بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الحديد
الدَّرس: الثَّاني
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحديد:7-9]
– الشيخ : إلى هنا.
الحمد لله، يقول -تعالى- آمرًا عبادَه المؤمنين بالإيمان كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء:136]، {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ويأمرُهم بالإنفاق في سبيلِه {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} يعني: مِن المال الذي {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} بعدَ مَنْ قبلَكم، يعني: جعلكُم خلفاءَ بعدما وَرِثْتُمُوه ممَّن قبلَكم وكان مملوكًا لِمَن قبلكم {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} الذين آمنُوا وأنفقُوا، والجمعُ بين الإيمان والإنفاق كالجمعِ بين الصلاة والإنفاق، فإنَّ الصلاةَ رأسُ الإيمان بعدَ الشهادتين {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة:3]
ثم يقول -تعالى-: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ} ما الذي يمنعُكم من الإيمان؟ فهذه حججُ الله ظاهرة، ودلائلُ ربوبيتِه وإلهيتِه مشهودةٌ قائمةٌ معلومةٌ {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} فهذه الآياتُ الكونيَّة مُشاهَدةٌ دالَّةٌ على ربوبيتِه -تعالى- وإلهيتِه وكمالِه، وهذه الآيات الـمَتْلوة التي أنزلها اللهُ على رسوله {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} لِيُخْرِجَكُمْ مِن ظلماتِ الكفرِ والجهلِ والمعصيةِ إلى نورِ العلمِ والإيمانِ والهدى والطاعة {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257]
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآيات:
يَأْمُرُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ، وَبِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَاسْتَخْلَفَهُمْ عَلَيْهَا؛ لِيَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ لَمَّا أَمْرَهُمْ بِذَلِكَ رَغَّبَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِ بِذِكْرِ مَا رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ فَقَالَ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا} أَيْ: جَمَعُوا بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ أَعْظَمُهُ وَأَجَلُّهُ رِضَا رَبِّهِمْ وَالْفَوْزُ بِدَارِ كَرَامَتِهِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ الدَّاعِيَ لَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ وَعَدَمَ الْمَانِعِ مِنْهُ فَقَالَ:
{وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أَيْ: وَمَا الَّذِي يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْحَالُ أَنَّ الرَّسُولَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ الرُّسُلِ وَأَكْرَمُ دَاعٍ دَعَا إِلَى اللَّهِ يَدْعُوكُمْ، فَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْمُبَادَرَةَ إِلَى إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ، وَالتَّلْبِيَةِ وَالْإِجَابَةِ لِلْحَقِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ بِالْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ مِنْ لُطْفِهِ وَعِنَايَتِهِ بِكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْعَالَمِ، بَلْ أَيَّدَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ وَدَلَّكُمْ عَلَى صِدْقِ مَا جَاءَ بِهِ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، فَلِهَذَا قَالَ: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أَيْ: ظَاهِرَاتٌ تَدُلُّ أَهْلَ الْعُقُولِ عَلَى صِحَّةِ جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَأَنَّهُ الْحَقُّ الْيَقِينُ، {لِيُخْرِجَكُمْ} بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْكُمْ، وَمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ.
{مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أَيْ: مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ، إِلَى نُورِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَتِهِ بِكُمْ وَرَأْفَتِهِ، حَيْثُ كَانَ أَرْحَمَ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : أحسن الله إليك، المنتقى