بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة المدنيّة) لابن تيمية
الدّرس الثّالث
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمن ِالرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على عبدهِ نبينّا محمّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، أمّا بعد: يقولُ شيخُ الإسلامِ الإمام أبو العباس ابن تيمية -رحمهُ الله تعالى- في رسالتهِ: "الرسالةُ المدنية في الحقيقةِ والمجازِ في الصفات" قال رحمهُ الله:
فقلتُ له: نبدأُ بالكلامِ على مسألةِ تأويلِ الصفاتِ، فإنّها الأم والباقي مِنَ المسائلِ فرعٌ عَليها، وقلتُ لهُ: مذهبُ أهلِ الحديثِ وهم السّلفُ مِنَ القرون ِالثلاثةِ ومَن سَلكَ سَبيلهم مِنَ الخلفِ: أنَّ هذه الأحاديث تمرُّ كما جاءت، ويُؤمَن بِها وتُصدّق، وتُصانُ عَن تأويلٍ يُفضي إلى تعطيلٍ، وتكييفٍ يُفْضي إلى تَمْثيل.
وقد أطلقَ غيرَ واحدٍ ممّن حكى إجماعَ السّلفِ مِنهم الخطابيُ مَذْهبَ السّلفِ: أنّها تَجرى على ظاهرها، معَ نفي الكيفية والتّشبيهِ عنها، وذلكَ أنَّ الكلامَ في الصفاتِ فرعٌ على الكلامِ في الذات، يُحْتذى حَذوه ويُتَّبعُ فيهِ مثالهُ، فإذا كانَ إثباتُ الذات إثبات وجودٍ، لا إثباتَ كيفيةٍ، فكذلكَ إثباتُ الصفاتِ إثباتُ وجود ٍلا إثبات كيفية؛ فنقولُ: أنَّ لهُ يدًا وسمعًا، ولا نقول: إنَّ معنى اليد: القدرةُ، ومَعْنى السمعِ: العلمُ.
فقلتُ لهُ: وبعضُ الناسِ يقول: مَذْهبُ السّلفِ: أنَّ الظاهر غيرُ مُراد، ويقول: أجمعنا على أنَّ الظاهر غيرُ مُراد، وهذه العبارة خطأ، إمّا لفظًا ومعنى، أو لفظًا لا معنى؛ لأنَّ الظاهرَ قد صارَ مُشْتركًا بينَ شَيئين:
أحدهما: أنْ يُقال: أنَّ اليدَ جارحةٌ مِثلُ جوارحِ العباد، وظاهرُ الغضبِ غَليانُ القلبِ لطلبِ الانتقام، وظاهرُ كونهِ في السماءِ أنْ يكونَ مِثلَ الماءِ في الظرفِ، فلا..
– الشيخ: أيش؟ بعده في السماء؟
– القارئ: وظاهرُ كونهِ في السماءِ أنْ يكونَ مِثل الماءِ في الظرفِ، فلا شكَّ أنَّ مَن قال: أنَّ هذه المعاني وشِبْهِها مِن صفاتِ المخلوقين ونُعوتِ المُحَدِّثِين..
– الشيخ: المُحدَثين
– القارئ: ونعوت المُحدَّثين غير مراد من..
– الشيخ: المُحْدَث جمع مُحْدَث
– القارئ: فلا شكَّ أنَّ مَن قال: أنَّ هذه المعاني وشبهها مِن صفاتِ المخلوقين ونعوت المحدثين غير مُراد مِنَ الآياتِ والأحاديث فقد صدقَ وأحسن؛ إذ لا يَخْتلفُ أهلُ السنّة أنَّ الله تعالى ليسَ كمثلهِ شيء، لا في ذاتهِ ولا في صفاتهِ ولا في أفعالهِ، بلْ أكثرُ أهلِ السنّة مِن أصحابنا وغيرهم يُكفِّرونَ المشبّهة والمجسّمة.
لكنَّ هذا القائلُ أخطأ، حيثُ ظنَّ أنَّ هذا المعنى هو الظاهرُ مِن هذه الآيات والأحاديث، وحيثُ حكى عَنِ السّلف ما لمْ يَقولوهُ، فإنَّ ظاهرَ الكلامِ هو ما يَسْبق إلى العقلِ السليم مِنهُ لمن يَفْهم بِتلكَ اللغة، ثمَّ قد يكونُ ظُهورهُ بمجردِ الوضعِ، وقد يكون بسياقِ الكلام، وليستْ هذه المعاني المُحدَثة المستحيلةَ على الله تعالى هي السابقةَ إلى عقلِ المؤمنين، بل اليدُ عِندَهم كالعلمِ والقدرةِ والذات، فَكما كانَ عِلْمُنا وقدرتنا وحياتنا وكلامُنا ونحوها مِنَ الصفاتِ أعراضًا تدلُّ على حدوثنا، يَمْتنعُ أنْ يُوصفَ الله سبحانهُ بِمثلها، فكذلكَ أيدينا ووجوهنا، ونحوها أجسامًا كذلكَ محُدثة، يَمْتنعُ أنْ يوصفَ الله تعالى بِمثلها.
ثمَّ لمْ يقلْ أحدٌ مِن أهلِ السنّة: إذا قُلْنا: إنَّ لله علمًا وقدرةً وسمعًا وبصرًا، أنَّ ظاهرهُ غيرُ مُراد، ثمَّ يُفَسِّرُ بِصفاتنا، فكذلك لا يجوزُ أنْ يقال: إنَّ ظاهرَ اليدِ والوجهِ غيرُ مُراد، إذْ لا فرقَ بينَ ما هو مِن صِفاتِنا جسمٍ أو عَرَضٍ للجسمِ.
ومَن قال: إنَّ ظاهرَ شيءٍ مِن أسمائهِ وصفاتهِ غيرُ مُراد فقد أخطأ؛ لأنّهُ ما مِن اسمٍ يُسمّى الله تعالى به إلّا والظاهر الذي يَسْتحقّهُ المخلوق غيرُ مُرادٍ بهِ، فكانَ قولُ هذا القائلِ يَقْتضي أنْ يكونَ جميعُ أسمائهِ وصفاتهِ قد أُريدَ بِها ما يُخالفُ ظاهرها، ولا يَخفى ما في هذا الكلامِ مِنَ الفساد.
والمعنى الثاني..
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، تواصلَ الكلامُ على كلِّ حال، هو كما نقلَ الشيخ علي الخطابي، وأنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّة إمرار هذه النصوصِ على ظاهرها بِلا كيف، "أمِرُّوها كما جاءت بِلا كيف"، يعني أمِرُّوها دونَ تعرّضٍ لِمَعْناها بالتأويل، أمِرُّوها مُثْبتينَ لِما تدلُّ عليهِ بِلا تَكْييف.
فمذهبهم، فمذهبُ أهلِ السُنَّة إثباتُ هذه النصوص معَ نفي تَكْييف وإثباتُ ما دلّت عليهِ هذه الأحاديثُ والآيات معَ نفي التكييف، فتُصانُ عَنِ التعطيلِ وعَن التمثيل، يعني عَنِ التكييف الذي يؤولُ إلى التمثيل، وتُصانُ عنِ النفي والتنزيه الذي يؤولُ إلى التعطيل، فمذهبُ أهلِ السُنَّة يقومُ على إثباتِ ونفي التمثيل، ونفي العلمِ بالكيفية.
ثمَّ يذكرُ الشيخ في هذا معنىً قرّرهُ في غيرِ موضعٍ ومِن ذلك: القاعدةُ الثالثة مِنَ "العقيدة التدمرية" في مسألةِ الظاهر، ظاهر النصوص هل هو مُراد أو ليسَ بمراد، يقول إنَّ لفظَ الظاهر، كلمةُ الظاهر هذه عليها إشكال، لفظٌ مُجْمل؛ لأنّهُ بتغيّر المفاهيم أصبحَ لفظُ الظاهرِ فيهِ إجمال.
فعندَ أهلِ السنّة ظاهرها مُراد، ما في كلام، لكنْ لمّا أنّهُ صارَ عند تسرّبت إلى العقول المفاهيمُ المُنحرفة صارَ الناسُ في هذا اللفظِ أنواع، فالمشبِّه ظاهرُ النصوصِ عندهُ هو التّشبيه، فالمشبِّه ماذا يقول؟ ظاهر النصوص مُراد، وما ظاهرها عندهُ؟ هو ما يُماثلُ صفاتِ المخلوقين، فهذا مُبطلٌ لفظاً ومَعْنى، ظاهِرها هو التّشبيه، وهذا الظاهرُ مُراد، هذا هو هذا هو الكفر.
