الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(16) من اتبع ما يرد عليه من الخطاب “قوله وكثير من هؤلاء يظن أن النبي…”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(16) من اتبع ما يرد عليه من الخطاب “قوله وكثير من هؤلاء يظن أن النبي…”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس السّادس عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، اللهُمَّ اغفر لنا ولشيخِنا وللمسلمين، قَالَ شيخُ الإسلامِ رحمهُ اللهُ تعالى:
وَكَثِيرٌ مِن هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَفسَهُ أَو غَيرَهُ مِن الأَنبِيَاءِ أَو الصَّالِحِينَ يأتيهِ فِي اليَقَظَةِ، وَمَن يَرَى ذَلِكَ عِندَ قَبرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَو – الشيخ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي أَنَّهُ إيَّاهُ مَن قَالَ إنَّهُ النَّبِيُّ أَو – الشيخ أَو قِيلَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِ، لَكِن غَلِطَ حَيثُ ظَنَّ صِدقَ أُولَئِكَ.
وَاَلَّذِي لَهُ عَقلٌ وَعِلمٌ يَعلَمُ أَنَّ هَذَا لَيسَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ تَارَةً لِمَا يَرَاهُ مِنهُم مِن مُخَالَفَةِ الشَّرعِ مِثلَ أَن يأمروهُ بِمَا يُخَالِفُ أَمرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَارَةً يَعلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يأتي أَحَدًا مِن أَصحَابِهِ بَعدَ مَوتِهِ فِي اليَقَظَةِ، وَلَا كَانَ يُخَاطِبُهُم مِن قَبرِهِ؛ فَكَيفَ يَكُونُ هَذَا لِي، وَتَارَةً يَعلَمُ أَنَّ المَيِّتَ لَم يَقُم مِن قَبرِهِ، وَأَنَّ رُوحَهُ فِي الجَنَّةِ لَا تَصِيرُ فِي الدُّنيَا هَكَذَا. وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا لِكَثِيرِ مِن هَؤُلَاءِ، وَيُسَمُّونَ تِلكَ الصُّورَةَ رَقِيقَةَ فُلَانٍ. وَقَد يَقُولُونَ: هُوَ مَعنَاهُ تَشَكُّلَ، وقد يقولون: روحَانِيَّتُهُ. وَمِن هَؤُلَاءِ مَن يَقُولُ: إذَا مُتُّ فَلَا تَدَعُوا أَحَدًا يُغَسِّلُنِي، وَلَا فُلَانًا يَحضُرُنِي؛ فَإِنِّي أَنَا أَغسِلُ نَفسِي. فَإِذَا مَاتَ رَأَوهُ قَد جَاءَ وَغَسَلَ ذَلِكَ البَدَنَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ جِنِّيًّا قَد قَالَ لِهَذَا المَيِّتِ إنَّك تَجِيءُ بَعدَ المَوتِ وَاعتَقَدَ ذَلِكَ حَقًّا؛ فَإِنَّهُ كَانَ فِي حَيَاتِهِ يَقُولُ لَهُ أُمُورًا، وَغَرَضُ الشَّيطَانِ أَن يُضِلَّ أَصحَابَهُ.
وَأَمَّا بِلَادُ المُشرِكِينَ كَالهِندِ فَهَذَا كَثِيرًا مَا يَرَونَ المَيِّتَ بَعدَ مَوتِهِ جَاءَ وَفَتَحَ حَانُوتَهُ وَرَدَّ وَدَائِعَ وَقَضَى دُيُونًا وَدَخَلَ إلَى مَنزِلِهِ ثُمَّ ذَهَبَ، وَهُم لَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ الشَّخصُ نَفسُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيطَانٌ تَصَوَّرَ فِي صُورَتِهِ.
وَمِن هَؤُلَاءِ مَن يَكُونُ فِي جِنَازَةِ أَبِيهِ أَو غَيرِهِ، وَالمَيِّتُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَهُوَ يَرَاهُ آخِذًا يَمشِي مَعَ النَّاسِ بِيَدِ ابنِهِ وَأَبِيهِ، قَد جُعِلَ شَيخًا بَعدَ أَبِيهِ؛ فَلَا يَشُكُّ ابنُهُ أَنَّ أَبَاهُ نَفسَهُ هُوَ كَانَ المَاشِيَ مَعَهُ الَّذِي رَآهُ هُوَ دُونَ غَيرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ شَيطَانًا، وَيَكُونُ مِثلُ هَذَا الشَّيطَانِ قَد سَمَّى نَفسَهُ خَالِدًا وَغَيرَ خَالِدٍ وَقَالَ لَهُم إنَّهُ مِن رِجَالِ الغَيبِ، وَهُم يَعتَقِدُونَ أَنَّهُ مِن الإِنسِ الصَّالِحِينَ وَيُسَمُّونَهُ خَالِدًا الغَيبِيَّ، وَيَنسُبُونَ – الشيخ إلَيهِ فَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ الخَالِدِيُّ وَنَحوُ ذَلِكَ.
فَإِنَّ الجِنَّ مأمورونَ وَمَنهِيُّونَ كَالإِنسِ، وَقَد بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ مِن الإِنسِ إلَيهِم وَإِلَى الإِنسِ، وَأَمَرَ الجَمِيعَ بِطَاعَةِ الرُّسُلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا مَعشَرَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَلَم يَأتِكُم رُسُلٌ مِنكُم يَقُصُّونَ عَلَيكُم آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُم لِقَاءَ يَومِكُم هَذَا  قَالُوا شَهِدنَا عَلَى أَنفُسِنَا  وَغَرَّتهُمُ الحَيَاةُ الدُّنيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِم أَنَّهُم كَانُوا كَافِرِينَ [الأنعام:130] وَهَذَا بَعدَ قَولِهِ: وَيَومَ يَحشُرُهُم جَمِيعًا يَا مَعشَرَ الجِنِّ قَدِ استَكثَرتُم مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَولِيَاؤُهُم مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا استَمتَعَ بَعضُنَا بِبَعضٍ وَبَلَغنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثوَاكُم خَالِدِينَ فِيهَا إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأنعام:128]
قَالَ غَيرُ وَاحِدٍ مِن السَّلَفِ: أَي كَثِيرٌ مَن أَغوَيتُم مِن الإِنسِ وأضللتموهم. قَالَ البغوي: قَالَ بَعضُهُم: استِمتَاعُ الإِنسِ بِالجِنِّ: مَا كَانُوا يُلقُونَ لَهُم مِن الأَرَاجِيفِ وَالسِّحرِ وَالكَهَانَةِ وَتَزيِينُهُم لَهُم الأُمُورَ الَّتِي يهوَونَها وَيُسَهِّلُ سَبِيلهَا عَلَيهِم، وَاستِمتَاعُ الجِنِّ بِالإِنسِ طَاعَةُ الإِنسِ لَهُم فِيمَا يُزَيِّنُونَ لَهُم مِن الضَّلَالَةِ وَالمَعَاصِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ كَعبٍ: هُوَ طَاعَةُ بَعضِهِم لِبَعضِ وَمُوَافَقَةُ بَعضِهِم بَعضًا. وَذَكَرَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ عَن الحَسَنِ البَصرِيِّ قَالَ: مَا كَانَ استِمتَاعُ بَعضِهِم بِبَعضٍ إلَّا أَنَّ الجِنَّ أَمَرَت وَعَمِلَت الإِنسُ. وَعَن مُحَمَّدِ بنِ كَعبٍ قَالَ: هُوَ الصِّحَابَةُ فِي الدُّنيَا، وَقَالَ ابنُ السَّائِبِ: استِمتَاعُ الإِنسِ بِالجِنِّ استِعَاذَتُهُم بِهِم، وَاستِمتَاعُ الجِنِّ بِالإِنسِ أَن قَالُوا: قَد سِدنَا الإِنسَ مَعَ الجِنِّ حَتَّى عَاذُوا بِنَا، فَيَزدَادُونَ شَرَفًا فِي قّومِهِم وَعِظَمًا فِي نُفُوسِهِم، وَهَذَا كَقَولِهِ: وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُم رَهَقًا [الجن:6]
 قُلتُ: الِاستِمتَاعُ بِالشَّيء هُوَ أَن يَتَمَتَّعَ بِهِ فَيَنَالَ بِهِ مَا يَطلُبُهُ وَيُرِيدُهُ وَيَهوَاهُ، وَيَدخُلُ فِي ذَلِكَ استِمتَاعُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ بَعضِهِم بِبَعضٍ كَمَا قَالَ سُبحانَه: فَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً َ[النساء:24] ومِن ذَلِكَ الفَوَاحِشُ كَاستِمتَاعِ الذُّكُورِ بِالذُّكُورِ وَالإِنَاثِ بِالإِنَاثِ..

