بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرة في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: الثَّاني والعشرون
*** *** *** ***
- احتجاجُ المصنّف على أهل السُّنَّة لقولهم أنَّ كلامَ الله حرفٌ وصوتٌ [1] - جوابُ المصنّف بِمَا لا يشفى فيما ظنَّ أنَّه شبهة ترتيب الحروف [2] - الأمر يتعلَّق بالموجود والمعدوم إذا وجد [3] - نكارة حديث "ليس اليوم يوم سجود وإنَّما هو يوم كرامة ونعيم" [4] - حكم إطلاق عبارة "كلام الله قديم" [5] - بيان مذهب المصنف في كلام الله [6]
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، أمَّا بعدُ قالَ أبو الفرجِ الشِّيرازيُّ –رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "التَّبصرةِ في أصولِ الدِّينِ":
قالَ رحمَهُ اللهُ: واحتجَّ أيضًا بأنْ قالَ: قلْتُم أنَّ اللهَ تعالى متكلِّمٌ بحرفٍ وصوتٍ، والحروفُ يترتَّبُ بعضُها على بعضٍ وهذا يدلُّ على الحدَثِ.
والجوابُ: أنْ نقولَ: إنَّ هذا دليلٌ فاسدٌ على
الحاشية السفلية
↑1 | احتجاجُ المصنِّف على أهل السُّنَّة لقولهم أنَّ كلام الله حرفٌ وصوتٌ - الشيخ : "يدلُّ على الحدَثِ" يعني: أنَّها تحدثُ شيئًا بعدَ شيءٍ، إذا كانَتْ حروفًا وأصواتًا فالحروفُ مترتِّبةٌ، مثلًا: بسمِ اللهِ، الباءُ قبلَ السِّين، والسِّينُ قبلَ الميمِ، الحروفُ مترتِّبةٌ يسبقُ بعضُها بعضًا، ويلحقُ بعضُها ببعضٍ، فيقولُ: إنَّ هذا يدلُّ على الحدث، على أنَّ كلامَ اللهِ مُحدَثٌ، وهذا على كلامِ المؤلِّفِ أنَّه من وجوه استدلالِ القائلين بخلقِ القرآنِ من الجهميَّة والمعتزلة. والأشاعرةُ يقولون بِقِدَمِ الكلامِ وأنَّ كلامَ الله قديمٌ كلَّه، وأنَّه معنىً واحدٌ، ليس عندَهم أنَّه حروفٌ وأصواتٌ، فكأنَّه خطابٌ ليس معَ الأشاعرةِ، الأشاعرةُ لا يقولون بأنَّ كلامَ اللهِ حروفٌ وأصواتٌ، بل هو خطابٌ لأهلِ السُّنَّةِ القائلين بذلك، أنَّ كلامَ اللهِ حروفٌ وأصواتٌ يسمعُها من شاءَ -سبحانه وتعالى- كما سمعَ موسى كلامَ اللهِ، وسمعَت الملائكةُ كلامَ اللهِ، وسمعَ الأبوان كلامَ اللهِ حينَ ناداهما. - القارئ : والجوابُ: أنْ نقولَ: إنَّ هذا دليلٌ فاسدٌ على أصلِهِ وعلى أصولِ المتكلِّمِينَ كلِّهم؛ لأنَّ الكلامَ عندَهم عرَضٌ، والعرَضُ لا يتأتَّى فيهِ التَّرتيبُ كالبياضِ والسَّوادِ وغيرِ ذلكَ مِن الأعراضِ، وأمَّا على أصلِنا فإنَّ كلامَ اللهِ ليسَ بعرَضٍ، ولا جسمٍ ولا جوهرٍ، وإنَّما هيَ صفةٌ لهُ كعلمِهِ وقدرتِهِ وإرادتِهِ، والصِّفةُ الوحدانيَّةُ لا يترتَّبُ بعضُها على بعضٍ في الحكمِ، وكونُها مرتَّبةٌ في السَّمعِ لا يدلُّ على كونِها مرتَّبةً في الحكمِ، ألا ترى أنَّ الكاتبَ إذا كتبَ الألفَ يبدأُ برأسِ الألفِ قبلَ وسطِها وآخرِها، ولا يدلُّ ذلكَ على ترتيبِها، وكذلكَ الجوابُ عن جميعِ الكتبِ مِن التَّوراةِ والإنجيلِ والفرقانِ وغيرِها. |
---|---|
↑2 | جواب المصنف بما لا يشفى فيما ظن أنه شبهة ترتيب الحروف - الشيخ : المهمُّ أنَّه يظهرُ أنَّه أجابَ بما لا يشفي ولا يردُّ الشُّبهةَ المزعومةَ الباطلةَ، فدفعَ ذلكَ بقوله: إنَّما يَرِدُ هذا لو كانَ كلامُ اللهِ عرضًا، وكلامُ اللهِ ليسَ عرضًا، ثمَّ يقولُ: ولا جسمٍ ولا جوهرٍ، وكلامُ اللهِ صفةٌ قائمةٌ به، صفةٌ فعليَّةٌ قائمةٌ به سبحانه وتعالى، فالكلامُ من أفعاله ولهذا نقولُ: يتكلَّمُ إذا شاءَ، وهو قديمُ النَّوعِ حادثُ الآحادِ يتكلَّمُ إذا شاءَ، ليس كلامُه لازمًا لذاتِه إلَّا نوع الكلامِ فإنَّه تعالى لم يزلْ متكلِّمًا إذا شاءَ بما شاءَ كيف شاءَ. - القارئ : واحتجَّ أيضًا أنَّ اللهَ تعالى ذكرَ في كلامِهِ موسى وعيسى وغيرِهما مِن أسماءِ الأنبياءِ والأممِ، فإنْ قلْتُم إنَّهُ متكلِّمٌ في قِدمِهِ أثبتُّم أنَّهُ كانَ مخاطِبًا لمعدومٍ ومكلِّمًا لغيرِ موجودٍ. والجوابُ: هوَ أنَّهُ لا يمتنعُ مثلُ ذلكَ، ألا ترى أنَّ أمرَهُ لِمَن كانَ موجودًا في زمانِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرٌ للمعدومِ ولم يُوجَدْ في زمانِهِ أيضًا، وخطابًا لهُ وإنْ كانَ معدومًا، ولو جازَ أنْ يُقالَ: لا يجوزُ أنْ يكونَ المعدومُ مأمورًا ولا مُكلَّفًا أفضى ذلكَ ... ثمَّ بياض أحسنَ اللهُ إليك وقولُهُ: إلى إنزالِ الكتابِ بكلِّ مَن يحدِّثُ مِن الخلقِ، وهذا لم يقلْ بهِ أحدٌ |
↑3 | الأمر يتعلق بالموجود والمعدوم إذا وجد - الشيخ : كأنَّه "أفضى ذلكَ إلى أن يكونَ من سيوجدُ غير مكلَّفٍ بما أمرَ اللهُ به الموجودين"، هذا معنى الكلام، فهو يقولُ: أمرُ اللهِ للموجودين هو أمرٌ للمعدومين، ولو قيلَ أنَّه لا يجوزُ أنْ يتوجَّهَ الأمرُ للمعدومين لأفضى ذلكَ إلى عدمِ تكليفِ من سيوجد بما أُمِرَ به الموجودون، وهذه مسألةٌ مذكورةٌ عندَ الأصوليِّين: أنَّ الأمرَ إنَّما يتعلَّقُ بالموجود، ويتعلَّقُ بالمعدومِ إذا وُجِدَ، فإذا وُجِدَ من يتعلَّقُ به الخطابُ صار مطالَبًا بمعناه، وقوله تعالى: {آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} هو خطابٌ للموجودين ثمَّ هو خطابٌ لكلِّ من سيُوجَدُ من المكلَّفين. - القارئ : وجوابٌ آخرُ: وهوَ أنَّ المخلوقاتِ وإنْ كانَتْ ذواتُها معدومةً في القِدمِ، لكنَّها موجودةٌ في علمِ اللهِ تعالى، وكلامُهُ مِن علمِهِ، فخاطبَ سبحانَهُ وتعالى المعدومَ لتحقُّقِ وجودِهِ في الثَّاني. واحتجَّ بأنْ قالَ: إذا قلْتُم: بأنَّهُ لا يزالُ متكلِّمًا أفضى ذلكَ إلى أنْ يكونَ أهلُ الجنَّةِ في الجنَّةِ مكلَّفِينَ ومأمورِينَ ومنهيِّينَ. والجوابُ: هوَ أنَّ اللهَ تعالى لم يجعلِ الجنَّةَ والنَّارَ دارَ تكليفٍ، وإنَّما جعلَهما دارَ الجزاءِ، ولهذا رُوِيَ عن النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّهُ قالَ: (إذا رفعَ الحقُّ الحجابَ بينَهُ وبينَ خلقِهِ في الجنَّةِ يخرُّونَ لهُ سجَّدًا، فيقولُ اللهُ تعالى: ارفعُوا رؤوسَكم ليسَ هذا يومَ السُّجودِ)، وفي لفظٍ آخرَ: (ليسَ هذا يومَ سجودٍ، وإنَّما هوَ يومُ كرامةٍ ونعيمٍ). - الشيخ : أيش أصل هذا؟ ما أصلُ هذا الحديثِ؟ - القارئ : يقولُ: أخرجَهُ أبو نعيمٍ وحمَّادٌ في زوائدِهِ على الزُّهدِ لابنِ المباركِ، وأبو نعيمٍ في صفةِ الجنَّةِ، والآجريُّ في الشَّريعةِ، وفي إسنادِهِ حكمُ بنُ أبي خالدٍ لا يُعرَفُ. |
↑4 | نكارة حديث "ليس اليوم يوم سجود وإنَّما هو يوم كرامة ونعيم" - الشيخ : سجدَ له المؤمنون في الموقفِ عندما يأتيهم ويكشفُ تعالى عن ساقِه، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ [القلم:42]، وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42]، الحديثُ فيه نكارةٌ شديدةٌ؛ لأنَّ سجودَهم لم يكنْ بأمرٍ حتَّى يُقالَ.. سجدُوا له تعظيمًا وإكرامًا. - القارئ : انتهى الفصلُ - الشيخ : إي زين، بعدَه فصل أيش؟ - القارئ : بعدَه: "فصلٌ: والدَّلالةُ على أنَّ القرآنَ مُنزَّلٌ وكذلكَ المائةُ كتابٍ والأربعُ كتبٍ خلافًا للأشعريَّةِ في قولِهم: لم يُنزِلِ اللهُ للأرضِ كلامًا ولا كتابًا وإنَّما نزَّلَ عبارتَهُ وتلاوتَهُ". واستطردَ - الشيخ : كأنَّه انتقلَ من المعتزلة إلى الأشاعرة - القارئ : نعم - الشيخ : طيب حسبُكَ يكفينا اليوم - القارئ : هنا أحسنَ اللهُ إليك لما تكلَّمَ قالَ: "وأمَّا على أصلِنا فإنَّ كلامَ اللهِ ليسَ بعرَضٍ، ولا جسمٍ ولا جوهرٍ، وإنَّما هيَ صفةٌ لهُ كعلمِهِ وقدرتِهِ وإرادتِهِ"، هذا جارٍ على مذهبِ -أحسنَ اللهُ إليكَ- بأنَّ اللهَ تكلَّمَ بهِ في القدمِ |
↑5 | حكم إطلاق عبارة "كلام الله قديم" - الشيخ : على العبارة المشهورةِ: "تكلَّمَ في القِدَمِ" يعني: نوعُ الكلامِ أنَّه لم يزلْ يتكلَّمُ، لكن ليسَ شيءٌ معيَّنٌ من كلامِ الله تقولُ: كلامُه لموسى ليسَ قديمًا، وخطابُه للأبوين ليسَ قديمًا، بل كانَ ذلكَ في الوقت الَّذي اقتضتْهُ الحكمةُ أنْ يناديَ الأبوين أو يكلِّمَ موسى -عليهما السَّلام-، فكلمةُ: "كلامُ اللهِ قديمٌ" كلمةٌ مجمَلةٌ، إنْ أُريدَ نوعُ الكلامِ نقول: نعم، بمعنى أنَّ اللهَ لم يزلْ، لم يكنْ غيرَ متكلِّمٍ ثمَّ صارَ متكلِّمًا خلافًا للكرَّاميَّة، بل هو تعالى لم يَزَلْ متكلِّمًا إذا شاءَ |
↑6 | بيان مذهب المصنف في كلام الله - القارئ : هو في بداية الفصل لما تكلَّمَ عن القرآنِ وأنَّه كلامُ اللهِ قالَ: تكلَّمَ اللهُ تعالى به في القِدَمِ بحرفٍ يُكتَبُ وصوتٍ يُسمَعُ ومعنىً يُعلَمُ - الشيخ : هذا كأنَّه يؤولُ أمرُهُ إلى مذهبِ السَّالميَّةِ، كأنَّه على طريقةِ السَّالميَّة الَّذين يقولون: إنَّ كلامَ اللهِ حروفٌ وأصواتٌ وكلُّها قديمةٌ. إلى هنا يا شيخ. |