وآخر يقول: ظاهِرها غيرُ مُراد، فهذا إنْ كانَ يعني مؤمناً مُثبِتاً للصفات، ويعتقدُ أنَّ ظاهرها هو التّشبيه ولكنْ هذا الظاهرُ ليسَ بمرادٍ، بلْ المراد هو إثباتُ الصفاتِ على ما يليقُ بهِ، فهذا مُصيبٌ مِن جهةِ المعنى، حيثُ نَفى المعنى الباطل ليُثبتَ المعنى الحق، لكنّهُ غيرُ مُصيب حيثُ زعمَ أنَّ ظاهرَ النصوصِ هو التّشبيه، فهو غالطٌ مِن جهةِ ما يَعْتقدهُ مِن أنَّ ظاهرَ النصوصِ هو التّمثيل، ومُصيبٌ في نفيهِ لذلكَ المعنى الباطل.
والحق أنَّ ظاهرَ النصوصِ هو ما يَليقُ بهِ سبحانهُ وتعالى، هذا هو الصواب، فالأئمّةُ والسّلف لا يَرْضون أنْ يكونَ ظاهرُ كلامِ الله وكلامِ رسولهِ كُفراً وباطلاً، فَظاهرها هو ما يَليق بهِ سُبْحانه.
وكلمةُ "الظاهر" يُفسّرها الشيخ بالمعنى ما هو الظاهر؟ ظاهر الكلام؟ هو ما يَسْبِق إلى عقل، يعني ذي الفَهم السّليم العارف بلغةِ الخطاب، هذا المعنى الذي يَتبادرُ إلى ذي العقل والفَهم السليم العارف بلغةِ الخطاب، هذا هو ظاهرُ الكلام، أمّا الإنسانُ الذي لا يَفْهم اللغة فقد يَظْهر لهُ خلافُ مُرادِ المتكلّم، وكذلكَ مَن عندهُ اعتقادٌ مُعيّن، قد يكونُ ما يَظهرُ لهُ هو ما يُناسبُ اعتقاده، ولهذا المُعطِّلة ظاهرُ النصوصِ هو التّشبيه، وعندهم أنَّ إثباتَ الصفاتِ تَشْبيه.
والحقيقة أنّهُ ولله الحمد أنَّ النصوصَ ظاهرها هو ما يَليقُ بهِ سبحانهُ وتعالى، ولا يَجوزُ أنْ يقالَ أنَّ ظاهرها هو ما يُماثلُ صفاتِ المخلوقين، للعلمِ أنَّ الله ليسَ مِثل عِبادهِ، فإذا كانتْ ذاتهُ ليستْ كذواتِهم فصفاتهُ ليستْ كصفاتِهم، وهذا هو معنى الأصل "أنَّ القولَ في الصفاتِ كالقولِ في الذات"، والله أعلم.
– القارئ: أحسن الله إليكم، مِنهم مَن يُنازع، يعني في إجماعِ السّلف أنّها تُجرى على ظاهرها، يعني يقولون أفرادُ بعضِ العلماء، فهذا المُنازع يعني يقول يعني مِنَ السّلف يعني أفرادُ العلماء أجمعوا على أنَّ أش اسمه على أنّها تُجرى على ظاهرها، يعني يُنازع في إجماع ِالسّلف.
– الشيخ: وش، طيب من أين، ما مَصْدرُ هذه المنازعة؟
– القارئ: يعني يقول أنتم تحتجّون ببعض أفراد العلماء من السلف وليس الإجماع.
– الشيخ: طيب هل عندهُ ما يَنقضُ الإجماع؟
– القارئ: يرى أنَّ مَذْهبهُ هو الإجماع
– الشيخ: ها؟
– القارئ: يرى أنَّ مَذْهبهُ مثل التأويل أو التفويض هو الإجماع، فينازع..
– الشيخ: هات، أيّد قولهُ، هل يَستطيع أنْ يأتي لنا عَن أحدٍ مِنَ الصحابةِ أنّهُ تأوّل شيءً مِنَ النصوص؟ كل أهل العلم نَقلوا الآثار، أنَّ الله في السّماء، وجمعوا ما في القرآنِ وما في السُّنَّة وما في، شوف "اجتماعُ الجيوشِ الإسلامية" لابن القيم حشدَ فيه، سبحان الله، يعني الإجماع ما هو معناهُ أننا يعني نجيب، يحتاج نجيبلوا عَن ألفين ثلاثة آلاف مِنَ الناس مِنَ الصحابة والتابعين، لا، الإجماعُ أنْ تكونَ المرويات كل المأثور عَنِ السّلف مُتطابِق، عن الصحابة عن التابعين، كلّهُ شيءٍ واحد.
يعني لو كانَ كل الاجماعات التي تُعرف باستفاضةِ النقلِ عن، مو بشرط الإجماع أنك تجيب نُحصي الصحابة، ولابد أن نأتي مِن كل واحد، هذه منازعات تعنُّتية.