الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الجاثية/(2) من قوله تعالى {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق} الآية 5 إلى قوله تعالى {هذا هدى} الآية 8
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق} الآية 5 إلى قوله تعالى {هذا هدى} الآية 8

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الجاثية

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [الجاثية:6-11]

الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله.

يقولُ سبحانه وتعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} إشارةٌ إلى القرآنِ وآياتِ القرآنِ: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} هذهِ آيَاتُ اللَّهِ {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ} فهيَ آياتٌ مشتملةٌ على الحقِّ، على الصِّدقِ والعدلِ، الأخبارُ الصَّادقةُ والأحكامُ العادلةُ، {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ}، ونظائرُ هذا كثيرٌ، {تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ}، {تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ}، {تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل:1] إشارةٌ إلى آياتِ القرآنِ.

{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} القرآنُ {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ} يعني: بعدَ حديثِ اللهِ الَّذي هو القرآنُ {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} [الزمر:23] {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات:50] {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} فمَن لم يهتدِ بالقرآنِ فلن يهتديَ، من لم يهتدِ بالقرآنِ فلن يهتديَ، لأنَّه أعظمُ هدىً أنزلَه اللهُ، أعظمُ هدىً أنزلَه اللهُ، وأحسنُ كتابٍ، وأحسنُ الحديثِ.

ثمَّ توعَّدَ اللهُ المكذِّبين به، والمستهزئين به والمعرضين عنه {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أفَّاكٌ: كذَّابٌ مقترفٌ للآثامِ، {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ … ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} يسمعُ الآياتِ فيُعرضُ عنها، في الآياتِ الأخرى: {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان:7] {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

ومن قبيحِ أفعال أولئك المكذِّبين المعرضين أنَّ أحدَهم إذا علمَ شيئًا من آياتِ القرآنِ اتَّخذها هزوًا {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وعيدٌ شديدٌ! {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} تنتظرُهم، {مِنْ وَرَائِهِمْ} آتيةٌ جَهَنَّمُ آتيةٌ، {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ} [الفجر:23]

{مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا} لا ينفعُهم، وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ شيئاً مَا كَسَبُوا من حظوظِ ومن وما حصلَ لهم من قوَّةٍ كلُّ ذلك لا يمنعُهم من عذابِ اللهِ {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} يعني: أصنامُهم وأوثانُهم الَّتي يدعونها من دونِ اللهِ، ويعبدونها من دونِ الله لا تغني شيئًا، لا تغني عنهم شيئًا {وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}

{هَذَا هُدًى} هذا القرآنُ هدىً، وهذا البيانُ هدىً لمن اهتدى به واستنارَ به وآمنَ به، فالقرآنُ هدىً لكلِّ أحدٍ، لكن لا ينتفعُ به إلا من آمنَ به وانقادَ لدعوتِه، يقولُ أهلُ العلمِ: أنَّ مثلَه مثلُ الدَّواءِ النَّافعِ النَّاجعِ، لا تحصلُ هذه المنفعةُ وهذا الشِّفاءُ إلَّا لمن استعملَه على وجهِه، مَن استعملَ الدَّواءَ على وجهِه انتفعَ به، أمَّا من لم يستعملْه، أعرضَ عنه ولم يصبرْ على تعاطيه فإنَّه لا يحصلُ له المنفعةُ المنشودةُ.

يقولُ: {هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} أمَّا الَّذين كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ هم الَّذين تقدَّمَ ذكرُهم، لكن في هذا ذكرُ أوصافٍ، فهؤلاء جمعُوا بينَ الكفرِ، التَّكذيبُ بآياتِ اللهِ، الاستهزاءُ بما عملُوا من آيات الله {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ} سبحانَ الله، ونلاحظُ في هذه الآياتِ أنَّ اللهَ ذكرَ أوصافَ العذابِ بأنَّه مهينٌ أليمٌ ومهينٌ وعظيمٌ، وفي آياتٍ أخرى شديدٌ، كلُّ صفاتِ الفظاعةِ، كلُّ صفاتِ الفظاعةِ والشِّدَّةِ كلُّها مجموعةٌ، أولئكَ لهم عذابٌ أليمٌ ومهينٌ وعظيمٌ وشديدٌ، نعوذُ بالله من عذابِ اللهِ، نعوذُ بالله من عذابِ اللهِ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-

الشيخ : رحمه اللهُ تعالى، جزاه اللهُ خيرًا، الله أكبرُ

القارئ : وقِسمٌ يسمعُ آياتِ اللهِ سماعًا تقومُ بهِ الحجَّةُ عليهِ ثمَّ يُعرِضُ عنها ويستكبرُ، كأنَّهُ ما سمعَها لأنَّها لم تُزكِّ قلبَهُ ولا طهَّرَتْهُ بل بسببِ استكبارِهِ عنها ازدادَ طغيانُهُ.

وأنَّهُ إذا عَلِمَ مِن آياتِ اللهِ شيئًا اتَّخذَها هزوًا فتوعَّدَهُ اللهُ تعالى بالويلِ فقالَ:

{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أي: كذَّابٍ في مقالِهِ أثيمٍ في فعالِهِ.

وأخبرَ أنَّ لهُ عذابًا أليمًا وأنَّ {مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ} تكفي في عقوبتِهم البليغةِ.

وأنَّهُ {لا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا} مِن الأموالِ شيئًا {وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} يستنصرونَ بهم فخذلُوهم أحوجَ ما كانُوا إليهم لو نفعُوا.

فلمَّا بيَّنَ آياتِهِ القرآنيَّةَ والعيانيَّةَ وأنَّ النَّاسَ فيها على قسمَينِ أخبرَ أنَّ القرآنَ المشتمِلَ على هذهِ المطالبِ العاليةِ أنَّهُ هدىً فقالَ: {هَذَا هُدًى} وهوَ وصفٌ عامٌّ لجميعِ القرآنِ فإنَّهُ يهدي إلى معرفةِ اللهِ تعالى بصفاتِهِ المُقدَّسةِ وأفعالِهِ الحميدةِ، ويهدي إلى معرفةِ رسلِهِ وأوليائِهم وأعدائِهم، وأوصافِهم، ويهدي إلى الأعمالِ الصَّالحةِ ويدعو إليها

الشيخ : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] يهدي لكلِّ طريقةٍ فضلى، لكلِّ طريقٍ قويمٍ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي} يدلُّ مَن اتَّبعَه، يدلُّه على الصِّراط، يدلُّه على الطَّريقِ، اللهُ أكبرُ.

 

القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، ويبيِّنُ الأعمالَ السَّيِّئةَ وينهى عنها، ويهدي إلى بيانِ الجزاءِ على الأعمالِ، ويُبيِّنُ الجزاءَ الدُّنيويَّ والأخرويَّ، فالمهتدونَ اهتدَوا بهِ فأفلحُوا وسعدُوا، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} الواضحةِ القاطعةِ الَّتي لا يكفرُ بها إلَّا مَن اشتدَّ ظلمُهُ وتضاعفَ طغيانُهُ، {لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ}.

قالَ اللهُ تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ} [الجاثية:12]

الشيخ : إلى هنا.

القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ

– طالب: رضيَ اللهُ عنكم؛ قولُه: {مِنْ وَرَائِهِمْ}

الشيخ : أيش فيها؟

– طالب: المرادُ بــ {مِنْ وَرَائِهِمْ}

الشيخ : يقولون: "من وراءِ" تأتي مرادًا بها "أمامَهم"، تأتي بمعنى… لا إله إلَّا الله وحده لا شريكَ له، {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:46]