القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ المؤلِّفُ رحمَهُ اللهُ تعالى..
الشيخ: الشَّيخ عبدُ الرَّحمن بن حمَّادٍ العمر-رحمَه اللهُ تعالى-
القارئ:
الفِرقُ النَّاجيةُ
المسلمونَ كثيرونَ في العددِ لكنَّهم قليلونَ في الحقيقةِ، والطَّوائفُ الَّتي تنتسبُ إلى الإسلامِ كثيرةٌ تصلُ إلى ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً ....
الشيخ: كما جاءَ في الحديثِ...
القارئ:
عددُ أفرادِها مئاتُ الملائيينَ ولكنَّ الطَّائفةَ المسلمةَ حقًّا واحدةٌ، وهيَ الَّتي توحِّدُ اللهَ تعالى وتسيرُ على طريقةِ الرَّسولِ محمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابِهِ في العقيدةِ والعملِ الصَّالحِ، كما أخبرَ بذلكَ الرَّسولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بقولِهِ: افترقَتِ اليهودُ على إحدى وسبعينَ فرقةً، وافترقَتِ النَّصارى على اثنتينِ وسبعينَ فرقةً، وستفترقُ هذهِ الأمَّةُ على ثلاثٍ وسبعينَ فرقةً كلُّها في النَّارِ إلَّا واحدةٌ ، قالَ الصَّحابةُ: مَن هيَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن كانَ على مثلِ ما أنا عليهِ اليومَ وأصحابي ، رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.
والَّذي عليهِ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ...
الشيخ: رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ عندك، في تخريج؟
القارئ: لا، تخريج ما فيه، لكن المؤلِّف هو الي يقولُ رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
الشيخ: لا، هذه فيه نظرٌ، ما هو..، قالَ ابنُ تيميةَ: إنَّ هذا مرويٌّ في المسانيدِ والسُّننِ، هذا ينبغي التَّعليقُ عليهِ، الصَّوابُ أنَّه ما رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ.
القارئ:
والَّذي عليهِ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابُهُ هو اعتقادُ معنى لا إلهَ إلَّا اللهَ محمَّدٌ رسولُ اللهِ، والعملُ بهِ بدعاءِ اللهِ وحدَهُ، والذَّبحِ والنَّذرِ للهِ وحدَهُ، والاستغاثةِ والاستعانةِ والاستعاذةِ باللهِ وحدَهُ، واعتقادِ النَّفعِ والضُّرِّ فيهِ وحدَهُ، وأداءُ أركانِ الإسلامِ بإخلاصٍ لهُ -سبحانَهُ- والتَّصديقُ بملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ، والبعثِ والحسابِ، والجنَّةِ والنَّارِ، وبالقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ كلِّهِ مِن اللهِ تعالى، وتحكيمُ القرآنِ والسُّنَّةِ في شتَّى المجالاتِ، والرِّضى بحكمِهما، وموالاةُ أولياءِ اللهِ، ومعاداةُ أعدائِهِ، والدَّعوةُ إليهِ، والجهادُ في سبيلِهِ، والاجتماعُ على ذلكَ، والسَّمعُ والطَّاعةُ لوليِّ الأمرِ المسلمِ إذا أمرَ بالمعروفِ، وقولُ كلمةِ الحقِّ أينَما كانُوا، ومحبَّةُ أزواجِ النَّبيِّ وآلِهِ وتولِّيهم، ومحبَّةُ أصحابِ رسولِ اللهِ وتقديمِهم على قدرِ فضلِهم، والتَّرضِّي عنهم جميعًا، والكفُّ عمَّا شجرَ بينَهم، وعدمُ التَّصديقِ بقدحِ المنافقينَ في بعضِهم، ذلكَ القدحُ الَّذي قصدُوا بهِ تفريقَ المسلمينَ، وانخدعَ بهِ بعضُ علمائِهم ومؤرِّخيهم فأثبتُوهُ في كتبِهم عن حسنِ نيَّةٍ، وهذا خطأٌ.
والَّذين يدَّعونَ أنَّهم مِن آلِ البيتِ، ويُسمُّونَ بالسَّادةِ، عليهم أنْ يتأكَّدُوا مِن صحَّةِ نسبِهم؛ لأنَّ اللهَ لعنَ مَن انتسبَ إلى غيرِ أبيهِ، فإذا ثبتَ نسبُهم فعليهم أنْ يقتدوا بالرَّسولِ وآلِهِ في إخلاصِ التَّوحيدِ للهِ، وتركِ المعاصي، وعدمِ الرِّضى بانحناءِ النَّاسِ لهم، وتقبيلِ ركبِهم وأقدامِهم ...
الشيخ: يعني على المنتسبينَ لبيتِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتواضعوا ولا يفخروا على النَّاسِ بنسبِهم، ولا يرضونَ من النَّاسِ بالغلو فيهم.
القارئ:
وألَّا يتميَّزوا عن إخوانِهم المسلمينَ بزيٍّ خاصٍّ؛ لأنَّ ذلكَ كلُّهُ مخالفٌ لما عليهِ الرَّسولُ، وهوَ منهُ بريءٌ، والأكرمُ عندَ اللهِ الأتقى، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ.
الحكمُ والتَّشريعُ حقٌّ للهِ وحدَهُ
الشيخ: إلى هنا، رحمَه اللهُ، جزاهُ اللهُ خيرًا، في هذهِ الجملةِ شرحَ فيه الشَّيخُ -رحمه اللهُ- مذهبَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أخذًا من قولِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لما قيلَ له: مَن الفرقةُ النَّاجيةُ؟ قالَ: مَن كانَ على مثل ما أنا عليهِ اليومَ وأصحابي ، فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ هم الَّذين اقتفوا آثارَ الصَّحابةِ -رضوانُ اللهِ عليهم- وتحرُّوا سنَّةَ رسولِ اللهِ بأقواله وأفعاله، وآمنُوا بكلِّ ما أخبرَ بهِ من أسماءِ اللهِ وصفاته، وما أخبرَ به عن اليومِ الآخرِ، وقامُوا بالحقوق، قامُوا بحقِّ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيمانًا ومحبَّةً وتوقيرًا وتعزيرًا له، وبحقِّ الصَّحابةِ -رضوانُ اللهِ عليهم- اعترافًا بفضلِهم وإنزالًا لهم بمنازلهم، وكذلك أزواجُ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، فمذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ يقومُ على الإيمانِ بكلِّ ما أخبرَ اللهُ به ورسولُه وعلى طاعةِ اللهِ ورسولِه. نعم..
القارئ: قالَ رحمَهُ اللهُ:
الحكمُ والتَّشريعُ حقٌّ للهِ وحدَهُ وحيثُ يكونُ الشَّرعُ تكونُ العدالةُ والرَّحمةُ والفضيلةُ: ومِن معنى لا إلهَ إلَّا اللهَ الَّذي يجبُ اعتقادُهُ...
الشيخ: لقولِهِ تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ الحكمُ للهِ وحدَه هو الَّذي يحكمُ الأحكامَ الكونيَّةَ، فالكونُ كلُّه بمشيئتِه وتقديرِه وتدبيرِه، وكذلك الحكمُ الشَّرعيُّ، فالشَّرائعُ كلُّها بأمرِه ووحيِه سبحانَه وتعالى، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ جاءَ هذا في الأمرِ الكونيِّ والأمرِ الشَّرعيِّ، يقولُ تعالى: وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف:26] فالتَّحليلُ والتَّحريمُ والإيجابُ والاستحبابُ كلُّ ذلكَ راجعٌ إلى شرعِهِ سبحانَه وتعالى، فالحلالُ ما أحلَّه اللهُ ورسولُه، والحرامُ ما حرَّمَه اللهُ ورسولُه، والدِّينُ ما شرعَه اللهُ ورسولُه.
القارئ:
ومِن معنى لا إلهَ إلَّا اللهَ الَّذي يجبُ اعتقادُهُ والعملُ بهِ: أنَّ الحكمَ والتَّشريعَ حقٌّ للهِ وحدَهُ، فلا يجوزُ لأحدٍ مِن البشرِ أنْ يضعَ قانونًا مخالفًا لشريعةِ اللهِ في أيِّ أمرٍ مِن الأمورِ، ولا يجوزُ للمسلمِ أنْ يحكمَ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ، ولا يجوزُ لهُ أنْ يرضى بحكمٍ يخالفُ شريعةَ اللهِ، ولا يجوزُ لأحدٍ أنْ يُحِلَّ ما حرَّمَ اللهُ، أو يحرِّمَ ما أحلَّ اللهُ، فمَن فعلَ ذلكَ متعمِّدًا المخالفةَ أو رضيَ بهِ فهوَ كافرٌ باللهِ، قالَ اللهُ تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44].
ووظيفةُ الرُّسلِ الَّتي بعثَهم اللهُ بها: هيَ دعوةُ النَّاسِ إلى كلمةِ التَّوحيدِ (لا إلهَ إلَّا اللهَ)، والعملُ بمدلولِها وهوَ عبادةُ اللهِ وحدَهُ، والخروجُ مِن عبادةِ المخلوقِ وشريعتِهِ إلى عبادةِ الخالقِ وشريعتِهِ وحدَهُ، لا شريكَ لهُ.
ومَن قرأَ القرآنَ العظيمَ بتدبُّرٍ وبعدٍ عن التَّقليدِ الأعمى أدركَ تمامًا أنَّ ذلكَ الَّذي بيَّنَّاهُ هوَ الحقُّ، وأدركَ أنَّ اللهَ حدَّدَ علاقةَ الإنسانِ معَهُ سبحانَهُ ومعَ الخلقِ، فجعلَ علاقةَ عبدِهِ المؤمنِ بهِ أنْ يعبدَهُ بجميعِ أنواعِ العبادةِ، فلا يصرفُ منها شيئًا لغيرِهِ، وجعلَ علاقتَهُ بالأنبياءِ وعبادِ اللهِ الصَّالحينَ محبَّتَهم محبَّةً تابعةً لمحبَّتِهِ سبحانَهُ والاقتداءِ بهم، وجعلَ علاقتَهُ بأعدائِهِ الكافرينَ بغضَهم؛ لأنَّ اللهَ يُبغضُهم، وأنْ يدعوهم معَ هذا إلى الإسلامِ، ويبيِّنَهُ لهم لعلَّهم يهتدونَ، وأنْ يجاهدَهم المسلمونَ إذا رفضُوا الإسلامَ، ورفضُوا الخضوعَ لحكمِ اللهِ، حتَّى لا تكونَ فتنةً ويكونَ الدِّينُ كلُّه للهِ، فهذهِ المعاني لكلمةِ التَّوحيدِ "لا إلهَ إلَّا اللهَ" يجبُ على المسلمِ أنْ يعرفَها، وأنْ يعملَ بها لكي يكونَ مسلمًا حقًّا.
معنى شهادةُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ...
الشيخ: قفْ على هذا، صحيحٌ أنَّ كلمةَ التَّوحيدِ تتضمَّنُ كلَّ معاني التَّوحيد، توحيد الرُّبوبيَّةِ وتوحيد الإلهيَّةِ وتوحيد الأسماءِ والصِّفاتِ، فهو الإلهُ الحقُّ الَّذي لا يستحقُّ العبادةَ سواه، وهو الموصوفُ بكلِّ كمالٍ، وهو ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه سبحانه وتعالى، و"لا إله إلَّا الله" تتضمَّنُ هذا كلَّه، ومن مقتضياتها اتِّباعُ شرعِه سبحانه وتعالى، وتحكيمُ كتابِه وسنَّةِ نبيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.