الرئيسية/شروحات الكتب/الدين الحق/(6) الفصل الأول: معرفة الله الخالق العظيم (البعث بعد الموت والحساب والجزاء على الأعمال والجنة والنار)

(6) الفصل الأول: معرفة الله الخالق العظيم (البعث بعد الموت والحساب والجزاء على الأعمال والجنة والنار)

القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. اللَّهمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرينَ والمستمعين. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حمَّادٍ العمرُ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "دينُ الحقُّ":

[الأدلة على البعث بعد الموت]

والأدلةُ على البَعْثِ بعدَ الـموتِ والحسابِ والجزاءِ كثيرةٌ جدًا، قالَ اللهُ تعالى في القرآنِ العظيمِ: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى  [طه:55] وقالَ اللهُ تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ  [يس:79،78] وقال تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ  [التغابن:7].

قالَ رحمَهُ اللهُ:

المعنى الإجماليُّ للآياتِ: يُخبِرُ اللهُ -سبحانه وتعالى- في الآيةِ الأولى: أنَّهُ خلقَ بني الإنسانِ مِن الأرضِ، وذلكَ حينما خلقَ أباهُم آدمَ مِن ترابٍ، ويُخبِرُ أنَّهُ يُعيدُهُم فيها بعدَ الموتِ في القبورِ؛ كرامةً لهم، ويخبرُ أنَّهُ يخرجُهم منها تارةً أخرى، فيَخرجونَ مِن قبورِهِم أحياءً مِن أولِهم إلى آخرِهم، فيُحاسبُهم اللهُ ثمَّ يُجازيهِم.
وفي الآيةِ الثانيةِ: يَرُدُّ اللهُ على الكافرِ الـمُكذِّبِ بالبعثِ الذي يَستغربُ حياةَ العِظامِ بعدَ فنائِها، يَرُدُّ اللهُ عليهِ، فيُخبِرُ أنَّهُ يُحييها؛ لأنَّهُ الذي أنشأَهَا أولَ مرةٍ مِن العدمِ.
وفي الآيةِ الثالثةِ: يَرُدُّ اللهُ على الكافرينَ المكذِّبينَ بالبعثِ بعدَ الموتِ زعمَهُم الفاسدَ، ويأمرُ رسولَهُ أنْ يُقسِمَ لهمْ باللهِ قسمًا مؤكِدًا أنَّ اللهَ سوفَ يبعثُهُم، وسوفَ يُنَبِّئُهُم بما عَمِلُوا، ويُجازيهِم عليهِ، وأنَّ ذلكَ يسيرٌ على اللهِ.
وأخبرَ اللهُ في آيةٍ أخرى أنَّهُ إذا بَعَثَ المكذِّبينَ بالبعثِ والنارِ عذَّبَهُم في نارِ جهنَّمَ، وقيلَ لهمْ: ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ  [السجدة:20].

قالَ:

ضَبطَ أعمالَ الإنسانِ وأقوالِهِ:

وقدْ أخبرَ -عزَّ وجلَّ- أنَّهُ قدْ علمَ ما سوفَ يقولُ كلُّ إنسانٍ ويعملُ مِنْ خيرٍ أو شَرٍّ سرًّا أو علانيةً، وأخبرَ أنَّهُ قدْ كتبَ ذلكَ في اللَّوحِ المحفوظِ عندَهُ قبلَ أنْ يخلقَ السمواتِ والأرضِ والإنسانَ وغيرَهُ، وأخبرَ أنَّهُ معَ هذا قدْ وكَّلَ بكلِّ إنسانٍ مَلَكَيْنِ: واحدًا عَن يمينِهِ يكتبُ الحسناتِ، والآخرُ عَن شمالِهِ يكتبُ السيئاتِ، لا يفوتُهُما شيءٌ، وأخبرَ اللهُ سبحانه أنَّ كلَّ إنسانٍ يُعطَى يومَ الحسابِ كتابَهُ الذي كُتِبَ فيهِ أقوالُهُ وأعمالُهُ، فيَقرؤُها لا يُنكرُ منها شيئًا، ومَنْ أنكرَ شيئًا أنطقَ اللهُ سمعَهُ وبصرَهُ ويدَيْهِ ورجلَيْهِ وجِلْدَهُ بجميعِ ما عَمِلَ.
وفي القرآنِ العظيمِ بيانُ ذلكَ بالتفصيلِ، قالَ اللهُ تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  [ق: 18] وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ  [الانفطار: 10 - 12]
شرحُ الآيات:

الشيخ: على كلِّ حال، الشيخُ يُبيِّنُ ما جاءَ به القرآن في الأصلِ الخامسِ مِن أصولِ الإيمانِ وهو اليومُ الآخر، ذلك اليومُ الذي تكون فيه الأحداثُ العظيمةُ التي أعظمُها: البَعْثُ، والبَعْثُ وسيلةٌ إلى ما بعدَه، وسيلةٌ إلى الحسابِ والجزاء ثوابًا وعقابًا، وقد أخبرَ الله بهذا الأمرِ العظيم -أعني: البعث- في آياتٍ كما ذكر الشيخ، وهي أدلَّةٌ خبريَّة اسمُها أدلةٌ خبرية زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ  [التغابن:7]، ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ  [المؤمنون:16،15]، مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى  [طه:55] فهذه أدلةٌ خبريةٌ لا تُقنِعُ الكافرَ بالرسولِ وبالقرآنِ.

لكن في القرآن أدلةٌ عقليةٌ على قدرتِه -تعالى- على البَعْثِ -ولعلَّ الشيخَ سيذكرُها- أدلةٌ عقليةٌ يُحتَجُّ بها على المكذِّبين، منها: الاستدلالُ على البعثِ بالنشأةِ الأولى، وذكرَ الشيخُ مِن شواهدِها قولُهُ تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ  [يس:79،78]، ومنها: إحياءُ الأرضِ بعدَ موتِها وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى  [فصلت:39]، ومنها: خلقُ السمواتِ والأرضِ وهِيَ أعظمُ، ومِن دليلِ ذلك قوله: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ  [غافر:57]، وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  [الأحقاف:33]، وهذه الأدلةُ الثلاثةُ يأتي ذكرُها في القرآن في مواضعٍ متعددةٍ بأساليبَ منها ما هو مبسوطٌ ومنها ما هو مُوجَزٌ، والحديثُ عن اليومِ الآخرِ والبعثِ والنشورِ والجزاءِ في القرآنِ كثيرٌ واسعٌ، بل في القرآن سُوَرٌ مُخلَصةٌ لهذا المعنى، كسورة القيامة، وسورة الواقعة، وسورة القارعة، وسورة الحاقة، كلُّها سُور مِن أولِها إلى آخرِها في تقريرِ البعثِ، وهذه الحُجَجُ العقليةُ هذه يُرَدُّ بها على المكذِّبينَ الذين يقولون: ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ  [ق:33] ويستبعدونَ البعثَ ويَسْتَعْظِمُونَهُ، "كيف نُعادُ بعد أن كنا ترابًا وعظامًا ورفاتًا؟!"

القارئ: قال:

شرحُ الآياتُ: يخبرُ اللهُ -سبحانه وتعالى- أنَّهُ وكَّلَ بكلِّ إنسانٍ ملكَيْنِ: واحدًا على يمينِهِ رقيبٌ يَكتبُ حسناتِهِ، والآخرُ على شمالِهِ عتيدٌ يَكتبُ سيئاتِهِ، ويخبرُ اللهُ في الآيتَيْنِ الأخيرتينِ أنَّهُ وَكَّلَ بالناسِ ملائكةً كِرامًا، يكتبونَ جميعَ أفعالِهِم، وأخبرَ أنَّهُ جعلَ لهمُ القدرةَ على العلمِ بجميعِ أفعالِهم، وكتابتِها كما قدْ علمَها وكتبَها لديهِ في اللَّوحِ المحفوظِ قبلَ أنْ يخلقَهُم.

قالَ رحمه الله تعالى:

الشهادةُ:

أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وأشهدُ أنَّ الجنةَ حقٌّ؛ والنارُ حقٌّ؛ وأنَّ الساعةَ آتيةٌ لا ريبَ فيها، وأنَّ اللهَ يبعثُ مَنْ في القبورِ للحسابِ والجزاءِ، وأنَّ كلَّ ما أخبرَ اللهُ بِهِ في كتابِهِ أو على لسانِ رسولِهِ حقٌّ، وأدعوكَ -أيُّها العاقلُ- إلى الإيمانِ بهذهِ الشهادةِ، وإعلانِها، والعملِ بمعناها، فهذا سبيلُ النُّجاةِ.

الشيخ: كأنَّ هذه الشهادة ثمرةٌ لِمَا تقدَّمَ، يعني بعدَ تقريرِ ما تقدَّمَ مِن ربوبيتِهِ -تعالى- وإلهيتِهِ، وتقريرِ الإيمانِ بالرسول -صلى الله عليه وسلم- والبعثِ وَجَبَ على مَن عرفَ هذا أن يشهدَ هذه الشهادةَ، فيشهدُ بأنَّه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأنَّ الساعةَ آتيةٌ، وهذا هو الإقرارُ بالبعثِ، الساعةُ هِي القيامة، فواجبٌ على كلِّ مكلفٍ كلِّ عاقلٍ عرفَ أنَّ الله تعالى خالقَهُ وخالقُ السموات والأرض أن يشهد هذه الشهادة، أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهاتانِ الشهادتان هما أصلُ الدين.

ولا بدَّ معَ ذلك مِن الشهادة بأصولِ الإيمان ولا سيما اليومِ الآخر، ولهذا يُنَصُّ عليه، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ  [الحج:7]، وهذا المعنى جرتْ عادةُ السَّلفِ في كتابة هذه الشهادة في وصاياهُم، يقول: هذا ما أوصى بِه فلان وهو كذا وكذا وكذا، وهو يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وأنَّ الجنةُ حقٌّ، والنارُ حق، والإيمانُ بالجنة والنار داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر، وكذلك البعثُ، كلُّه داخل، فإن الإيمانَ باليومِ الآخر: هو الإيمان بكلِّ ما يكون بعدَ الموت.

فلا بد لِمَنْ دخلَ في الإسلام أو أرادَ الدخولَ في الإسلام لا بدَّ له مِنْ هذه الشهادة، فمَن امتنعَ مِن شيء منها لم يكن مُسلمًا، فإن كان أظهرَ الإسلام وامتنعَ مِن شيء من هذه الشهادة صار مُرْتَدًّا.

نعم بعده.

القارئ: دخل الآن الشيخ في الفصل الثاني.

الشيخ: حسبك، عندك عنوان؟

القارئ:

الفصلُ الثاني: معرفةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم:

الشيخ: "معرفة الرسول"؟

القارئ: نعم.

الشيخ: حسن، قف عليه.