الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصف/(2) من قوله تعالى {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم} الآية 6 إلى قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا كونوا أنصار الله} الآية 9
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم} الآية 6 إلى قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا كونوا أنصار الله} الآية 9

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  الصَّف

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:6-9]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله.

الحمدُ للهِ، كذلكَ يخبرُ اللهُ عن عبدِه ورسولِه عيسى ابن مريمَ -عليهِ السَّلامُ- وأنَّه قالَ لبني إسرائيلَ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} هو رسولٌ كغيرِه من الرُّسلِ، بل قالَ اللهُ تعالى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الحديد:27]، وقال سبحانه وتعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [المائدة:75]

فهو عبدُ اللهِ ورسولُهُ وكلمتُهُ ألقاها إلى مريمَ، لا ما تقولُ النَّصارى إنَّه ابنُ اللهِ، فبنو إسرائيلَ انقسمُوا في المسيحِ إلى فريقين، أو ثلاثةٍ: فريقٌ كذَّبُوه وقالوا ما قالُوا إنَّه ابنُ بغيٍّ، وهم اليهودُ، وآخرون قالُوا: إنَّه ابنُ اللهِ، وهم المنتسبون إليه الَّذين يزعمون أنَّهم يتَّبعونه وليسُوا بالمتَّبعين له، والفرقةُ الثَّالثةُ هم الَّذين آمنوا بهِ وأنَّه عبدُ اللهِ ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ فبرِئُوا من الطَّائفتَينِ من اليهودِ الَّذين جفوا في حقِّ المسيحِ، والنَّصارى الَّذين غلَوا في المسيحِ، والحقُّ دائمًا وسطٌ بينَ ضلالتَينِ أو باطلَينِ.

يقولُ عليه السَّلامُ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} فجاءَ يصدِّقُ التَّوراةَ الَّتي نزلَتْ على موسى، بل ويحكمُ بها إلَّا ما نُسِخَ منها، كما في الآيةِ الأخرى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50]

{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ} فهو مصدِّقٌ لموسى وكتابِهِ، ومبشِّرٌ بالرَّسولِ الآتي وهو محمَّدٌ ومِن أسمائِه أحمدُ فاسمُه في الإنجيلِ أحمد، وفي التَّوراة محمَّد، وهو آخرُ…، عيسى -عليهِ السَّلامُ- آخرُ مَن بشَّرَ بمحمَّدٍ خاتمِ النَّبيِّينَ صلواتُ الله عليهِ وعليهم أجمعينَ. {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}.

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} هؤلاءِ هم اليهودُ هم الَّذين قالوا: إنَّه ساحرٌ وأنَّه كذا وكذا، وكذَّبوه وفي آخرِ الأمرِ زعمُوا أنَّهم صلبُوه وأرادُوا قتلَه وأرادُوا صلبَه وزعمُوا أنَّهم صلبُوه وما صلبُوه {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157]

{قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} قالَ اللهُ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ} لا أظلمَ منه، لا أحدَ أظلمُ ممَّن افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الحقِّ فيُعرِضُ عنه ويكذبُ على اللهِ {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

قالَ اللهُ: {يُرِيدُونَ} هؤلاءِ الكفَّارُ المفترونَ على اللهِ الكذبَ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} فالكفَّارُ يريدون إطفاءَ نورِ اللهِ وهو هداهُ الَّذي بعثَ به رسلَه، الهدى الَّذي بعثَ اللهُ به رسلَهُ هو نورُ اللهِ والكفَّارُ يريدون إطفاءَه ويريدون إزالتَه وصدَّ أهلِه عن الاستقامةِ عليه، وهذا مطلبٌ للكافرين قديمًا وحديثًا، أعداءُ الرُّسلِ كلُّهم هذا مطلبُهم إلى اليومِ، فالكفَّارُ اليوم يريدون إزالةَ الإسلامِ وصدَّ أهلِه عنه ويبذلون في ذلك أنواعَ الجهودِ الوقتيَّةِ والماليَّةِ والفكريَّةِ وجميعَ الوسائلِ كما يقولُ تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]، ويقولُ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا} [النساء:89]، فهم صادُّون عن دينِ اللهِ في أنفسِهم ويريدون صدَّ غيرِهم عنه.

