الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزخرف/(11) من قوله تعالى {إن المجرمين في عذاب جهنم} الآية 74 إلى قوله تعالى {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم} الآية 80
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(11) من قوله تعالى {إن المجرمين في عذاب جهنم} الآية 74 إلى قوله تعالى {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم} الآية 80

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزخرف

الدَّرس: الحادي عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:74-80]

الشيخ : إلى هنا، أعوذ بالله، لا إله إلا الله.

لَمَّا ذكرَ سبحانه وتعالى عاقبةَ المتقين وما أعدَّ اللهُ لهم مِن النَّعيم المقيم في جَنَّاتِ النعيم {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} الآيات [الزخرف:70] أَتْبعَ ذلك بذكرِ حالِ المجرمين، والمجرمون هم الكفارُ هم المشركون هم الكافرون باللهِ ورسلِه، هم المجرمون حقًّا، ليس المجرم فقط الذي يَسرِق ويقتُل، هذا هو مفهوم المجرم والإجرام عندَ الناس، هذا صحيح أنه إجرامٌ وارتكابٌ لجرمٍ عظيمٍ من كبائر الذنوب، لكن إذا سمعتَ الله يقولُ ويذكر المجرمين فاعلم أنَّهم الكفار؛ ولهذا {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}، {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} إلى قولِه: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ} [الرحمن:41-44] {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22]   {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس:17] وهكذا، ومِن ذلك هذه الآية: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} لا إله إلا الله، جهنَّم دارُ العذابِ التي أعدَّها الله للكافرين. الْمُجْرِمونَ {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ  {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ} وهم في العذاب {مُبْلِسُونَ} يعني آيسُون -أعوذ بالله، نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من النار، استعيذوا بالله من النار كثيرًا، استعيذوا بالله من النار كثيرًا- قال عليه الصلاة والسلام: (إذا تشهَّدَ أحدُكُم فليَستعِذْ باللهِ مِن أربع، يقولُ: أعوذُ بكَ مِن عذابِ جهنَّمَ، ومِن عذابِ القبرِ، ومِن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومِن فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ) ومِن دعاء الصالحين دائمًا: "وقِنَا عذابَ النَّار"، {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65] {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192]

{لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ *وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} {كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} بِشركِهم وتكذيبِهم ومعاصيهِم.

{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} يُنادون مالكَ -ومالكُ خازنُ النار هذا هو المعروفُ في التفسير- {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} يدعونَ أن يقضيَ اللهُ عليهم بالموتِ أن يـموتوا {لَا يُقْضَى} يقول الله: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر:36] {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} هذا هو الجوابُ مَاكثون باقون، إنَّكم باقون، باقونَ في العذاب، الله أكبر، اللهم سَلِّم سَلِّم {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}.

ثمَّ قال تعالى خطابًا للكفار للمشركين مِن كُفَّار قريش وغيرهم: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} جاءَهم اللهُ تعالى بالحقِّ بهذا الكتاب {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:52] {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}.

{أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} أيَظُنُّ هؤلاء الكافرون {أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى}؟ اللهُ يسمعُ أقوالَ الناس -سِرَّهُم وجَهْرَهم- ويَعلم أعمالَهم، {بَلَى}، يقول: {بَلَى}، يعني: نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وأيضًا أضف إلى هذا أن معَهم رسلٌ ملائكةٌ يكتبون أعمالَهم {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} {يَكْتُبُونَ} يقول: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبـِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10-12] {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] الله المستعان.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

ولَمَّا ذكرَ نعيمَ الجنةِ، عَقَّبَهُ بذكرِ عذابِ جهنَّم، فقالَ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} الآيات.

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} الَّذِينَ أَجْرَمُوا بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ} أَيْ: مُنْغَمِرُونَ فِيهِ، مُحِيطٌ بِهِمُ الْعَذَابُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، {خَالِدُونَ} فِيهِ

الشيخ : كأنَّه يأخذُ هذا المعنى مِن قوله: {فِي} {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ} يعني: مُنْغَمِسُون، ومَغْمُوسُون ومَغْمُورُون في العذاب.

القارئ : مُحِيطٌ بِهِمُ الْعَذَابُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ {خَالِدُونَ} فِيهِ، لَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ أَبَدًا

الشيخ : آمنتُ باللهِ ورسلِه، آمنتُ باللهِ ورسله

القارئ : و {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} الْعَذَابُ سَاعَةً، بِإِزَالَتِهِ، وَلَا بِتَهْوِينِ عَذَابِهِ، {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أَيْ: آيِسُونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، غَيْرِ رَاجِينَ لِلْفَرَجِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُنَادُونَ رَبَّهُمْ فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108،107] وَهَذَا الْعَذَابُ الْعَظِيمُ، بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، وَبِمَا ظَلَمُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ. {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} فاللَّهُ لَمْ يَظْلِمْهُمْ وَلَمْ يُعَاقِبْهُمْ بِلَا ذَنْبٍ وَلَا جُرْمٍ.

وَنَادَوْا وَهُمْ فِي النَّارِ، لَعَلَّهُمْ يَحْصُلُ لَهُمُ اسْتِرَاحَةٌ، {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أَيْ: لِيُمِتْنَا فَنَسْتَرِيحُ، فَإِنَّنَا فِي غَمٍّ شَدِيدٍ،

الشيخ : يا الله أجِرْنا من النار، أجِرْنا من النار، أجِرْنا من النار

القارئ : فَإِنَّنَا فِي غَمٍّ شَدِيدٍ، وَعَذَابٍ غَلِيظٍ، لَا صَبْرَ لَنَا عَلَيْهِ وَلَا جَلَدَ. {قَالَ} لَهُمْ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ حِينَ طَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} أَيْ: مُقِيمُونَ فِيهَا،

الشيخ : {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} القرآنُ يُفسِّرُ بعضُه بعضًا، ويَشهدُ بعضُه لبعضٍ {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر:50،49]

 

القارئ : أَيْ: مُقِيمُونَ فِيهَا، لَا تَخْرُجُونَ عَنْهَا أَبَدًا، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مَا قَصَدُوهُ، بَلْ أَجَابَهُمْ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ، وَزَادَهُمْ غَمًّا إِلَى غَمِّهِمْ.

ثُمَّ وَبَّخَهُمْ بِمَا فَعَلُوا فَقَالَ: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} الَّذِي يُوجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَّبِعُوهُ فَلَوْ تَبِعْتُمُوهُ، لَفُزْتُمْ وَسَعِدْتُمْ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} فَلِذَلِكَ شَقِيتُمْ شَقَاوَةً، لَا سَعَادَةَ بَعْدَهَا.

قال الله تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ…} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى: {أَمْ أَبْرَمُوا} أي: أَبْرَمَ الْمُكَذِّبُونَ بِالْحَقِّ الْمُعَانِدُونَ لَهُ {أَمْرًا} أَيْ: كَادُوا كَيْدًا، وَمَكَرُوا لِلْحَقِّ وَلِمَنْ جَاءَ بِالْحَقِّ، لِيُدْحِضُوهُ، بِمَا مَوَّهُوا مِنَ الْبَاطِلِ الْمُزَخْرَفِ الْمُزَوَّقِ، {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} أَيْ: مُحْكِمُونَ أَمْرًا، وَمُدَبِّرُونَ تَدْبِيرًا يَعْلُو تَدْبِيرَهُمْ، وَيَنْقُضُهُ وَيُبْطِلُهُ، وَهُوَ مَا قَيَّضَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْأَدِلَّةِ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء:18]

{أَمْ يَحْسَبُونَ} بِجَهْلِهِمْ وَظُلْمِهِمْ {أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ

الشيخ : يا الله، يا رب، لا إله إلا الله

القارئ : الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ، بَلْ هُوَ سِرٌّ فِي قُلُوبِهِمْ {وَنَجْوَاهُمْ} أَيْ: كَلَامُهُمُ الْخَفِيُّ الَّذِي يَتَنَاجَوْنَ بِهِ، أَيْ: فَلِذَلِكَ أَقْدَمُوا عَلَى الْمَعَاصِي، وَظَنُّوا أَنَّهَا لَا تَبِعَةَ لَهَا وَلَا مُجَازَاةَ عَلَى مَا خَفِيَ مِنْهَا.

فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: {بَلَى} أَيْ: إِنَّا نَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، {وَرُسُلُنَا} الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ، {لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} كُلَّ مَا عَمِلُوهُ، وَسَيُحْفَظُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَرِدُوا الْقِيَامَةَ، فَيَجِدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا.

الشيخ : إلى هنا.