– الشيخ: أعوذُ باللهِ
– القارئ: وَيَدخُلُ فِي هَذَا الِاستِمتَاعُ بِالِاستِخدَامِ وَأَئِمَّةِ الرِّيَاسَةِ كَمَا يَتَمَتَّعُ المُلُوكُ وَالسَّادَةُ بِجُنُودِهِم وَمَمَالِيكِهِم، وَيَدخُلُ فِي ذَلِكَ الِاستِمتَاعُ بِالأَموَالِ كَاللِّبَاسِ وَمِنهُ قَولُهُ سُبحانه: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236] وَكَانَ مِن السَّلَفِ مَن يُمَتِّعُ المَرأَةَ بِخَادِمِ فَهِيَ تَستَمتِعُ بِخِدمَتِهِ، وَمِنهُم مَن يُمتِعُ بِكِسوَةٍ أَو نَفَقَةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ الفُقَهَاءُ: أَعلَى المُتعَةِ خَادِمٌ، وَأَدنَاهَا كِسوَةٌ تُجزِي فِيهَا الصَّلَاةُ.
وَفِي الجُملَةِ استِمتَاعُ الإِنسِ بِالجِنِّ وَالجِنِّ بِالإِنسِ يُشبِهُ استِمتَاعَ الإِنسِ بِالإِنسِ قَالَ تَعَالَى: الأَخِلَّاءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إلَّا المُتَّقِينَ [الزخرف:67] وَقَالَ تَعَالَى..
– الشيخ:
اللهُ أكبرُ، هذا استمتاعُ الجنِّ بالإنسِ والإنسِ بالجنِّ، يقول: يُشبهُ استمتاعَ الإنسِ بالإنس من جميعِ الوجوهِ، منافعُ دُنيويَّةٌ ومنافعُ خِدميَّةٌ، والاستمتاعُ الجِنسيُّ أيضاً مشهورٌ، أنَّ الجِنَّ يستمتعون بالإنس، فالمرأةُ يكونُ الذي يمسُّها هو جِنِّيٌّ وبالعكسِ، يكونُ منشِأُ هذا العِشقِ، ذكرَ شيخُ الإسلامِ هذا المعنى في بعضِ المواضعِ.
– طالب: أحسنَ الله إليكم، شيخ الإسلام كأنه ذكر أنه يُولد بينهما
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال رحمهُ اللهُ: وَقَالَ تَعَالَى: وَتَقَطَّعَت بِهِمُ الأَسبَابُ [البقرة:166]، قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ..
– الشيخ: بعضُ النّاسِ يتكلَّمُ يقول: فلانٌ لا جِنيٌّ ولا إنسيٌّ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ المَوَدِّاتُ الَّتِي كَانَت لِغَيرِ اللَّهِ، وَقَالَ الخَلِيلُ: وقال إنَّمَا اتَّخَذتُم مِن دُونِ اللَّهِ أَوثَانًا مَوَدَّةَ بَينِكُم فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا ثُمَّ يَومَ القِيَامَةِ يَكفُرُ بَعضُكُم بِبَعضٍ وَيَلعَنُ بَعضُكُم بَعضًا [العنكبوت:25] وَقَالَ تَعَالَى: أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية:23] فَالمُشرِكُ يَعبُدُ مَا يَهوَاهُ، وَاتِّبَاعُ الهَوَى هُوَ استِمتَاعٌ مِن صَاحِبِهِ بِمَا يَهوَاهُ، وَقَد وَقَعَ فِي الإِنسِ وَالجِنِّ هَذَا كُلُّهُ.
وَتَارَةً يَخدِمُ هَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ فِي أَغرَاضِهِم، وَهَؤُلَاءِ لِهَؤُلَاءِ فِي أَغرَاضِهِم، فَالجِنُّ تأتيهِ بِمَا يُرِيدُ مِن صُورَةٍ أَو مَالٍ أَو قَتلِ عَدُوِّهِ، وَالإِنسُ تُطِيعُ الجِنَّ فَتَارَةً تَسجُدُ لَهُ، وَتَارَةً تَسجُدُ لِمَا يأمرهُ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَتَارَةً تُمَكِّنُهُ مِن نَفسِهِ فَيَفعَلُ بِهِ الفَاحِشَةَ، وَكَذَلِكَ الجِنِّيَّاتُ مِنهُنَّ مَن يُرِيدُ مِن الإِنسِ الَّذِي يَخدِمنَهُ مَا يُرِيدُ نِسَاءُ الإِنسِ مِن الرِّجَالِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي رِجَالِ الجِنِّ وَنِسَائِهِم؛ فَكَثِيرٌ مِن رِجَالِهِم يَنَالُ مِن نِسَاءِ الإِنسِ مَا يَنَالُهُ الإِنسِيُّ، وَقَد يَفعَلُ ذَلِكَ بِالذُّكرَانِ. وَصَرعُ الجِنِّ لِلإِنسِ هُوَ لِأَسبَابِ ثَلَاثَةٍ..

– الشيخ: الآن يكفي يطول …
– القارئ: أحسنَ الله إليكم
– الشيخ:
رحمه اللهُ.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة