الرئيسية/شروحات الكتب/الدين الحق/(10) الفصل الثالث: معرفة دين الحق الإسلام (أركان الإسلام)

(10) الفصل الثالث: معرفة دين الحق الإسلام (أركان الإسلام)

القارئ: قالَ الشَّيخُ عبدُ الرحمنِ بنُ حمَّادٍ آلَ عمر -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "الدِّينِ الحقِّ":

أركانُ الإسلامِ والإسلامُ الكاملُ الَّذي بعثَ اللهُ بهِ رسولَهُ محمَّدًا -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- مبنيٌّ على خمسةِ أركانٍ، لا يكونُ الإنسانُ مسلمًا حقًّا حتَّى يُؤمنَ بها ويؤدِّيَها، وهيَ:
أنْ يشهدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ.
ويقيمَ الصَّلاةَ.
ويؤتيَ الزَّكاةَ.
ويصومَ رمضانَ.
ويحجَّ بيتَ اللهِ الحرامَ إنْ استطاعَ إليهِ سبيلًا.
الشيخ: هذا كما جاءَ في حديثِ جبريل، قالَ له: ما الإسلامُ؟ قالَ: (الإسلامُ أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ...)  إلى آخره، وقالَ في حديثِ ابن عمرَ: (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ...)  فدلَّ على هذه الأصولِ حديثُ جبريل وحديثُ ابن عمرَ في الصَّحيحين، فهذه أصولُ الإسلامِ العمليَّة، الشهادتان وما بعدَها.

القارئ:

الرُّكنُ الأوَّلُ: شهادةُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ:

وهذهِ الشَّهادةُ لها معنىً يجبُ على المسلمِ معرفتُهُ والعملُ بهِ، أمَّا الَّذي يقولُها بلسانِهِ ولا يعرفُ معناها ولا يعملُ بهِ فإنَّهُ لا ينتفعُ بها، ومعنى "لا إلهَ إلَّا اللهُ" أي: لا معبودَ بحقٍّ في الأرضِ ولا في السَّماءِ إلَّا اللهُ وحدَهُ، فهوَ الإلهُ الحقُّ، وكلُّ إلهٍ غيرُهُ باطلٌ، والإلهُ معناهُ: المعبودُ.
والَّذي يعبدُ غيرَ اللهِ كافرٌ باللهِ مشرِكٌ بهِ، ولو كانَ معبودُهُ نبيًّا أو وليًّا، ولو كانَ بحجَّةِ التَّقرُّبِ بهِ إلى اللهِ تعالى والتَّوسُّلِ إليهِ؛ لأنَّ المشركِينَ الَّذينَ قاتلَهم الرَّسولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما عبدُوا الأنبياءَ والأولياءَ إلَّا بهذهِ الحجَّةِ، لكنَّها حجَّةٌ باطلةٌ مردودةٌ.

الشيخ: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ}  [الزمر:3]، يقولون هكذا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}  [الزمر:3]، فاتَّخذوا الأنبياءَ والصَّالحينَ والأولياءَ واسطةً بينَهم وبينَ اللهِ، بحجَّةِ أنَّهم يقرِّبونهم وأنَّهم يشفعون لهم كما قالَ تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}  [يونس:18]، فيعبدونهم من دونِ اللهِ بهذه الشُّبهةِ.

القارئ:

