الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الملك/(4) من قوله تعالى {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات} الآية 19 إلى قوله تعالى {قل إنما العلم عند الله} الآية 26
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات} الآية 19 إلى قوله تعالى {قل إنما العلم عند الله} الآية 26

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الملك

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ * أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ * أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الملك:19-26]

– الشيخ : إلى هنا.

لما هدَّد -سبحانه وتعالى- الكافرينَ بالخَسف أو بالحاصِب، وذكَّرهم بالأمم الماضية التي سلكُوا سبيلَها {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الملك:18] ماذا فعل الله بهم {فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40] ذَكَرَ بعد ذلك وذكَّر ببعض آياته الكونية الـمُشاهَدة الدَّالة على قدرته وعلى حكمتِه سبحانه فقال:

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} الله خلقَ هذه الحيوانات وأعطاها مِن القدرة ما ترتفعُ به في أجواء السماء {أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ} [النحل:79] كما في الآية الأخرى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:88،87] فهذه نظير هذه الآية في سورةِ النحل نظيرةٌ لهذه الآية في سورةِ الملك، يُنبِّه -سبحانه وتعالى- على ما في هذا الطير مِن الآياتِ الدالَّة على قدرته -سبحانه- فهو الذي أَقْدَرَهَا وسخَّر لها الجو تسبحُ فيه، تصفُّ أجنحتَها تارةً وتَقبِضُها أخرى، فترى الطير تارةً تكون أجنحتُه ممتدةً راكدةً، وتارةً تتحرك خفضًا ورفعًا {وَيَقْبِضْنَ}.

{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} هو الذي أمسكَها في الهواء وفي الجوِّ مرتفعةً، وبعضُها صغار وبعضُها كبار، يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور:41] وهو ممسكٌ لها بأسبابٍ قدَّرها وخلقَها، وهكذا أيضًا هذه المصنوعاتُ التي أقدرَ اللهُ عليها العبادَ سخَّر الله لها الجوَّ كما سخَّر البحرَ للفُلك، سخَّرَ البحرَ للفلكِ تجري فيه بأمرِ الله كذلك سخَّر الجوَّ تسيرُ فيه الطائرات، وكلٌّ منهما مِن صنعِ البشرِ الفُلْك والطائرات، كلُّها مُسخَّرة، وإذا كان للبشرِ دَور وتَسبُّبٌ منها فمَن الذي علَّمهم؟ فالله هو الذي علَّم الإنسانَ العلومَ التي يتوصَّل بها إلى مصالحِه وإلى أمورٍ يطلبُها، فكلُّ العلوم التي عند البشرِ -العلوم التجريبية- كلُّها بتعليمِ الله، أعطاهُم العقولَ وأعطاهم الوسائلَ، إذًا مَن الممسكُ للطائراتِ في الجوِّ؟ هو الله هو الـمُمْسك لها، هذا الأمر لا يَختصُّ بالطيرِ الذي خلقَه الله، بل هو -سبحانه وتعالى- الـمُمْسِك لهذه المخلوقاتِ وجعلَ لها أسبابًا تحملُها.

ثم قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ} يعني: هذا تهديدٌ وتوبيخٌ للكفار الذين عَتَوا عن أمرِ الله، هل لكمْ جندٌ؟ مَن ينصركُم مِن دونَ الله {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} الكفارُ في غرورٍ، كما قالَ قومُ هود: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:15] فهذه صورةٌ مِن صور الغُرور، والأمم الكافرة الآن التي مكَّنَ الله لها بأسبابٍ وأعطاها مِن القُدَرِ في هذه الحضارة هُم أيضًا يعيشونَ هذا الشعورَ شعور الغُرور، شعور الغُرور، {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ}  هم الآن في غُرور، وهم يَعيشون في حالةِ مَكْر مِن مكرِ الله بهم فاللهُ يمكرُ بهم ويستدرجُهم مِن حيثُ لا يعلمون، {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ}، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} يعني ليس لكم جندٌ ينصركُم مِن دون الله.

{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} يذكرهم -تعالى- بأنه الذي يسَّرَ لهم الأرزاق بما خلقَ مِن الأسبابِ وما هداهم إليه مِن الطرقِ، كما قال سبحانه: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ} [البقرة:22]

{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} الكفار سَادِرونَ في غَيِّهم وعَمَاهُم، مُعَانِدُون مُعَارِضُون لِرُسُلِ الله {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} يعني: هذا الذي يرزقُكُم لو أمسكَ رزقَه، ماذا تكون حالُكُم؟ فالله هو الذي يرزقكُم -سبحانه وتعالى- كما قال ابراهيم {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت:17] فهو الخالقُ وهو الرازقُ، هو الخالقُ الرازقُ، الـمُحيي الـمُمِيت المـُعطي المانعُ، سبحانه وتعالى.

ثم يقول تعالى مُنبِّهًا على التَّباين بين الضَّالِّ والمهتدي {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} شتَّان بينَ النَّوعَيْن، هذا الذي يمشي في الطريقِ مُنكبًّا على وجهِه، ومَن يمشي مستقيمًا على طريقٍ واضحٍ بَيِّن هل يستويان؟ لا يستويان {أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

  ثم يُذكِّر ببعضِ نِعَمِهِ التي تدخلُ في تَكوينِهِم: السمعُ والبصرُ والعقولُ، {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}.

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} الآية.

وَهَذَا عِتَابٌ وَحَثٌّ عَلَى النَّظَرِ إِلَى حَالَةِ الطَّيْرِ الَّتِي سَخَّرَهَا اللَّهُ، وَسَخَّرَ لَهَا الْجَوَّ وَالْهَوَاءَ، تَصُفُّ فِيهِ أَجْنِحَتَهَا لِلطَّيَرَانِ، وَتَقْبِضُهَا لِلْوُقُوعِ، فَتَظَلُّ سَابِحَةً فِي الْجَوِّ، مُتَرَدِّدَةً فِيهِ بِحَسَبِ إِرَادَتِهَا وَحَاجَتِهَا.

{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ} فَإِنَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَهُنَّ الْجَوَّ، وَجَعَلَ أَجْسَادَهَا وَخِلْقَتَهَا فِي حَالَةٍ مُسْتَعِدَّةٍ لِلطَّيَرَانِ، فَمَنْ نَظَرَ فِي حَالَةِ الطَّيْرِ وَاعْتَبَرَ فِيهَا، دَلَّتْهُ عَلَى قُدْرَةِ الْبَارِي وَعِنَايَتِهِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَأَنَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الَّذِي لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} فَهُوَ الْمُدَبِّرُ لِعِبَادِهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَتَقْتَضِيهِ حِكْمَتُهُ.

قال الله تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى لِلْعُتَاةِ النَّافِرِينَ عَنْ أَمْرِهِ، الْمُعْرِضِينَ عَنِ الْحَقِّ: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} أَيْ: يَنْصُرُكُمْ إِذَا أَرَادَ بِكُمُ الرَّحْمَنُ سُوءًا، فَيَدْفَعُهُ عَنْكُمْ؟ أَيْ: مَنِ الَّذِي يَنْصُرُكُمْ عَلَى أَعْدَائِكُمْ غَيْرُ الرَّحْمَنِ؟ فَإِنَّهُ -تَعَالَى- هُوَ النَّاصِرُ الْمُعِزُّ الْمُذِلُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْخَلْقِ، لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى نَصْرِ عَبْدٍ، لَمْ يَنْفَعُوهُ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ، عَلَى أَيِّ عَدُوٍّ كَانَ، فَاسْتِمْرَارُ الْكَافِرِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ، بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَنْصُرُهُمْ أَحَدٌ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ، غُرُورٌ وَسَفَهٌ.

{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} أَيِ: الرِّزْقُ كُلُّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلَوْ أَمْسَكَ عَنْكُمْ رِزْقَهُ، فَمَنِ الَّذِي يُرْسِلُهُ لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخَلْقَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رِزْقِ أَنْفُسِهِمْ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ؟ فَالرَّزَّاقُ الْمُنْعِمُ، الَّذِي لَا يُصِيبُ الْعِبَادَ نِعْمَةً إِلَّا مِنْهُ، هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ، وَلَكِنِ الْكَافِرُونَ {لَجُّوا} أَيِ: اسْتَمَرُّوا {فِي عُتُوٍّ} أَيْ: قَسْوَةٍ وَعَدَمِ لِينٍ لِلْحَقِّ {وَنُفُورٍ} أَيْ: شُرُودٍ عَنِ الْحَقِّ.

قال الله تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} الآيات.

أَيْ: أَيُّ الرَّجُلَيْنِ أَهْدَى؟ مَنْ كَانَ تَائِهًا فِي الضَّلَالِ، غَارِقًا فِي الْكُفْرِ قَدِ انْتَكَسَ قَلْبُهُ، فَصَارَ الْحَقُّ عِنْدَهُ بَاطِلًا وَالْبَاطِلُ حَقًّا؟ أوَ مَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَقِّ، مُؤْثِرًا لَهُ، عَامِلًا بِهِ، يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ؟ فَبِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَى حَالِ الرَّجُلَيْنِ، يُعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالْمُهْتَدِي مِنَ الضَّالِّ مِنْهُمَا، وَالْأَحْوَالُ أَكْبَرُ شَاهِدٍ مِنَ الْأَقْوَالِ.

قال الله تعالى {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى -مُبَيِّنًا أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، وَدَاعِيًا عِبَادَهُ إِلَى شُكْرِهِ، وَإِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ-: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ} أَيْ: أَوَجَدَكُمْ مِنَ الْعَدَمِ، مِنْ غَيْرِ مُعَاوِنٍ لَهُ وَلَا مُظَاهِرٍ، وَلَمَّا أَنْشَأَكُمْ كَمَّلَ لَكُمُ الْوُجُودَ إذ {وَجَعَلَ لَكُمُ ِالسَّمْعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْأَفْئِدَةِ} وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَفْضَلُ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ وَأَكْمَلُ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةِ، وَلَكِنَّكُمْ مَعَ هَذَا الْإِنْعَامِ {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} اللَّهَ، قَلِيلٌ مِنْكُمُ الشَّاكِرُ، وَقَلِيلٌ مِنْكُمُ الشُّكْرُ.

{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ} أَيْ: بَثَّكُمْ فِي أَقْطَارِهَا، وَأَسْكَنَكُمْ فِي أَرْجَائِهَا، وَأَمَرَكُمْ، وَنَهَاكُمْ، وَأَسْدَى عَلَيْكُمْ مِنَ النِّعَمِ، مَا بِهِ تَنْتَفِعُونَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْشُرُكُمْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَلَكِنَّ هَذَا الْوَعْدَ بِالْجَزَاءِ، يُنْكِرُهُ هَؤُلَاءِ الْمُعَانِدُونَ وَيَقُولُونَ تَكْذِيبًا: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

– الشيخ : إلى آخره .