الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(21) والله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها “قوله فأهل الكلام أصل أمرهم”

(21) والله تعالى بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها “قوله فأهل الكلام أصل أمرهم”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الحادي والعشرون

***    ***    ***    ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ، وآلهِ وصحبِه أجمعين، أمّا بعد؛ فقَالَ المُصنِّفُ الإمامُ أبو العبّاسِ أحمدُ بن تيميةَ رحمهُ اللهُ تعالى في كتابهِ "الفرقانُ بين الحقِّ والبُطلان":
فَأَهْلُ الْكَلَامِ أَصْلُ أَمْرِهِمْ هُوَ النَّظَرُ فِي الْعِلْمِ وَدَلِيلِهِ، فَيُعَظِّمُونَ الْعِلْمَ وَطَرِيقَهُ وَهُوَ الدَّلِيلُ، وَالسُّلُوكَ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ النَّظَرُ. وَأَهْلُ الزُّهْدِ يُعَظِّمُونَ الْإِرَادَةَ وَالْمُرِيدَ وَطَرِيقَ أَهْلِ الْإِرَادَةِ، فَهَؤُلَاءِ يَبْنُونَ أَمْرَهُمْ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأُولَئِكَ يَبْنُونَ أَمْرَهُمْ عَلَى النَّظَرِ، وَهَذِهِ هِيَ الْقُوَّةُ الْعِلْمِيَّةُ، وَلَابُدَّ لِأَهْلِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ..
– الشيخ:
يعني النَّظر، هذه الطريقةُ طريقةُ المتكلّمين هي الطّريقةُ العلميّةُ، والعُبَّادُ طريقتُهم طريقةُ العمليّة، والكمالُ هو في الجمعِ بين الأمرينِ؛ بين العلمِ والعملِ، سلوك الطَّريقينِ طريقِ العلمِ وطريقِ العملِ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَلَابُدَّ لِأَهْلِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ مِنْ هَذَا وَهَذَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا وَهَذَا مُوَافِقًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم.
فَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَمُوَافَقَةُ السُّنَّةِ، وَأُولَئِكَ عَظَّمُوا النَّظَرَ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْإِرَادَةِ وَعَظَّمُوا جِنْسَ النَّظَرِ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا النَّظَرَ الشَّرْعِيَّ، فَغَلِطُوا مِنْ جِهَةِ كَوْنِ جَانِبِ الْإِرَادَةِ لَمْ يُعَظِّمُوهُ وَإِنْ كَانُوا يُوجِبُونَ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ، فَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ وَحَقَائِقَهَا، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّظَرَ لَمْ يُمَيِّزُوا فِيهِ بَيْنَ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ الْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ وَأَخْبَرَ بِهِ، وَبَيْنَ النَّظَرِ الْبِدْعِيِّ الْبَاطِلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ "الصُّوفِيَّةُ"..

– الشيخ: يعني النَّظرُ الشرعيُّ، النظرُ في الآياتِ الكونيّةِ، هذه هي الآياتُ المَنْصوبةُ التي أرشدَ القرآنُ إليها، والنَّظرُ في النّصوصِ هذه محلُّ النّظرِ، استدلالٌ بالآياتِ الكونيّةِ وبالآياتِ الشرعيّة، والنّظرُ البِدْعيُّ هو النَّظرُ في مسألةِ الأجسامِ والأعراضِ والجواهرِ وما إلى ذلك، بنوا العلمَ باللهِ وتوحيدِه وبصفاتِه وبوجودِه، هذا الطَّريقُ البِدْعيُّ المُبتدَعُ، سبحانَه وتعالى يقول: أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا [ق:6] أَفَلَمْ يَنظُرُوا، أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء.. [الغاشية:17]
والآياتُ الدَّالةُ على هذا، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس:100-101] وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105] وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء:32]
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَكَذَلِكَ "الصُّوفِيَّةُ": عَظَّمُوا جِنْسَ الْإِرَادَةِ، إرَادَةِ الْقَلْبِ وَذَمُّوا الْهَوَى وَبَالَغُوا فِي الْبَابِ، وَلَمْ يُمَيِّزْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْإِرَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُوَافَقَةِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَيْنَ الْإِرَادَةِ الْبِدْعِيَّةِ؛ بَلْ أَقْبَلُوا عَلَى طَرِيقِ الْإِرَادَةِ دُونَ طَرِيقَةِ النَّظَرِ، وَأَعْرَضَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الدَّاخِلُ مِنْ هَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ؛ وَلِهَذَا صَارَ هَؤُلَاءِ يَمِيلُ إلَيْهِمْ النَّصَارَى وَيَمِيلُونَ إلَيْهِمْ، وَأُولَئِكَ يَمِيلُ إلَيْهِمْ
– الشيخ:
آه آه، يعني هؤلاءِ يعني النَّصارى يميلونَ إلى الصُّوفيّةِ، والصُّوفيّةُ يميلون، يعني كلٌّ منهما يَميلُ للآخرِ، للتّوافقِ.
– القارئ: وَأُولَئِكَ يَمِيلُ إليهم الْيَهُودُ وَيَمِيلُونَ إلَيْهِم، وَبَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى غَايَةُ التَّنَافُرِ وَالتَّبَاغُضِ. وَكَذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأيِ وَبَيْنَ أَهْلِ التَّصَوُّفِ وَالزُّهْدِ تَنَافُرٌ وَتَبَاغُضٌ وَهَذَا وَهَذَا مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؛ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَهْدِيَنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ؛ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ. فصلٌ..

– الشيخ: جزاكَ اللهُ خيراً، أحسنت، إلى هنا، ما شاءَ اللهُ، كلامٌ عظيمٌ، هذا من منهجِ الشّيخِ الموازنةُ بين طُرُقِ النّاسِ، وتحريرُ وتحديدُ يعني قُربِهم وبُعدِهِم من الصِّراطِ المستقيمِ، فالهُدى كلُّ الهدى في الصِّراطِ المستقيمِ، وهو دائماً جميعُ مسائلِ الدّينِ العلميَّةِ والعمليَّةِ تقومُ على الوَسَطِ البريء من الإفراطِ والتَّفرِيطِ، فالمُتكلّمون أفرطوا في تعظيمِ العلمِ والنّظرِ، والصّوفيةُ أفرطوا في تعظيمِ الإرادةِ، وأمّا الحقُّ فهو يعني العنايةُ بالأمرينِ: العلمُ والعملُ، بالنّظرِ، وبالعلمِ والنّظرِ، وبالإرادةِ والعملِ، لكن على أساسِ وعلى ضوءِ الكتابِ والسنّةِ، وكتابُ اللهِ وسنّةُ رسولِه فيهما، يعني أصلُ الهدى، أصلُ الهدى والفلاحِ في كلِّ الأمورِ؛ في الأمورِ الاعتقاديةِ العلميّةِ، وفي الأمورِ العمليَّةِ الإراديَّةِ.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة