الرئيسية/شروحات الكتب/الدين الحق/(11) الفصل الثالث معرفة دين الحق الإسلام (الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة)

(11) الفصل الثالث معرفة دين الحق الإسلام (الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة)

القارئ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حمَّادٍ العمرُ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الدِّينُ الحقُّ":

[التوكل والرجاء والخشوع من عبادة الله]

ومِن العبادةِ: التَّوكُّلُ والرَّجاءُ والخشوعُ: فلا يتوكَّلُ الإنسانُ إلَّا على اللهِ، ولا يرجو إلَّا اللهَ، ولا يخشعُ إلَّا للهِ وحدَهُ.

[نفي الإسلام عمن أشرك بالدعاء وطلب الحوائج غير الله]

وممَّا يُؤسَفُ لهُ أنَّ كثيرًا مِن المنتسِبينَ للإسلامِ يشركونَ باللهِ، فيدعونَ غيرَهُ مِن الأحياءِ المعظَّمينَ، ومِن أهلِ القبورِ، ويطوفونَ بقبورِهِم، ويطلبونَ منهم حوائجَهم، وهذا عبادةٌ لغيرِ اللهِ، فاعلُها ليسَ مسلمًا وإنِ ادَّعى الإسلامَ، وقالَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ، وصلَّى وصامَ وحجَّ البيتَ.

الشيخ: لأنَّه لم يحقِّق "لا إله إلَّا الله"، من عبدَ معَ الله غيرَه، ولو قالَ: لا إله إلَّا الله، لا يكونُ بهذا موحِّدًا، بل هو ينقضُها بفعلِه، يقولُها بلسانِه وينقضُها بفعلِه.

القارئ:

قالَ اللهُ تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  [الزمر:65].
وقالَ اللهُ: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ  [المائدة:72].
وأمرَ اللهُ تعالى رسولَهُ محمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنْ يقولَ للنَّاسِ: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا  [الكهف:110].

[من أسباب الشرك علماء السوء والجهل بمعنى الشفاعة والوسيلة]

وهؤلاءِ الجهَّالُ غرَّهم علماءُ السُّوءِ والضَّلالِ الَّذينَ عرفُوا بعضَ الفروعِ، وجهلُوا التَّوحيدَ الَّذي هوَ أساسُ الدِّينِ، فصارُوا يدعونَ إلى الشِّركِ، جهلًا منهم بمعناهُ باسمِ الشَّفاعةِ والوسيلةِ، وحجَّتُهم في ذلكَ التَّأويلاتُ الفاسدةُ لبعضِ النُّصوصِ والأحاديثِ المكذوبةِ قديمًا وحديثًا على رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والحكاياتُ وأحلامُ المنامِ الَّتي نسجَها لهم الشَّيطانُ، وما شابهَ ذلكَ مِن الضَّلالاتِ الَّتي جمعُوها في كتبِهم؛ ليؤيِّدُوا بها عبادتَهم لغيرِ اللهِ اتِّباعًا للشَّيطانِ وللهوى، وتقليدًا أعمىً للآباءِ والأجدادِ، كحالِ المشركينَ الأوَّلِينَ.

[معنى الشفاعة والوسيلة]

والوسيلةُ الَّتي أمرَنا اللهُ أنْ نبتغيَها في قولِهِ عزَّ وجلَّ: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ  [المائدة:35] هيَ الأعمالُ الصَّالحةُ مِن توحيدِ اللهِ والصَّلاةِ والصَّدقةِ والصِّيامِ والحجِّ والجهادِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ وصلةِ الرَّحمِ، ونحوِ ذلكَ، أمَّا دعاءُ الأمواتِ والاستغاثةُ بهم عندَ الشَّدائدِ والكُرُباتِ فهذا عبادةٌ لهم مِن دونِ اللهِ.
وشفاعةُ الأنبياءِ والأولياءِ وغيرُهم مِن المسلمينَ الَّذين يأذنُ اللهُ لهم في الشَّفاعةِ حقٌّ نؤمنُ بها، ولكنَّها لا تُطلَبُ مِن الأمواتِ؛ لأنَّها حقٌّ للهِ لا تحصلُ لأحدٍ إلَّا بإذنِهِ تعالى فيطلبُها الموحِّدُ للهِ مِن اللهِ تعالى قائلًا: "اللَّهمَّ شفِّعْ فيَّ رسولَكَ وعبادَكَ الصَّالحينَ"، ولا يقولُ: "يا فلانُ اشفعْ لي" لأنَّهُ ميِّتٌ، والميِّتُ لا يُطلَبُ منهُ شيءٌ أبدًا، قالَ اللهُ تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ  [الزمر:44].

[بدعة اتخاذ المساجد والسرج على القبور]

ومِن البدعِ المحرَّمةِ المخالفةِ للإسلامِ والَّتي نهى عنها رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأحاديثِ الصَّحيحةِ في الصَّحيحَينِ والسُّننِ: اتِّخاذُ المساجدِ والسُّرجِ على القبورِ، والبناءِ عليها، وتجصيصِهما والكتابةِ عليها، وإلقاءِ السُّتورِ عليها، والصَّلاةِ في المقبرةِ، كلُّ هذا نهى عنهُ الرَّسولُ الكريمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأنَّهُ مِن أعظمِ أسبابِ عبادةِ أصحابِها.