لكنَّها حجَّةٌ باطلةٌ مردودةٌ؛ لأنَّ التَّقرُّبَ إلى اللهِ تعالى والتَّوسُّلَ إليهِ لا يكونُ بصرفِ العبادةِ لغيرِهِ، وإنَّما يكونُ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، وبالأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي أمرَ بها كالصَّلاةِ والصَّدقةِ والذِّكرِ والصَّومِ والجهادِ والحجِّ وبرِّ الوالدَينِ، ونحوِ ذلكَ، وبدعاءِ المؤمنِ الحيِّ الحاضرِ لأخيهِ إذا دعا.
والعبادةُ أنواعٌ كثيرةٌ:
منها الدُّعاءُ: وهوَ طلبُ الحاجاتِ الَّتي لا يقدرُ عليها إلَّا اللهُ تعالى مثلَ إنزالِ المطرِ، وشفاءِ المريضِ، وتفريجِ الكرباتِ الَّتي لا يفرجُها المخلوقُ، ومثلَ طلبِ الجنَّةِ، والنَّجاةِ مِن النَّارِ، وطلبِ الأولادِ، والرِّزقِ، والسَّعادةِ، ونحوِ ذلكَ.
فهذا كلُّهُ لا يُطلَبُ إلَّا مِن اللهِ، فمَن طلبَ مِن المخلوقِ حيًّا أو مَيْتًا شيئًا مِن ذلكَ فقد عبدَهُ، قالَ اللهُ تعالى آمرًا عبادَهُ بدعائِهِ وحدَهُ، ومخبرًا أنَّ الدُّعاءَ عبادةٌ، مَن صرفَهُ لغيرِهِ فهوَ مِن أهلِ النَّارِ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}  [غافر:60].
وقالَ تعالى مخبرًا أنَّ مَن سِوَاهُ مِن المدعوِّينَ لا يملكونَ لأحدٍ نفعًا ولا ضرًّا، ولو كانُوا أنبياءَ أو أولياءَ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا}  [الإسراء:56].
وقالَ اللهُ تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}  [الجن:18].
ومِن العبادةِ: الذَّبحُ والنَّذرُ وتقريبُ القرابينِ: فلا يصحُّ أنْ يتقرَّبَ الإنسانُ بسفكِ الدَّمِ، أو بتقريبِ قربانٍ، أو بنذرٍ إلَّا للهِ وحدَهُ، ومَن ذبحَ لغيرِ اللهِ كمَن يذبحُ للقبرِ أو للجنِّ، فقد عبدَ غيرَ اللهِ واستحقَّ لعنةَ اللهِ، قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}  [الأنعام:163-162]
وقالَ الرَّسولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لعنَ اللهُ مَن ذبحَ لغيرِ اللهِ)  حديثٌ صحيحٌ، رواهُ مسلمٌ.
وإذا قالَ إنسانٌ: لفلانٍ عليَّ نذرٌ إنْ حصلَ لي كذا أنْ أتصدَّقَ بكذا أو أفعلَ كذا، فهذا النَّذرُ شركٌ باللهِ؛ لأنَّهُ نذرٌ لمخلوقٍ، والنَّذرُ عبادةٌ لا يكونُ إلَّا للهِ، والنَّذرُ المشروعُ هوَ أنْ يقولَ: للهِ عليَّ نذرٌ أنْ أتصدَّقَ بكذا، أو أفعلَ كذا مِن الطَّاعةِ إذا حصلَ لي كذا.

الشيخ: يوضِّحُه ما يفعلُه القبوريُّون من النَّذر للأموات، ينذرُ للسَّيِّد فلان البدويّ الدسوقيّ أو البدويّ أو غيرهما ينذرُ أنْ يذبحَ له كذا وكذا، هذا كمن يصلِّي له فإنَّه يقصدُ إلى التَّقرُّبِ إليه بالنَّذرِ ينذرُ له، فكما أنَّ من نذرَ لله أنْ يتقرَّبَ إليه بذبحٍ أو نحرٍ عابدًا له مثابٌ {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ}  [البقرة:270]، فكذلك من نذرَ لغيره، فالنَّذرُ لغيره شركٌ، النَّذرُ لله عبادةٌ له، وهذا باعتبارِ الوفاءِ، أمَّا عقدُ النَّذرِ فإنَّه جاءَ النَّهي عن النَّذر، فلا يُشرَعُ للإنسانِ أن ينذرَ، يقولُ: "للهِ عليَّ أنْ أصومَ شهرًا أو أتصدَّقَ بكذا وكذا"، هذا منهيٌّ عنه، قالَ عليه الصَّلاة والسَّلامُ: (النَّذرُ لا يأتي بخيرٍ، وإنَّما يُستخرَجُ بهِ مِن البخيلِ) ، ولكنَّه يكون عبادةً باعتبار المآلِ؛ لأنَّ النَّاذرَ ينذر طاعةً، ينذرُ عبادةً يقصدُ بذلك التَّقرُّبَ للمنذورِ له.

القارئ:

ومِن أنواعِ العبادةِ: الاستغاثةُ والاستعانةُ والاستعاذةُ: فلا يُستغاثُ ولا يُستعانُ ولا يُستعاذُ إلَّا باللهِ وحدَهُ قالَ اللهُ تعالى في القرآنِ الكريمِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}  [الفاتحة:5] وقالَ اللهُ تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}  [الفلق:1-2] وقالَ الرَّسولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنَّهُ لا يُستغاثُ بي وإنَّما يُستغاثُ باللهِ)  حديثٌ صحيحٌ، رواهُ الطَّبرانيُّ.

الشيخ: المقصودُ هذا كلُّه فيما لا يقدرُ عليهِ، الاستعانةُ بالأمواتِ الاستعانةُ بالمخلوق فيما لا يقدرُ عليهِ إلَّا الله، كالنَّجاة من الكروبِ، كمن غرقَ في البحرِ فاستغاثَ بالوليِّ هذا هو الشِّركُ، لأنَّه أنزلَه منزلةَ اللهِ، فلا يُستغاثُ في الكروبِ إلَّا بالله وحده {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}  [الأنفال:9]، أمَّا الاستغاثةُ بالمخلوقِ فيما يقدرُ عليه، كالَّذي استغاثَ بموسى {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}  [القصص:15].

القارئ:

وقالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا سألْتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعنْ باللهِ)  حديثٌ صحيحٌ، رواهُ التِّرمذيُّ.
والإنسانُ الحيُّ الحاضرُ يصحُّ أنْ يُستغاثَ بهِ، ويُستعانَ بهِ في الشَّيءِ الَّذي يقدرُ عليهِ فقط، أمَّا الاستعاذةُ فلا يُستعاذُ إلَّا باللهِ وحدَهُ، والميِّتُ والغائبُ لا يُستغاثُ بهِ، ولا يُستعانُ بهِ البتَّةَ؛ لأنَّهُ لا يملكُ شيئًا، ولو كانَ نبيًّا أو وليًّا أو مَلَكًا.
والغيبُ لا يعلمُهُ إلَّا اللهُ تعالى، فمَن ادَّعى أنَّهُ يعلمُ الغيبَ فهوَ كافرٌ يجبُ تكذيبُهُ، ولو تكهَّنَ بشيءٍ فوقعَ فهوَ مِن بابِ الموافقةِ، قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَن أتى كاهنًا أو عرَّافًا فصدَّقَهُ بما يقولُ فقد كفرَ بما أُنزِلَ على محمَّدٍ)  رواهُ الإمامُ أحمدُ والحاكمُ.
ومِن العبادةِ: التَّوكُّلُ والرَّجاءُ والخشوعُ.

الشيخ: إلى هنا..

طالب: الصِّياغةُ الَّتي ذكرَها في النَّذر "عليَّ نذرٌ أنْ أتصدَّقَ بكذا" مثَّلَ أنَّ هذا نذرُ شركٍ؟

الشيخ: لا، يقولُ: لفلانٍ، نذر فلان، يعني من سيِّد، هذا من فعلِ الصُّوفيَّة، ينذرُ للوليِّ، ما هو بينذر للهِ، ولهذا جاءَ بعدَها ذكرُ النَّذرِ لله.

طالب: قالَ: عليَّ نذرٌ إنْ حصلَ لي كذا أنْ أتصدَّقَ بكذا" ما ذكرَ لوليٍّ.

الشيخ: فيها، اقرأْ الي [الذي] قبلَها.

القارئ:

"وإذا قالَ إنسانٌ: لفلانٍ عليَّ نذرٌ".

الشيخ: لفلانٍ، يعني افرضْ أنَّه من القبوريَّة يقولُ: للسَّيِّد البدويِّ عليَّ نذرٌ، بس الواقع أنَّها، العبارةُ فيها إيهامٌ، هو يقولُ: "لفلانٍ" بدلَ أنْ يقولَ: للهِ عليَّ أنْ أتصدَّقَ، قالَ: لفلانٍ، ممَّن يعظِّمه حيًّا أو ميتًا.

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة