنْ أَذًى، وَاسْتَعِنْ عَلَى صَبْرِكَ بِإِيمَانِكَ {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}.
– الشيخ : يعني: تَذَكَّرْ واستحضِرْ ما وَعَدَكَ اللهُ به مِن النصرِ على أعداءِكَ.
– القارئ : {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} سَيَنْصُرُ دِينَهُ، وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ، وَيَنْصُرُ رُسُلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
– الشيخ : {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} [غافر:51]
– القارئ : {وَاسْتَعَنْ} عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِتَوَقُّعِ الْعُقُوبَةِ بِأَعْدَائِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} فِي الدُّنْيَا فَذَاكَ {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قَبْلَ عُقُوبَتِهِمْ {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} فَنُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ، {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42]
ثُمَّ سَلَّاهُ وَصَبَّرَهُ بِذِكْرِ إِخْوَانِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ} الآية:
أَيْ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ} كَثِيرِينَ إِلَى قَوْمِهِمْ، يَدْعُونَهُمْ وَيَصْبِرُونَ عَلَى أَذَاهُمْ، {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ} خَبَرَهُمْ {وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} وَكُلُّ الرُّسُلِ مُدَبَّرُونَ، لَيْسَ بِيَدِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْأَمْرِ.
{وَمَا كَانَ لرسولٍ} مِنْهُمْ {أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ} مِنَ الْآيَاتِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ {إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} أَيْ: بِمَشِيئَتِهِ وَأَمْرِهِ، فَاقْتِرَاحُ الْمُقْتَرِحِينَ عَلَى الرُّسُلِ الْإِتْيَانُ بِالْآيَاتِ ظُلْمٌ مِنْهُمْ وَتَعَنُّتٌ وَتَكْذِيبٌ، بَعْدَ أَنْ أَيَّدَهُمُ اللَّهُ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ وَصِحَّةِ مَا جَاءُوا بِهِ. {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} بِالْفَصْلِ بَيْنَ الرُّسُلِ وَأَعْدَائِهِمْ، وَالْفَتْحِ. {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} الَّذِي يَقَعُ الْمَوْقِعَ، وَيُوَافِقُ الصَّوَابَ
– الشيخ : نعم، حكمُ اللهِ حَقٌّ وعَدْلٌ.
– القارئ : بِإِنْجَاءِ الرُّسُلِ وَأَتْبَاعِهِمْ وَإِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} أَيْ: وَقْتَ الْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ {الْمُبْطِلُونَ} الَّذِينَ وَصْفُهُمُ الْبَاطِلُ، وَمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ البَاطِلُ،
– الشيخ : أي: أعمالُهم باطلةٌ، وعلومُهم باطلةٌ، وكلُّ أمرِهم باطلٌ، فهم مُبْطِلُونَ، على خلافِ الرسلِ وأتباعِهم: فأعمالُهم حَقٌّ، وأقوالُهم حَقٌّ، وعلومُهم حقٌّ، والدِّينُ الذي جاءوا به مِن عندِ اللهِ حَقٌّ.
– القارئ : وَغَايَتُهُمُ الْمَقْصُودَةُ لَهُمْ بَاطِلَةٌ، فَلْيَحْذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُخَاطَبُونَ، أَنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى بَاطِلِهِمْ فَيَخْسَرُوا كَمَا خَسِرَ أُولَئِكَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَا خَيْرَ مِنْهُمْ وَلَا لَهُمْ بَرَاءَةٌ فِي الْكُتُبِ بِالنَّجَاةِ. قال الله تعالى..
– الشيخ : إلى هنا، إلى هنا.