[حكم ما يفعله الجهال عند بعض القبور]

وبهذا يتبيَّنُ أنَّ مِن الشِّركِ باللهِ ما يفعلُهُ الجهَّالُ عندَ بعضِ القبورِ في كثيرٍ مِن البلدانِ، مثلُ قبرِ البدويِّ والسَّيِّدةِ زينبَ في مصرَ، وقبرِ الجيلانيِّ في العراقِ، والقبورِ المنسوبةِ لآلِ البيتِ -رضيَ اللهُ عنهم- في النَّجفِ وكربلاءَ في العراقِ، وقبورٍ أخرى في كثيرٍ مِن البلدانِ مِن الطَّوافِ حولَها، وطلبِ الحوائجِ مِن أهلِها، واعتقادِ النَّفعِ والضُّرِّ فيهم.
ويتبيَّنُ أنَّ هؤلاءِ بفعلِهم هذا مشركونَ ضالُّونَ، وإنْ ادَّعوا الإسلامَ وصلَّوا وصامُوا وحجُّوا البيتَ، ونطقُوا بلا إلهَ إلَّا اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ؛ لأنَّ النَّاطقَ بلا إلهَ إلَّا اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ لا يُعتبَرُ موحِّدًا للهِ حتَّى يعرفَ معناها، ويعملَ بهِ كما تقدَّمَ بيانُ ذلكَ، أمَّا غيرُ المسلمِ فإنَّهُ يدخلُ في الإسلامِ ابتداءً بنطقِهِ بها، ويُسمَّى مسلمًا حتَّى يتبيَّنَ منهُ ما ينافيها مِن بقائِهِ على الشِّركِ كهؤلاءِ الجهَّالِ، أو إنكارِهِ لشيءٍ مِن فرائضِ الإسلامِ بعدَ بيانِها لهُ، أو إيمانِهِ بدينٍ يُخالفُ دينَ الإسلامِ، والأنبياءُ والأولياءُ بريْئُونَ ممَّن يدعوهم ويستغيثُ بهم؛ لأنَّ اللهَ تعالى أرسلَ رسلَهُ لدعوةِ النَّاسِ إلى عبادتِهِ وحدَهُ، وتركِ عبادةِ مَن سواهُ نبيًّا أو وليًّا أو غيرَهما.
ومحبَّةُ الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والأولياءُ المقتدونَ بهِ ليسَتْ في عبادتِهم؛ لأنَّ عبادتَهم عداوةٌ لهم، وإنَّما محبَّتُهم في الاقتداءِ بهم والسَّيرِ على طريقتِهم، والمسلمُ الحقيقيُّ يحبُّ الأنبياءَ والأولياءَ، ولكنَّهُ لا يعبدُهم، ونحنُ نؤمنُ بأنَّ محبَّةَ الرَّسولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واجبةٌ علينا فوقَ محبَّةِ النَّفسِ والأهلِ والولدِ والنَّاسِ أجمعينَ.

ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ:

الفرقُ النَّاجيةُ...

الشيخ: أحسنْتَ، الفرقةُ النَّاجيةُ.

القارئ: مكتوب الفرقُ النَّاجيةُ.

الشيخ: جمعَها؟

القارئ: نعم.

الشيخ: قفْ على هذا، موقفٌ مناسبٌ، رحمَ اللهُ الشَّيخَ، يصوِّرُ في هذا الكلامِ حالَ كثيرٍ من المنتسبينَ للإسلام في الأقطارِ الإسلاميَّة فإنَّ القبوريَّةَ قد -والعياذُ باللهِ- رسخَتْ في كثيرٍ من البلدان، القبوريَّة، يشيدون القبورَ على بعضِ الصَّالحين، أو من يُظَنُّ فيهم الصَّلاحُ، أو مَن يُدَّعَى لهم الصَّلاحُ، ثمَّ يجعلونها مزارًا يحجُّون إليها ويذبحون عندَها الذَّبائحَ، وينذرون إليها النُّذورَ ويتقرَّبون إليها بأنواعِ القرباتِ، نسألُ اللهَ العافيةَ، شركٌ صُراحٌ، ويستغيثون بها من بُعدٍ وقربٍ، وأغلظُ وأشدُّ ذلكَ عندَ الرَّافضةِ وهم الأصلُ في القبوريَّة، هم الأصلُ في القبوريَّة الَّذين...، يعني إنَّما أدخلَ القبوريَّة في الأمَّة الإسلاميَّة هم الرَّافضةُ فلكلِّ إمامٍ من الأئمَّة المعظَّمين عليه ضريحٌ ويُحَجُّ إليه، ولعليٍّ عندَهم في كربلاء وغيره غيره.

القارئ: شيخنا هنا ظاهرُ كلامِ الشَّيخ أنَّهم لا يُعذَرون الجهل؟

الشيخ: ما هو بصريحٍ.