الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(11) ترتيب أهل الأهواء على أقسام “قوله وقد يجتمع في العبد إيمان ونفاق”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(11) ترتيب أهل الأهواء على أقسام “قوله وقد يجتمع في العبد إيمان ونفاق”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الحادي عشر

***    ***    ***    ***

– القارئ: أحسنَ الله إليكم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبِهِ أجمعين، اللهمَّ اغفر لنا ولشيخِنا وللمسلمين يا ربَّ العالمين، قال شيخُ الإسلامِ رحمهُ اللهُ تعالى:
وَقَد يَجتَمِعُ فِي العَبدِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ كَمَا فِي الصَّحِيحَينِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(أَربَعٌ مَن كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَن كَانَت فِيهِ خَصلَةٌ مِنهُنَّ كَانَت فِيهِ خَصلَةٌ مِن النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا، إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا اُؤتُمِنَ خَانَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ).
وَأَصلُ هَؤُلَاءِ أَنَّ الإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَفَاضَلُ؛ بَل هُوَ شَيءٌ وَاحِدٌ

– الشيخ: المرجئة، نعم
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، أَنَّ الإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَتَفَاضَلُ؛ بَل هُوَ شَيءٌ وَاحِدٌ يَستَوِي فِيهِ جَمِيعُ العِبَادِ فِيمَا أَوجَبَهُ الرَّبُّ مِن الإِيمَانِ وَفِيمَا يَفعَلُهُ العَبدُ مِن الأَعمَالِ، فَغَلِطُوا فِي هَذَا وَهَذَا، ثُمَّ تَفَرَّقُوا كَمَا تَقَدَّمَ. وَصَارَت المُرجِئَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقوَالٍ: فَعُلَمَاؤُهُم وَأَئِمَّتُهُم أَحسَنُهُم قَولًا؛ وَهُوَ أَن قَالُوا: الإِيمَانُ تَصدِيقُ القَلبِ وَقَولُ اللِّسَانِ، وَقَالَت الجهمية: هُوَ تَصدِيقُ القَلبِ فَقَط، وَقَالَت الكُرَّامِيَّةُ هُوَ القَولُ فَقَط، فَمَن تَكَلَّمَ بِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ كَامِلُ الإِيمَانِ، لَكِن إن كَانَ مُقِرًّا بِقَلبِهِ كَانَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، وَإِن كَانَ مُكَذِّبًا بِقَلبِهِ كَانَ مُنَافِقًا مُؤمِنًا مِن أَهلِ النَّارِ. وهذا القول..
– الشيخ: مُنَافِقًا مُؤمِناً، لَاحِظ، يعني، نعم
– القارئ: وَإِن كَانَ مُكَذِّبًا بِقَلبِهِ كَانَ مُنَافِقًا مُؤمِنًا مِن أَهلِ النَّارِ. وَهَذَا القَولُ هُوَ الَّذِي اختَصَّت بِهِ الكَرَّامِيَّةُ وَابتَدَأتهُ، وَلَم يَسبِقهَا أَحَدٌ إلَى هَذَا القَولِ، وَهُوَ آخِرُ مَا أُحدِثَ مِن الأَقوَالِ فِي الإِيمَانِ، وَبَعضُ النَّاسِ يُحكَى عَنهُم أَنَّ مَن تَكَلَّمَ بِهِ..
– الشيخ: يَحكي.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَبَعضُ النَّاسِ يحكي عَنهُم أَنَّ مَن تَكَلَّمَ بِهِ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلبِهِ فَهُوَ مِن أَهلِ الجَنَّةِ، وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيهِم؛ بَل يَقُولُونَ: إنَّهُ مُؤمِنٌ كَامِلُ الإِيمَانِ وَإِنَّهُ مِن أَهلِ النَّارِ، فَيَلزَمُهُم أَن يَكُونَ المُؤمِنُ الكَامِلُ الإِيمَانِ مُعَذَّبًا فِي النَّارِ؛ بَل يَكُونُ مُخَلَّدًا فِيهَا. وَقَد تَوَاتَرَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: (يَخرُجُ مِنهَا مَن كَانَ فِي قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ مِن إيمَانٍ). وَإِن قَالُوا: لَا يُخَلَّدُ وَهُوَ مُنَافِقٌ؛ لَزِمَهُم أَن يَكُونَ المُنَافِقُونَ يَخرُجُونَ مِن النَّارِ، وَالمُنَافِقُونَ قَد قَالَ اللَّهُ فِيهِم: إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]
– الشيخ:
آمنتُ بالله، أعوذُ بالله من النار
– القارئ: إِنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّركِ الأَسفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُم نَصِيرًا [النساء:145] وَقَد نَهَى اللَّهُ نَبِيَّهُ عَن الصَّلَاةِ عَلَيهِم وَالِاستِغفَارِ لَهُم وَقد قَالَ لَهُ: استَغفِر لَهُم أَو لَا تَستَغفِر لَهُم إِن تَستَغفِر لَهُم سَبعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغفِرَ اللَّهُ لَهُم [التوبة:80]، وَقَالَ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنهُم مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُم عَلَى قَبرِهِ  إِنَّهُم كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُم فَاسِقُونَ [التوبة:84] وَقَد أَخبَرَ أَنَّهُم كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ.
فَإِن قَالُوا: هَؤُلَاءِ قَد كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلسِنَتِهِم سِرًّا فَكَفَرُوا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُؤمِنًا إذَا تَكَلَّمَ بِلِسَانِهِ وَلَم يَتَكَلَّم بِمَا يَنقُضُهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ رِدَّةٌ عَن الإِيمَانِ. قِيلَ لَهُم: وَلَو أَضمَرُوا النِّفَاقَ وَلَم يَتَكَلَّمُوا بِهِ كَانُوا مُنَافِقِينَ، قَالَ تَعَالَى: يَحذَرُ المُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيهِم سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِم  قُلِ استَهزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخرِجٌ مَا تَحذَرُونَ [التوبة:64] وَأَيضًا قَد أَخبَرَ اللَّهُ عَنهُم أَنَّهُم يَقُولُونَ بِأَلسِنَتِهِم مَا لَيسَ فِي قُلُوبِهِم، وَأَنَّهُم كَاذِبُونَ فَقَالَ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤمِنِينَ [البقرة:8]
وَقَالَ تَعَالَى: إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1]
وَقَد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:
(الإِسلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالإِيمَانُ فِي القَلبِ)، وَقَد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا قُل لَم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم [الحجرات:14]، وَفِي الصَّحِيحَينِ عَن سَعدٍ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَعطَى رِجَالًا وَلَم يُعطِ رَجُلًا، فَقُلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعطَيتَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَتَرَكت فُلَانًا وَهُوَ مُؤمِنٌ؟ فَقَالَ: "أَو مُسلِمٌ" مَرَّتَينِ أَو ثَلَاثًا). وَبَسطُ الكَلَامِ فِي هَذَا لَهُ مَوَاضِعُ أُخَرُ، وَقَد صَنَّفتُ فِي ذَلِكَ مُجَلَّدَاً غَيرَ مَا صَنَّفت فِيهِ غَيرَ ذَلِكَ..
– الشيخ: يعني غَيرَ ما صنَّفتُ غيرَ هذا المُجلَّد، صنَّفتُ فيه أنواع؛ هذا المُجلَّدُ وغيرُه
– القارئ: وَكَلَامُ النَّاسِ فِي هَذَا الاسمِ وَمُسَمَّاهُ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهُ قُطبُ الدِّينِ الَّذِي يَدُورُ عَلَيهِ، وَلَيسَ فِي القَولِ اسمٌ عُلِّقَ بِهِ السَّعَادَةُ وَالشَّقَاءُ وَالمَدحُ وَالذَّمُّ وَالثَّوَابُ وَالعِقَابُ أَعظَمَ مِن اسمِ الإِيمَانِ وَالكُفرِ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا الأَصلُ: "مَسَائِلَ الأَسمَاءِ وَالأَحكَامِ"، وَقَد رَأَيتُ لِابنِ الهَيصَمِ فِيهِ مُصَنَّفًا فِي أَنَّهُ قَولُ اللِّسَانِ فَقَط، وَرَأَيتُ لِابنِ الباقلَّانيّ فِيهِ مُصَنَّفًا أَنَّهُ تَصدِيقُ القَلبِ فَقَط..
– الشيخ: اللهُ أكبر، كالَّذي يصنّف حَسبَ ما انتهى إليه فهمُه ورأيُه
– القارئ: وَكِلَاهُمَا فِي عَصرٍ وَاحِدٍ، وَكِلَاهُمَا يَرُدُّ عَلَى المُعتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ، والمَقصُودُ هُنَا..
– الشيخ: قف على "المقصود".
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة