الرئيسية/شروحات الكتب/رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه/(10) فصل قوله “إذا عرفت هذه المقدمة فاللذة التامة والفرح والسرور”

(10) فصل قوله “إذا عرفت هذه المقدمة فاللذة التامة والفرح والسرور”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (رسالة ابن القيّم إلى أحد إخوانه)
الدّرس العاشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ الله الرّحمنِ الرّحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. قال ابنُ القيّم في رسالتِه لأحدِ إخوانِه:
فصلٌ؛ إِذا عرفتَ هَذِه المُقدمَةَ فاللّذَّةُ التَّامَّةُ والفرحُ وَالسُّرُورُ وطِيبُ العَيْشِ وَالنَّعِيمُ إِنَّمَا هُوَ فِي معرفَةِ اللهِ وتوحيدِه والأُنسِ بِهِ.
– الشيخ:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، إذا عرفتَ هذه المقدّمة.
– القارئ: إِذا عرفتَ هَذِه الْمُقدّمَةَ فاللّذةُ التَّامَّةُ والفرحُ وَالسُّرُورُ وَطِيبُ العَيشِ وَالنَّعِيمُ إِنَّمَا هُوَ فِي معرفَةِ اللهِ وتوحيدِه ِوالأُنسِ بِهِ، والشوقِ إِلى لِقَائِه واجتماعِ القلبِ والهمِّ عَلَيهِ
– الشيخ:
الله المستعان
– القارئ: فَإِنّ أنكدَ العَيشِ عَيْشُ من قلبُه مشتّتٌ وهمّه مُفرَّقٌ، فَلَيسَ لِقَلْبِهِ مُسْتَقرٌ يسْتَقرُّ عِندَه وَلَا حبيبٌ يأوي إِلَيْهِ ويسكنُ إِلَيهِ كَمَا أفصحَ الْقَائِلُ عَن ذَلِك بقوله:
(وَمَا ذاقَ طعمَ العَيشِ مَن لم يكن لَهُ … حبيبٌ إِلَيْهِ يطمئنُّ ويسكنُ).
– الشيخ:
الله أكبر
– القارئ: فالعيشُ الطّيّبُ والحياةُ النّافعةُ وقرّةُ العينِ فِي السّكُونِ والطُّمأنينةِ إِلَى الحبيب الأوّلِ، وَلَو تنقَّلَ الْقلبُ فِي المحبوبات كلّهَا لم يسكنْ وَلم يطمئنَّ إِلَى شَيءٍ مِنْهَا وَلم تَقَرَّ بِهِ عينُه حَتَّى يطمئنّ إِلَى إلهِهِ وربِّهِ ووليِّه الَّذِي لَيْسَ لَهُ من دونِه وليٌّ وَلَا شَفِيعٌ، وَلَا غِنى لَهُ عَنهُ طرفَةُ عينٍ كَمَا قَالَ الْقَائِل:
نَقِّلْ فُؤَادَك حَيْثُ شِئْت من الهوى … مَا الحبُّ إِلَّا للحبيب الأوّلِ
كم منزلٌ فِي الأَرْض يألفُهُ الْفَتى … وحنينُه أبدًا لأوّلِ منزلِ
فاحرصْ أَن يكونَ همُّك وَاحِدًا.
– الشيخ:
الحبيبُ الأوّلُ، لا إله إلا الله، التعبيرُ عن اللهِ بالإله أفضلُ من التّعبيرِ عنه بالحبيب، فإنّ الإلهيةَ تتضمّنُ المحبّةَ كمالُ المحبّة، يعني تتضمن الإلهيّةُ، تتضمّنُ أنّه مُستحّقٌ للعبادةِ، والعبادةُ تتضمّنُ كمالَ الحبِّ وكمالَ الذُّل، نعم الله تعالى يُحِبُّ ويُحَبُّ، ﴿يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُ﴾، لكنّ اتخاذَ هذا كاسم لله "الحبيب".
كما إنّ كثيرًا من النّاس يُعبّرُ عن الّرسولِ بالحبيبِ ويطلقُ هذا مع أنّه نعم يجبُ أن يكون أحبَّ إلى المؤمن من نفسِه ووالدِه وولدِه والنّاسِ أجمعين، لكنّ الحبيبَ ليس عَلَمَاً على الرّسولِ وليس من أسمائه، بل هو رسولُ الله ونبيُّ اللهِ وهو البشيرُ النّذيرُ وهو سيّدُ ولدِ آدمَ صلّى الله عليه وسلّم.
نعم الأمرُ كما قالَ، لا شكَّ أنّ السُّرورَ والفرحَ والطُّمأنينةَ إنّما تكوُن بمعرفة اللهِ والإيمانِ به، وهذا شأنُ المؤمنِ، وكلّما كانَ الإيمانُ أكمل كانت الطُّمأنينةُ وكانت السُّرورُ وكان الفرحُ وكان ذلك أكملُ، فأسعدُ النّاسِ هم أهلُ الإيمان، أسعدُهم هم المؤمنونَ، هم السّعداءُ في الدّنيا والآخرة.
يقول ابن القيم: إنّ قولَه تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار:13]، هذا شاملٌ للدُّور الثَّلاث، ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ يعني في الدّنيا وفي البرزخِ ويومَ القيامةِ، فأسعدُ النّاسِ بل أطيبُهم عَيشاً هم أهلُ الإيمان المؤمنون بالله.
حتى المؤمنُ الضَّعيفُ العامّيُّ أو العاصي هو أنعمُ عَيشاً من الكافر الشّقيِّ البعيدِ الذي لا يؤمنُ بالله ولا باليومِ الآخِرِ، هذا تائِهٌ ما يدري وين هو رايح يتصوّرُ أنّه، فلا يعرفُ مَبدأً ولا مَعادًا ولا يعرفُ لماذا خُلقَ في هذه الدّنيا، البهائمُ أحسنُ منه، أُولَٰٓئِكَ كَالأَنْعَٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ الغَٰفِلُونَ [الأعراف:179].
أمَّا المؤمنُ يَعرفُ أنّه عبدٌ لله وأنّه يعني له مصيرٌ ينتهي إليه، فهو يرجو رحمةَ اللهِ، يرجو ثوابَ الله، يرجو أنْ يُدخِلَه اللهُ الجنّةَ يخافُ من النّارِ يعوذُ بالله من النّارِ هو يعرفُ الـ، يعرفُ أنّه عبدٌ لله وأنّ اللهَ خلقَهُ، يعرفُ مبدأ، هو يعرفُ شأنَه ووظيفتَه في هذه الحياة، هذا لاشكَّ أنّه أطيبُ عَيشًا ممن لا يدري من أينَ جاءَ وإلى أين يذهبُ، ولا لأيِّ غايةٍ وُجدَ في هذه الأرض.
سبحانَ اللهِ سبحان الله سبحان الله، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، يقولُ اللهُ تعالى: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ  إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ  وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النساء:104]، المؤمنونَ إذا تقاتلوا مع الكفّارِ، المؤمنون يقاتلون، كلّهم تُصيبُهُم الجِراحُ وكلّهم يُقتَلُ منهم من يُقتل، ولكن المؤمنون يرجونَ يرجونَ أمراً عظيماً، بل هم يتسابقون إليه وهي الشّهادة، لِمَا يعلمونَ ويرجونَ من منازلِ الشّهداءِ.
أما الكفّارُ فلا يرجونَ شيئاً، الآن هؤلاءِ جيوشُ الأممِ الكافرةِ ماذا ترجو؟ ترجو ما يعني المال الّذي يُعطَون إيّاهُ بس، المرتّب يشتغلون على المرتّب فقط، مالهم شيء يرجونَهُ، اللّهم إلّا إذا كانوا يرجونَ ترقيةً ولّا شيء ولّا شُهرةً ولّا دِعايةً، نسألُ اللهَ العافيةَ، نعم يا عمر.
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال رحمه الله: فاحرِص أَنْ يكونَ همُّك وَاحِدًا، وَأَن يكونَ هُوَ اللهُ وَحدَه، فَهَذَه غَايَةُ سَعَادَةِ العَبْدِ، وَصَاحبُ هَذِه الحالِ فِي جنَّةٍ مُعجَّلَةٍ قبلَ جنَّةِ الْآخِرَة وَفِي نعيمٍ عَاجلٍ كَمَا قَالَ بعض الواجدين: إِنَّه ليمرُّ بِالْقَلبِ أَوْقَاتٌ أَقُولُ إِن كَانَ أهلُ الْجنَّةِ فِي مثل هَذَا إِنَّهُم لفي عَيْشٍ طيّبٍ، وَقَالَ آخر: إِنَّه ليمرُّ بِالْقَلْبِ أَوْقَاتٌ يرقصُ فِيهَا طَربًا، وَقَالَ آخرُ: مَسَاكِينُ أهلُ الدُّنْيَا خَرجُوا مِنْهَا وَمَا ذاقوا أطيبَ مَا فِيهَا، قيل لَهُ: وَمَا أطيبُ مَا فِيهَا؟ قَالَ معرفَةُ الله ومحبَّتُه والأنسُ بِقُرْبِهِ والشَّوقُ إِلَى لِقَائِه. وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نعيمٌ يُشبِهُ نعيمَ أهلِ الْجنَّة إِلَّا هَذَا.
– الشيخ: ويُضافُ إلى هذا الخوفُ منه والرّغبةُ إليه، هذا من تمامِ المعرفةِ، من تمامِ المعرفةِ الخوفُ والرَّجاءُ.

– القارئ: وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا نعيمٌ يُشبهُ نعيمَ أهلِ الجنَّةِ إِلَّا هَذَا، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عَلَيْهِ وَسلّم: (حُبِّبَ إِلَيّ من دنياكُم النِّسَاءُ وَالطّيبُ وَجُعلت قُرَّةُ عَيْني فِي الصَّلَاة). فَأخْبرَ أَنَّه حُبِّبَ إِلَيْهِ من الدُّنْيَا شَيْئَانِ: النِّسَاءُ وَالطّيبُ، ثمَّ قَالَ: (وَجعلتْ قُرَّةُ عَيْني فِي الصَّلَاة).
وقرَّةُ العينِ فَوق الْمحبَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كلُّ مَحْبُوبٍ تَقَرُّ بِهِ العينُ وَإِنَّمَا تَقَرُّ العينُ بِأَعلَى المحبوبات الَّذِي يُحَبُّ لذاتِه، وَلَيسَ ذَلِك إِلَّا الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، وكلّ مَا سِواهُ فَإِنَّمَا يُحَبُّ تَبَعًا لمحبّته، فيُحِبُّ لأَجلِهِ وَلَا يُحَبُّ مَعَه، فَإِنّ الحبَّ مَعَه شِركٌ، وَالحبَّ لأَجلِه تَوحِيدٌ، فالمشركُ يتَّخذُ من دون الله أنداداً يُحِبهُمْ كحبِّ الله، والموحِّدُ إِنَّمَا يُحبُّ من يُحِبُّهُ لله وَيُبغِضُ من يُبغضُه فِي الله وَيَفْعلُ مَا يَفعَلُه لله وَيتركُ مَا يتركُهُ لله، ومدارُ الدّينِ على هَذِهِ القَوَاعِد الأَربَعَة، وَهِي: الحبُّ والبُغضُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا الفعلُ والتّركُ وَالعطَاءُ وَالمَنعُ، فَمن استكملَ أَنْ يكونَ هذا كُلّهُ لله استكملَ الإِيمَانَ، وَمَا نَقَصَ منهَا أَن يكون لله عَادَ ينقصُ إِيمَانُ العَبد.
والمقصودُ
– الشيخ: ايش؟ عادَ؟ عادَ بنقصِ بنقص، الياء باء
– القارئ: أحسن الله إليكم، عَادَ بنقصِ إِيمَانِ العَبْدِ، والمقصودُ أنّ ما..
– الشيخ:
إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسن الله إليكم.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات