الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الممتحنة/(3) من قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} الآية 8 إلى قوله تعالى {وإن فاتكم شيء من أزواجكم} الآية 11
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} الآية 8 إلى قوله تعالى {وإن فاتكم شيء من أزواجكم} الآية 11

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الممتحنة

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا الله الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ [الممتحنة:8-11]

– الشيخ : إلى هنا.

الحمد لله، في هذه الآيات بيان الفَرق بين الكفارِ المحاربين وغيرِ المحاربين، {لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} فهؤلاء الذين لم يُحاربوا المسلمين ولم يُعينوا على حَرْبـِهم لا مانعَ ولا حَرَجَ عليهم أن يُواصلوهم ويَـبَـرُّوهم ويُحسنوا إليهم {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.

ولكن الذين نهى اللهُ عن موالاتِهم وعن نصرتِهم ومعاونتِهم هم الذين يحاربون المسلمين {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

ثم ذكرَ -سبحانه وتعالى- حكمَ النساء المهاجرات الفارَّات مِن الكفار وأنه يحب قبولهنَّ وعدم إرجاعهنَّ إلى المشركين، وجاءت هذه الآية في هذا الشأن في خصوص النساء؛ لأنَّ الصلح الذي جرى في السَّنةِ السادسة يتضمَّن أن مَن جاء من الكفار إلى المسلمين مسلمًا أنه يُرَدُّ إلى المشركين، ومَن جاء من المسلمين إلى المشركين مرتدًّا فإنه لا يُــرَدُّ إلى المسلمين، وكان هذا الشرط قد شَقَّ على بعض المسلمين، وبعد هذا صارت تأتي بعض النساء مهاجرات، فكان مِن الحَرج عليهِنَّ رَدُّهُنَّ إلى المشركين؛ لأنَّ النساءَ حالُـهُنُّ ضعيفة بخلافِ الرجال إذا رُدُّوا، إذا جاء الرجلُ مسلمًا وَرُدَّ إلى المشركين يقوى أن يقاومَ أو يَفِرَّ أو ما أشبه ذلك، بخلاف المرأة فإنَّها ضعيفة فلهذا نزلَتْ هذه الآية مقيِّدةً لذلك الشرط الذي تمَّ الصلح وناسخةً له، فكان هذا الشرطُ منسوخًا في شأن النساء في خصوصِ النساء.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ولكن إذا آويتُوهُنَّ فرُّدُّوا إلى أزواجهِنَّ ما أنفقوا {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} يعني: فإذا جاءَتِ المسلمةُ مهاجرةً وبقيتْ وقبلَها المسلمون فعلى المسلمين أن يُعطوا زوجَها ما أنفقَ؛ لأنَّ الفُرقةَ جاءَتْ مِن قِبَلِها بإسلامِها وفرارِها إلى المسلمين.

{وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} وهذا إذًا مِن الله بالزواج مِن أولئك المسلمات {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي: مُهُورُهُنَّ.

ثم قال -تعالى-: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} نهي عن إمساك الكافرة، فلو ارتدَّتِ المسلمةُ فإنه لا يجوز أن تبقى العلاقةُ الزوجية بينهما، فلا يحلُّ للمسلمِ نكاحُ الكافرةِ، كما أنَّ المسلمةَ لا يَحِلُّ لها أن تنكحَ الكافر، {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} كما تقدَّم فإذا فرَّتِ المسلمةُ مُرتدةً إلى المشركين أو بالعكس -كما تقدَّم- فعلى مَن آوى هذه المرأة عليه أن يدفعَ النفقة التي بذلَها الزوجُ مِن قبل  {وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا}، {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} للمسلمين أن يطالبوا المشركين بما أنفقوا على زوجاتِهم مهورًا لهـُنَّ وكذلك العكس، {وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، نعم إلى هنا.

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:

وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ الْمُهَيِّجَةُ عَلَى عَدَاوَةِ الْكَافِرِينَ، وَقَعَتْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّ مَوْقِعٍ، وَقَامُوا بِهَا أَتَمَّ الْقِيَامِ، وَتَأْثَّمُوا مِنْ صِلَةِ بَعْضِ أَقَارِبِهِمُ الْمُشْرِكِينَ، وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِيمَا نَهَى الله عَنْهُ.

فَأَخْبَرَهُمُ الله أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمُحَرَّمِ فَقَالَ: {لا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أَيْ: لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الْبَرِّ وَالصِّلَةِ، وَالْمُكَافَأَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْقِسْطِ لِلْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَقَارِبِكُمْ وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ كَانُوا بِحَالٍ لَمْ يَنْتَصِبُوا لِقِتَالِكُمْ فِي الدِّينِ وَالْإِخْرَاجِ مِنْ دِيَارِكُمْ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جَنَاحٌ أَنْ تَصِلُوهُمْ، فَإِنَّ صِلْتَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لَا مَحْذُورَ فِيهَا وَلَا تَبِعَةَ

– الشيخ : أمَّا الكافر المحاربُ ولو كان مِن الأقاربِ فليسَ له حَقُّ الصِّلَة ما دام محاربًا؛ لأنَّ صِلتَه فيها إعانةٌ له على عداوةِ المسلمين وحربِهـم.

 

– القارئ : كَمَا قَالَ -تعالى- عَنِ الْأَبَوَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ إِذَا كَانَ وَلَدُهُمَا مُسْلِمًا: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]

وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} أَيْ: لِأَجْلِ دِينِكُمْ، عَدَاوَةً لِدِينِ الله وَلِمَنْ قَامَ بِهِ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ {وَظَاهَرُوا} أَيْ: عَاوَنُوا غَيْرَهُمْ {عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} نَهَاكُمُ الله أَنْ تَوَلَّوْهُمْ بِالْمَوَدَّةِ وَالنُّصْرَةِ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَأَمَّا بِرُّكُمْ وَإِحْسَانُكُمُ، الَّذِي لَيْسَ بِتَوَلٍّ لِلْمُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَنْهَاكُمُ الله عَنْهُ، بَلْ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إلى الْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْآدَمِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ.

{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وَذَلِكَ الظُّلْمُ يَكُونُ بِحَسَبِ التَّوَلِّي، فَإِنْ كَانَ تَوَلِّيًا تَامًّا كانَ ذَلِكَ كُفْرًا مُخْرِجًا عَنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ، وَتَحْتَ ذَلِكَ مِنَ الْمَرَاتِبِ مَا هُوَ غَلِيظٌ، وَمَا هُوَ دُونَهُ.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} الآيات:

لَمَّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُشْرِكِينَ، عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ إلى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا، أَنَّهُ يُرَدُّ إلى الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ هَذَا لَفْظًا عَامًّا مُطْلَقًا يَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ، فَأَمَّا الرِّجَالُ فَإِنَّ الله لَمْ يَنْهَ رَسُولَهُ عَنْ رَدِّهِمْ إلى الْكُفَّارِ وَفَاءً بِالشَّرْطِ وَتَتْمِيمًا لِلصُّلْحِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَمَّا كَانَ رَدُّهُنَّ فِيهِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ أَمَرَ الله الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَاءَهُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ وَشَكُّوا فِي صِدْقِ إِيمَانِهِنَّ، أَنْ يَمْتَحِنُوهُنَّ وَيَخْتَبِرُوهُنَّ بِمَا يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُهُنَّ، مِنْ أَيْمَانٍ مُغَلَّظَةٍ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِيمَانُهَا غَيْرَ صَادِقٍ بَلْ رَغْبَةً فِي زَوْجٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ.

فَإِذا كُنَّ بِهَذَا الْوَصْفِ تَعَيَّنَ رَدُّهُنَّ وَفَاءً بِالشَّرْطِ، مِنْ غَيْرِ حُصُولِ مَفْسَدَةٍ، وَإِنِ امْتَحَنُوهُنَّ فَوُجِدْنَ صَادِقَاتٍ، أَوْ عَلِمُوا ذَلِكَ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ امْتِحَانٍ، فَلَا يُرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ، {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ كَبِيرَةٌ فِي رَدِّهِنَّ رَاعَاهَا الشَّارِعُ، وَرَاعَى أَيْضًا الْوَفَاءَ بِالشَّرْطِ، بِأَنْ يُعْطُوا الْكُفَّارَ أَزْوَاجَهُنَّ مَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِنَّ مِنَ الْمَهْرِ وَتَوَابِعِهِ عِوَضًا عَنْهُنَّ، وَلَا جَنَاحَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ وَلَوْ كَانَ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي دَارِ الشِّرْكِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُؤْتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَكَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِلْكَافِرِ، فَكَذَلِكَ الْكَافِرَةُ لَا تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُمْسِكَهَا مَا دَامَتْ عَلَى كُفْرِهَا، غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وَإِذَا نَهَى عَنِ الْإِمْسَاكِ بِعِصْمَتِهَا فَالنَّهْيُ عَنِ ابْتِدَاءِ تَزْوِيجِهَا أَوْلَى، {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ}

– الشيخ : يعني الكافرةُ يحرم نكاحُها ابتداءً واستدامةً، فمَن أسلمَ وتحتَه كافرةٌ حَرُمَتْ عليه، وإن أسلمَتْ هي حَرُمَ عليها وتعلَّق أمرُ نكاحِها على أمرِ العِدَّة فإنْ أسلمَ الآخر في العِدَّة فهما على نكاحِهما، وبعضُ أهلِ العلمِ يقول: إذا أسلمَ الآخرُ فهما على نكاحهِما ولو بعدَ العِدَّة ما لم تتزوج ما دامت يرغبُ كلٌّ منهما في العودة.

 

– القارئ : {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، حِينَ تَرْجِعُ زَوْجَاتُكُمْ مُرْتَدَّاتٍ إلى الْكُفَّارِ، فَإِذَا كَانَ الْكُفَّارُ يَأْخُذُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَفَقَةَ مَنْ أَسْلَمَتْ مِنْ نِسَائِهِمُ، اسْتَحَقَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ يَأْخُذُوا مُقَابَلَةَ مَا ذَهَبَ مِنْ زوجاتِهم إلى الْكُفَّارِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْبِضْعِ مِنَ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، فَإِذَا أَفْسَدَ مُفْسِدٌ نِكَاحَ امْرَأَةِ رَجُلٍ بِرِضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمَهْرِ، وَقَوْلُهُ: {ذَلِكُمْ حُكْمُ الله} أَيْ: ذَلِكُمُ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الله هوَ حكمُ اللهِ بَيَّنَهُ لَكُمْ حُكْمُ الله بَيَّنَهُ لَكُمْ وَوَضَّحَهُ {وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فَيَعْلَمُ -تعالى- مَا يَصْلُحُ لَكُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَيُشَرِّعُهُ بِحَسَبِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ .

وقوله: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إلى الْكُفَّارِ}

الشيخ : إلى آخره

القارئ : أحسن الله إليكم.