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} وهذا وعدٌ من اللهِ محقَّقٌ أنَّ اللهَ سيتمُّ نورَه ويظهرُ دينَه {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} محمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} وقد أظهرَ اللهُ هذا الدِّينَ على جميعِ الأديانِ الباطلةِ، فنصرَ اللهُ نبيَّه على كلِّ من حاربَه من الكفَّار والمشركين، ونصرَ دينَه في عهد الخلفاءِ الرَّاشدين، فجاهدوا في سبيلِ اللهِ، وقاتلوا المرتدِّين، وفتحُوا بلادَ الشَّرق والغربِ حتَّى نشرُوا دينَ اللهِ في الشَّرق والغرب، وكلُّ هذا من إظهارِ الدِّينِ، وكلُّ هذا مِن حفظِ اللهِ لدينِهِ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} الآياتِ:

يقولُ تعالى مُخبِرًا عن عنادِ بني إسرائيلَ المتقدِّمِينَ، الَّذينَ دعاهم عيسى ابنُ مريمَ، وقالَ لهم: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} أي: أرسلَني اللهُ لأدعوَكم إلى الخيرِ وأنهاكم عن الشَّرِّ، وأيَّدَني بالبراهينِ الظَّاهرةِ، وممَّا يدلُّ على صدقي، كوني، {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} أي: جئْتُ بما جاءَ بهِ موسى مِن التَّوراةِ والشَّرائعِ السَّماويَّةِ، ولو كنْتُ مدَّعيًا للنُّبوَّةِ، لجئْتُ بغيرِ ما جاءَ بهِ المرسلونَ

– الشيخ : يعني "لو كنْتُ مدَّعيًا للنُّبوَّةِ" يعني: كذبًا وإلَّا هو أخبرَ بأنَّه رسولٌ لكنَّه ليسَ مدَّعٍ ادِّعاءَ الكاذبين لكنَّه هو ادَّعى النُّبوَّة ادِّعاءَ الصَّادقين حتَّى قالَ لهم: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ}.

 

– القارئ : ومُصدِّقًا لِمَا بينَ يديَّ مِن التَّوارةِ أيضًا، أنَّها أخبرَتْ بي وبشَّرَتْ، فجئْتُ وبُعِثْتُ مصداقًا لها {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} وهوَ: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنُ عبدِ المطَّلبِ النَّبيُّ الهاشميُّ.

فعيسى -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، كسائرِ الأنبياءِ يصدِّقُ بالنَّبيِّ السَّابقِ، ويبشِّرُ بالنَّبيِّ اللَّاحقِ، بخلافِ الكذَّابِينَ، فإنَّهم يناقضونَ الأنبياءَ أشدَّ مناقضةٍ، ويخالفونَهم في الأوصافِ والأخلاقِ، والأمرِ والنَّهيِ {فَلَمَّا جَاءَهُمْ} محمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذي بشَّرَ بهِ عيسى {بِالْبَيِّنَاتِ} أي: الأدلَّةِ الواضحةِ، الدَّالَّةِ على أنَّهُ هوَ، وأنَّهُ رسولُ اللهِ حقًّا.

{قَالُوا} معانِدِينَ للحقِّ مكذِّبِينَ لهُ {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} وهذا مِن أعجبِ العجائبِ، الرَّسولُ الَّذي قد وضحَتْ رسالتُهُ، وصارَتْ أبينَ مِن شمسِ النَّهارِ، يُجعَلُ ساحرًا بيِّنًا سحرُهُ، فهل في الخذلانِ أعظمُ مِن هذا؟

– الشيخ : هذا مشى الشَّيخُ على أنَّ قولَه: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أنَّه محمَّدٌ، والقولُ الثَّاني أنَّه عيسى، أنَّ عيسى لما جاءَ بني إسرائيلَ بالبيِّناتِ قالُوا: {هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} ففيها قولانِ للمفسِّرين وكلٌّ منهما معناه صحيحٌ، فبنو إسرائيلَ اليهودُ كما قالَ اللهُ تعالى: {فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [المائدة:110]، كما في سورة المائدة، قال الله: {وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [المائدة:110]، فاليهودُ قالوا لعيسى أنَّه ساحرٌ، والمشركون والنَّصارى قالوا في محمَّدٍ إنَّه ساحرٌ.

 

– القارئ : وهل في الافتراءِ أبلغُ مِن هذا الافتراءِ، الَّذي نفى عنهُ ما كانَ معلومًا مِن رسالتِهِ، وأثبتَ لهُ ما كانَ أبعدَ النَّاسِ منهُ؟

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} بهذا وغيرِهِ، والحالُ أنَّهُ لا عذرَ لهُ، وقد انقطعَتْ حجَّتُهُ، لأنَّهُ {يُدْعَى إِلَى الإسْلامِ} ويُبيَّنُ لهُ ببراهينِهِ وبيِّناتِهِ، {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الَّذينَ لا يزالونَ على ظلمِهم مستقيمينَ، لا تردُّهم عنهُ موعظةٌ

– الشيخ : مستقيمين؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : لو كانَت "مقيمين" كانَتْ أنسبَ للسِّياقِ، لا يزالون مقيمينَ، لا يزالون على ظلمِهم مقيمين، أمَّا "مستقيمين": الاستقامةُ لا تناسبُ الظَّالمين، فالمناسبُ أنْ تكونَ الكلمةُ "مقيمين"، لا يزالون على ظلمِهم مقيمين.

 

– القارئ : لا تردُّهم عنهُ موعظةٌ، ولا يزجرُهم بيانٌ ولا برهانٌ، خصوصًا هؤلاءِ الظَّلمةِ القائمينَ بمقابلةِ الحقِّ ليردُّوهُ، ولينصرُوا الباطلَ، ولهذا قالَ اللهُ عنهم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} أي: بما يصدرُ منهم مِن المقالاتِ الفاسدةِ، الَّتي يردُّونَ بها الحقَّ، وهيَ لا حقيقةَ لها، بل تزيدُ البصيرَ معرفةً بما هم عليهِ مِن الباطلِ، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} أي: قد تكفَّلَ اللهُ بنصرِ دينِهِ، وإتمامِ الحقِّ الَّذي أرسلَ بهِ رسلَهُ، وإظهارِ نورِهِ على سائرِ الأقطارِ، ولو كرهَ الكافرونَ، وبذلُوا بسببِ كراهتِهم كلَّ ما قدرُوا عليهِ ممَّا يتوصَّلونَ بهِ إلى إطفاءِ نورِ اللهِ فإنَّهم مغلوبونَ.

ومثلُهم كمثلِ مَن ينفخُ عينَ الشَّمسِ بفيهِ ليطفئَها، فلا على مرادِهم حصلُوا، ولا سلمَتْ عقولُهم مِن النَّقصِ والقدحِ فيها.

ثمَّ ذكرَ سببَ الظُّهورِ والانتصارِ للدِّينِ الإسلاميِّ، الحسِّيِّ والمعنويِّ، فقالَ: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} أي: بالعلمِ النَّافعِ والعملِ الصَّالحِ.

بالعلمِ الَّذي يهدي إلى اللهِ وإلى دارِ كرامتِهِ، ويهدي لأحسنِ الأعمالِ والأخلاقِ، ويهدي إلى مصالحِ الدُّنيا والآخرةِ.

{وَدِينِ الْحَقِّ} أي: الدِّينُ الَّذي يُدانُ بهِ، ويُتعبَّدُ لربِّ العالمينَ الَّذي هوَ حقٌّ وصدقٌ، لا نقصَ فيهِ، ولا خللَ يعتريهِ، بل أوامرُهُ غذاءُ القلوبِ والأرواحِ، وراحةُ الأبدانِ، وتركُ نواهيهِ سلامةً مِن الشَّرِّ والفسادِ فما بُعِثَ بهِ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِن الهدى ودينِ الحقِّ، أكبرُ دليلٍ وبرهانٍ على صدقِهِ، وهوَ برهانٌ باقٍ ما بقيَ الدَّهرُ، كلَّما ازدادَ العاقلُ تفكُّرًا، ازدادَ بهِ فرحًا وتبصُّرًا.

{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي: ليعليَهُ على سائرِ الأديانِ، بالحجَّةِ والبرهانِ، ويَظهرَ أهلُهُ القائمينَ بهِ بالسَّيفِ والسِّنانِ

– الشيخ : القائمونَ بهِ

– طالب: لعلَّها ويُظهِرَ أهلَهُ

– الشيخ : ويُظهِرَ جيِّد جيِّد ويُظهِرَ أهلَهُ القائمينَ به

– القارئ : ويُظهِرَ أهلَهُ القائمينَ بهِ بالسَّيفِ والسِّنانِ، فأمَّا نفسُ الدِّينِ، فهذا الوصفُ ملازمٌ لهُ في كلِّ وقتٍ، فلا يمكنُ أنْ يغالبَهُ مغالبٌ، أو يخاصمَهُ مخاصِمٌ إلَّا فلجَهُ وبلسَهُ، وصارَ لهُ الظُّهورُ والقهرُ، وأمَّا المنتسِبونَ إليهِ، فإنَّهم إذا قامُوا بهِ، واستنارُوا بنورِهِ، واهتدَوا بهديِهِ، في مصالحِ دينِهم ودنياهم، فكذلكَ لا يقومُ لهم أحدٌ، ولا بدَّ أنْ يظهرُوا على أهلِ الأديانِ، وإذا ضيَّعُوهُ واكتفَوا منهُ بمجرَّدِ الانتسابِ إليهِ، لم ينفعْهم ذلكَ، وصارَ إهمالُهم لهُ سببَ تسليطِ الأعداءِ عليهم، ويعرفُ هذا مَن استقرأَ الأحوالَ ونظرَ في أوَّلِ المسلمِينَ وآخرِهم. انتهى

– الشيخ : باركَ اللهُ بكَ .